عادي
تناغم الإضاءة والديكور

«عنقود العنب».. توظيف بارع لمفردات العرض

00:35 صباحا
قراءة 4 دقائق

الشارقة: علاء الدين محمود

ضمن فعاليات الدورة الرابعة من مهرجان الشارقة للمسرح الخليجي احتضن قصر الثقافة مساء أمس الأول الجمعة، العرض الكويتي «عنقود العنب»، لفرقة المسرح العربي، تأليف د. نادية القناعي، إخراج: عبد الله سالم القلاف، بمشاركة نخبة من النجوم في الأداء التمثيلي.

حمل نص العرض جدلاً كبيراً، غير أن المؤلف استطاع أن يلتقط كثيراً من التفاصيل الاجتماعية التي تقبع في أماكن مظلمة في المجتمع وتحاط بالكتمان ولا يتم الحديث عنها إلا سراً، بالتالي تصبح عملية كشف الغطاء صعبة، ولكن الكاتبة نادية القناعي أقدمت على تلك العملية عبر غوص عميق وشجاعة فائقة، وهنا يمكن القول إن النص كان جريئا إلى حد كبير، لكن تلك الجرأة كانت منقوصة عندما اتجه النص نحو التغريب مستخدماً أسماء أجنبية، وفضاء غير معلوم على مستوى الزمان والمكان، ولكن بلا شك فإن شخصية السادي «بطل العمل» موجودة في كل مكان.

وربما كان لجوء المؤلفة إلى التغريب هو نوع من المراوغة تجنباً للحساسيات الاجتماعية، التي مازالت أجزاء كثيرة منها ترى الأمراض النفسية عيباً، غير أن النص لامس قضية مهمة ووضع الكثير من الإشارات الرمزية الذكية التي تنتظر من يلتقط معانيها ويطورها إلى فعل مسرحي، وذلك ما تصدى له باقتدار كبير مخرج العمل عبد الله القلاف بمقاربات ورؤى مميزة حملت الكثير من الإشراقات الجمالية والفكرية والرسائل المهمة.

العمل ينفتح على حكاية صوفيا آرون، التي عادت إلى بيت أسرتها، صحبة زوجها «آدم»، بعد غياب طويل، إذ كانت قد خرجت من منزل والدها وهي في سن العاشرة من عمرها، وعادت لتطمئن على كلب كانت قد شهدت معه أجمل أيام طفولتها، وفي انتظار والدها في صالة الاستقبال، ظلت تحكي لآدم عن هذا الكلب الذي علقت صورته في الحائط، بينما كان آدم في شغل شاغل عنها، إذ فتن تماماً بجمال المنزل، فهو لم يكن يعلم أن صوفيا سليلة أسرة ثرية وعريقة.

وبينما هما يتحدثان يدخل الأب صحبة حارسه الشخصي، فيستقبل ابنته بحرارة شديدة قابلتها ببرود وابتسامة فاترة، وسألت والدها عن الكلب، إلا أن الأب صدمها بإجابته إذ أخبرها أن الكلب قد مات هذا الصباح، لتدخل صوفيا في نوبة من البكاء الشديد على ذلك الفقد الكبير، وتطلب من آدم مغادرة البيت في الحال، إلا أن زوجها قابل ذلك الطلب بالرفض، ولم تجد معه كل محاولات وتوسلات صوفيا، حيث طلب منها آدم البقاء أو تذهب هي، أما هو فلن يفارق ما تخيله نعيماً، إذ نشأ ذلك الزوج في أسرة فقيرة وعاش حياة تشرد وجوع، ووجد في منزل والد زوجته كل ما افتقده في حياته.

وبالفعل خرجت صوفيا من منزل والدها، ولم يسألها زوجها عن الأسباب التي جعلتها لا تتوافق مع الأب، الذي أعماه الطمع الشديد في كنف السيد آرون، ولم يكن يدري ما ينتظره، والحقيقة أن ذلك الرجل كان متسلطاً ووحشاً سادياً مجرداً من الرحمة يتلذذ بتعذيب البشر، إذ لم تسلم منه حتى زوجته التي توفيت إثر تعذيبه لها أمام ابنتها التي لم يكن أمامها غير الفرار من هذا الأب الدموي الظالم، والبحث عن حياة جديدة في محاولة لنسيان الماضي وتلك الذكريات السيئة والبحث عن حياة جديدة.

واستمر آدم مع السيد آرون لتتبدد كل أحلامه في عيش رغيد، واصطدم بوحشية رجل سادي ذاق منه الأمرين، وأصبح عبداً له ولرغابته، وكان آرون يتلذذ بتعذيب آدم، وكلما حاول الأخير الفرار من هذا الجحيم، تصدى له الحارس الشخصي المدجن للسيد آرون فحال دون أن يعانق آدم حياة الحرية، إذ صار هذا المنزل قبراً له.

لم تستسغ صوفيا فكرة بقاء زوجها آدم في ذلك المنزل، فهي تعرف والدها جيداً، وتدري تماماً أنه سيمارس مثل هذه السادية تجاه زوجها، فعادت إلى البيت مرة أخرى لتنقذه، لكن بعد فوات الأوان، فقد وجدت أن آدم قد تم تدجينه تماماً، وصار بالفعل عبداً للسيد، منسجماً في حياته الجديدة ومغيباً عما حوله، لتعقد صوفيا مواجهة قاسية وحوارية مؤلمة مع والدها الذي طاف في ذاكرته في تلك اللحظة وجه زوجته، بل ووجوه كل من قام بتعذيبهم.

وظف عنوان العمل، «عنقود العنب»، كعتبة نصية مهمة تفضي إلى عوالم النص، الذي جاء خلاقاً ومبتكراً، فالسيد آرون كان يجبر آدم على تناول العنب بالقوة، رغم معرفته بأن لدى الأخير حساسية شديدة تسبب له الألم من أكل هذه الفاكهة، لكنه استغل ذلك الأمر وصار إحدى أدوات تعذيبه لآدم.

مقاربات إخراجية

تعامل المخرج مع النص بذكاء شديد، بتوظيف حلول ومعالجات إخراجية عبر تشكيلات ولوحات مشهدية مميزة، مع الاستعانة بلغة حوارية باذخة تكشف عن الحالات والانفعالات الإنسانية مع تداع حر لفيض الذاكرة، مقدماً كثيراً من الاشتغالات التي تمكنت من بناء وصناعة عرض مميز.

وكانت الصورة النقية الباهرة والديكور البديع هما سيدا المشهد، وجاءت الاشتغالات على مستوى السينوغرافيا بشكل مميز، على مستوى توظيف الإضاءة بطريقة خلابة وخلاقة، وكذلك الموسيقى الحية، وجاء الأداء التمثيلي ليكمل تلك اللوحة الرائعة، حيث قدم الممثلون أداء متميزاً عبر الانضباط الحركي والإبداع الجسدي، الأمر الذي حقق شروط الفرجة إذ تجاوب الجمهور مع العرض كثيراً خاصة في مشاهده الختامية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5n9bch6k

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"