تحذير دولي من «التواصل الاجتماعي»

01:15 صباحا
قراءة 3 دقائق

عاطف الغمري

عندما تجري مراكز متخصصة بالأمن القومي في الدول الغربية، سلاسل من الدراسات حول الجانب الخفي الخاص بالنفاذ إلى وسائل التواصل الاجتماعي، ليلعب دوراً ضاراً بالأمن القومي للدول والشعوب، فإن ذلك لابد أن يثير الاهتمام، خاصة أن وسائل التواصل الاجتماعي هي أصلاً من إبداع هذه الدول.

هذا بالطبع لا ينفى اعترافها بالدور المهم الذي صارت تلعبه أدوات ثورة المعلومات في حياة الدول والشعوب. ونحن معها في هذه النظرة، لكن ذلك لم يمنعها من إطلاق صيحة تحذير من خطورة الممارسات بلا قيود قانونية لهذه الوسائل.

وعلى كثرة هذه المراكز المتخصصة، فإنني سأنتقي منها عيّنة محدودة العدد، لنتصفح معها بعض ما رصدته أبحاثها.

بداية، يقول مركز المعلومات التقنية، وبمشاركة من كلية أركان حرب الأمريكية، إن وسائل التواصل الاجتماعي كانت ظهرت كأعجوبة جديدة استولت على انتباه الكثيرين من الناس خاصة الشباب. وسرعان ما خلقت رابطة سريعة بين الناس، وجذبت اهتماماً واسعاً لمستخدميها، لكن الأهم أن تأثيرها تحول إلى ما يشكل تهديداً للأمن القومي، من ذلك على سبيل المثال، نفاذ منظمات الإرهاب إليها، بالتحريض على العنف داخل الدولة، وتصوير جرائمها على أنها نشاط مدفوع بأفكار وقيم.

يضيف إلى ذلك موقع «جيوبوليتكس» تحت عنوان «وسائل التواصل الاجتماعي والأمن القومي»، أن التاريخ أثبت أن تنظيمات إرهابية مثل «القاعدة»، وأشباهها، وما تفرع عنها، قد استخدمت الإنترنت لنشر دعايات مغلوطة حول عقيدتها، والترويج لطرق تدريب وتجنيد أعضاء جدد، وكيفية صنع القنابل، وأن التعليمات الأمريكية التي كانت صدرت لحماية وسائل التواصل الاجتماعي من اختراق جهات خارجية لها كانت مرتبطة بالأمن القومي للدولة، وأن أجهزة مخابرات أجنبية تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي، للتواصل بين أعضاء جماعات إرهابية، ونشر معلومات مضللة وزائفة بهدف التأثير في تفكير الشعوب وأمنها.

الباحثة أماندا هيثلر، أشارت إلى النزاع في أوكرانيا، كأحد نماذج سرعة انتشار المعلومات الزائفة من الجانبين المتحاربين، بإسهامات على وسائل التواصل الاجتماعي.

ويقول موقع «مجلس أوروبا» إن الأخبار الزائفة نفذت إلى وعي الرأي العام، ومن أهدافها دفعه إلى التطرف العنيف، ونشر خطاب الكراهية.

واقترب من هذه الزاوية، المجلس الوطني الأمريكي للمخابرات والأمن، بقوله إن مكتب التحقيقات الفيدرالي (F.B.I)، والمركز الوطني لمكافحة التجسس، نشرا تقريراً ينبه إلى أن عناصر معادية، تنشر روايات مزورة على وسائل التواصل الاجتماعي، تستهدف التأثير في عقول أفراد، ومجتمعات مختلفة داخل الدولة، ودفعها إلى نشر معلومات مستقاة من مصادر مجهولة. وإن بعض أجهزة المخابرات الأجنبية تفعل ذلك على نطاق واسع مستهدفة ألوف الأشخاص على مستوى العالم. وهو ما تحدث عنه مركز الدراسات بكلية الدفاع السويدية في دراسة للخبيرين جورجي تريفيرتون، ورينانا ميلز، حول استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لخدمة عمل مخابراتي خارجي.

ثبت أيضاً نشر بعض الصحف مقالات تحمل أخباراً زائفة، وتستهدف التلاعب بالقارئ بإعطائه معلومات غير صحيحة عن أحداث توحي بأنها وقعت، على حين أنها لم تكن وقعت بالفعل.

ويقول جورج كويستر في موقع «مجتمع المخابرات وأخبار الميديا»، إن كثيراً من الأمريكيين قد يحدث لديهم تصور مبدئي بأن المخابرات والصحافة هما جهتان مختلفتان في كل الأحوال، بينما يحدث في بعض الأحيان أن تكون صناعتهما للأخبار الزائفة، تتم بالقواعد نفسها التي تستهدف عقل القارئ وتوجيه تفكيره نحو الاعتقاد بما يخالف الحقيقة.

جاء اختياري لهذه النماذج، لكونها مراكز علمية متخصصة، وتكرس جهودها للبحث في ما يقبع في خلفية الجانب الظاهر للعيان، على مساحة وسائل التواصل الاجتماعي واسعة الانتشار، والتي يسهل أن ينجرف في تيارها المجهز بتقنية متقدمة، أفراد من دون وعي، يساهمون في نشر معلومات تأتي إليهم من مصادر لا يدركون كنهها، كما يغيب عنهم أيضاً الهدف الخفي لهذه المصادر وارتباطاتها الخارجية، ومنها – كما ذكرت تلك المصادر الغربية – أجهزة مخابرات، ومنظمات خارجة على القانون، إرهابية، ومن دعاة الترويج للعنف، والكراهية، وتفتيت المجتمعات.

يضاف إلى ذلك ما يحدث من الترويج لمعلومات تكون نتيجتها تشكيك الرأي العام الداخلي، ومن دون وعي منه، في أوضاع تمسّ حياته داخل بلده، وتثير الشكوك فيما بين أبناء البلد الواحد، وبعضهم بعضاً. في حين أن من ينجرفون في تيار هذا التشكيك، لا يدركون شيئاً عن الأيدي الخفية التي تتلاعب بهم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdep2vrw

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"