المهاجرون إلى الموت

00:55 صباحا
قراءة دقيقتين

وليد عثمان

الارتزاق من الموت مهنة يستوي فيها صناع الحروب غير المبررة ومن يسوقون بشراً إلى الموت بعد أن ينفذوا إليهم من مكامن القهر في بلدانهم أو أوهام الثراء في بلدان تضيق هي الأخرى بمن فيها وتشكو من أزمات إلى حد التظاهر.

القهر قد يكون عذراً مقبولاً للفرار من بقعة مأزومة، لكن إذا كان مصير الهارب من أوضاع وطنه هو الموت في قارب غارق أو شاحنة خانقة أو بين محتشدين عند سياج حدودي، فالأكرم أن يقنع بنهاية هانئة بين أهله.

خمسون ألف نفس بشرية اختارت الموت أو فقدت، ولم تعد محسوبة على الأحياء أو الهالكين وهي تحاول العبور إلى الولايات المتحدة و دول الاتحاد الأوروبي بتقديرات المنظمة الدولية للهجرة، إحدى وكالات الأمم المتحدة، منذ عام 2014.

والرقم، على بشاعته، فهو تقريبي، وفق الوكالة أيضاً، خلاصة من أمكن حصرهم من المهاجرين إلى الموت من مسالكه الشائعة، وأكثرها نهماً لابتلاع الضحايا البحر المتوسط، إذ ابتلع وحده نحو عشرين ألف شخص حملهم القهر أو الوهم على عبوره منذ 2014.

العشرات الذين لفظ البحر جثثهم قبل ساعات قبالة مدينة كروتوني الإيطالية هم أبطال مأساة جديدة ربما دفعوا كل ما يملكون، بل حيواتهم، لتمتلئ جيوب تجار الموت الذين لا يعنيهم حتى وجود رضع بين ضحاياهم.

مرة أخرى، ما جدوى إنفاق الحياة للفرار من «موت» في وطن المهاجر إلى موت على ضفة أخرى يقول أهلها: «لسنا الفردوس المفقود».

استخدم ماتيو بيانتيدوزي، وزير الداخلية الإيطالي، وصف «مأساة كبيرة» وهو يعلق على الفاجعة الجديدة من منظور إنساني، لكنه لم يتردد في الإقرار بأن ما ينتظر المقامرون بحيواتهم لبلوغ أوروبا إنما ينتظرهم «سراب» حياة أفضل فيها، وأن الحقيقة الثابتة في الرحلة، بعد الموت طبعاً، هي زيادة ثراء المهربين.

تجدد الكارثة النقاش حول قوانين اللجوء في الاتحاد الأوروبي والدعوات إلى إصلاحه، ومن ترتيبات القدر أنها وقعت أمام شواطئ إيطاليا التي أقر برلمانها قبل أيام قواعد رأت فيها حكومة اليمين المتطرف حلاً لتحجيم عمليات الهجرة غير الشرعية إليها.

تقيّد هذه القواعد عمليات إنقاذ المهاجرين في البحر المتوسط ما يفاقم خطر موت معظمهم، وفق منتقدي القرار، ويساوي بين الفار من الفقر أو غياب الاستقرار ومن تاجر بمأساته.

هذه القواعد المستترة بما يعتبره وزير الداخلية حزماً في مواجهة المهاجرين لن تمنع تدفقهم إلى إيطاليا التي استقبلت أكثر من 14 ألف مهاجر منذ بداية العام، مقارنة بنحو 5300 خلال الفترة نفسها من العام الماضي و4300 في 2021.

الحل في تعاون دولي جاد، وسعي مخلص من الأوطان الطاردة لأبنائها في توفير ما يعينهم على الحياة لا ما يدفعهم إلى أيدي تجار الموت، فتتحول إنسانيتهم إلى مجرد ذكريات متناثرة بين حطام القوارب.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3vcjwp64

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"