نقل صناعة أشباه الموصلات التايوانية إلى أمريكا

22:04 مساء
قراءة 3 دقائق

د. محمد الصياد *

على خلفية ظهور مؤشرات التفوق الاقتصادي الصيني العالمي، احتدمت الحرب الباردة بين الصين وأمريكا التي سارعت لإقحام تايوان، عنوة، في هذا الصراع. ويوم الثلاثاء 6 ديسمبر/ كانون الأول 2022، أقامت شركة «TSMC» التايوانية العملاقة، حفل نقل أول مصنع لها من حديقة هسينشو للعلوم في تايوان إلى ولاية أريزونا الأمريكية. واستقبلت واشنطن الحدث بما يليق به، حيث زار المصنع التايواني الجديد (الذي غدا أمريكياً)، إلى جانب وزيرة التجارة، جينا ريموندو، الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي أعلن من هناك أن ما يحدث في ولاية أريزونا «مهم جداً ليس لأمريكا، وحسب وإنما للعالم». في حين اعتبرته بكين بمثابة اختطاف للشركة التايوانية متعددة الجنسيات لتصنيع وتصميم أشباه الموصلات، الأكثر قيمة في العالم، وعدّته منعطفاً مظلماً في تاريخ تطور صناعة أشباه الموصلات العالمية، غامزة من قناة القرصنة الأمريكية.

موريس تشانغ، مؤسس «TSMC» قال في الحفل «إن العولمة والتجارة الحرة على وشك الموت»، في تبرير واضح لبناء مصنع «TSMC» الجديد في الولايات المتحدة. تماماً كما هو قول الرئيس بايدن في الحفل «إن الصناعة الأمريكية تعود إلى الوطن»، متجاهلاً أن «TSMC»، تطورت أساساً، ووصلت إلى ما هي عليه اليوم، في جزيرة تايوان التي تطالب الصين بإعادة ضمها إلى الوطن الأم.

وقد بدا واضحاً أن السلطات التايوانية لا حول لها ولا قوة لمقاومة الضغط الأمريكي السياسي، المقرون بإغراءات وإعانات. في البدء (قبل ثمانية أشهر فقط من قرار النقل)، اعتبر موريس تشانغ، (مؤسس TSMC)، أن عملية نقل مصنع الشركة إلى الولايات المتحدة تحولت إلى كابوس، وأن محاولة الولايات المتحدة لتنمية إنتاجها المحلي من الرقائق ستكون «مضيعة للوقت ومكلفة وبلا جدوى بسبب افتقارها إلى المواهب والتكاليف الباهظة للعملية». لكن سرعان ما اضطُرّ لابتلاع كلامه، واعتبر عملية النقل بمثابة حلم يجري تحقيقه.

العولمة التي قادتها الولايات المتحدة على قاعدة حرية الأسواق، لم تعد تلائمها، لأنها حولت الصين إلى مارد يهدد امتيازات الوضع التنافسي الأمريكي في الأسواق العالمية. وشركة «TSMC» التي ستنقل استثمارات ضخمة تقدر بنحو 40 مليار دولار ومعها الآلاف من المواهب التايوانية المتخصصة في صناعة أشباه الموصلات، ليست سوى البداية لدفع شركات صناعية عالمية مفتاحية لإعادة التموضع على الأراضي الأمريكية. فقد حولت شركة «Samsung» الكورية الجنوبية جزءاً من عملياتها التصنيعية إلى الولايات المتحدة، فأنشأت مصنعاً في أوستن تكساس، وتقوم ببناء مصنع ثان في مدينة تايلور القريبة، وسيبدأ عملياته الإنتاجية في عام 2024 باستخدام أحدث طرق إنتاج أشباه الموصلات، مثل تقنية 3 نانومتر. ولأن كلفة الطاقة أصبحت الآن لا تطاق بالنسبة للمصنعين الألمان، فهم بدورهم مُجبرون على الانتقال إلى أمريكا.

ويتفق بعض الأمريكيين مع الصينيين، في أن هذه السياسة لإعادة إحياء التصنيع في أمريكا، لن تكون ناجحة بسبب ضعف بنيتها التحتية، والتكاليف الباهظة للرعاية الصحية، وتدني جودة الحياة. فضلاً عن حاجة الولايات المتحدة إلى سوق لتصريف هذا الإنتاج، وفي ضوء سوء العلاقات مع الصين وشن الحرب التجارية ضدها، ما ينسحب على أسواق تكتل أوراسيا، فلن يكون لهذه السياسة من معنى سوى ما عبّر عنه بعض المسؤولين الأمريكيين بالقول إنه «يمكن أن يعطي انتقال «TSMC»، الى الولايات المتحدة، ميزة حاسمة للجيش والاقتصاد الأمريكيين في وقت تشتد فيه المنافسة مع الصين». من الواضح إنهم يتحدثون عن لب القضية برمتها.

ردّ الصين كان سريعاً ومفاجئاً، فقد أصدرت شركة «Huawei»الصينية براءة اختراع جديدة في مجال تطوير الطباعة الحجرية فائقة الأشعة فوق البنفسجية (EUV)، بما يُعد خطوة نحو تصنيع أشباه الموصلات التي تقل عن 7 نانومتر، وينقل صناعة أشباه الموصلات إلى طور التقنية النانوية العضوية عمّا قريب. وتفرض أمريكا عقوبات على الصين، فتسرع الصين في تطوير نظام مُحسّن من شأنه القضاء على السوق الأمريكية. تماماً كما فعلت حين تخطت أمريكا في مجال الحوسبة الفائقة، والفضاء، وأجهزة الهاتف الذكية، والإنترنت فائق السرعة. الآن، ستصنع الصين الرقائق الأكثر تقدماً بسعر أقل من شركات كوالكوم، وإنتل، وأيه إم دي، ومايكرون، وTI، وسامسونغ، وTSMC، وستضع هواوي، جميع منافسيها في وضع صعب. يقول هنري كيسنجر: «أن تكون عدواً لأمريكا قد يكون أمراً خطراً، لكن أن تكون صديقاً فهو أمر قاتل»، قبل أن يردف: «ليس لأمريكا أصدقاء أو أعداء دائمون، فقط مصالح».

* كاتب بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4m3adaau

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"