عادي
شهر القراءة والمسرح والشعر

مارس.. ربيع الثقافة

01:31 صباحا
قراءة 4 دقائق
2

الشارقة: عثمان حسن

ربما تكون القراءة هي الممارسة الإبداعية والإنسانية الأكثر دهشة من بين كل الأدوات التي يمارسها العقل البشري، بوصفها امتداداً لشيء آخر له صلة بالذاكرة والمخيلة، ولعل من المهم الإشارة إلى حيرة العلماء، وهو يدرسون تلك المفاعيل الإيجابية لعادات القراءة على المرء من النواحي النفسية والصحية والاجتماعية، وأيضاً من الناحية المعرفية والمهارية.

لقد انشغل علماء كثيرون في دراسة ما الذي سيحصل عليه البشر من ممارسة القراءة؟ وكانت النتائج مذهلة، إذ أثبتت أن هناك جملة من الفوائد التي تتجاوز المتعة المجردة، بل تركت فوائد إيجابية ودائمة على الصحة الجسدية والعقلية للبشر، والتي يمكن أن تستمر مدى الحياة.

ومن النتائج على سبيل المثال لا الحصر، أن القراءة تقوي «حرفياً» العقل، بتنشيطها لشبكة معقدة من الإشارات في الدماغ، وأنه مع نضج التجربة الإنسانية والمواظبة على القراءة تصبح هذه الشبكات أقوى وأكثر نشاطاً وتعقيداً.

هي القراءة، التي تلخص رحلة مدهشة في حيوات البشر من كتاب ومثقفين وأناس عاديين، فأبدعوا في مجالات حياتية وإنسانية مختلفة، فالقراءة تضيف إلى كنز المعرفة البشري الشيء الكثير، وهي حافز قوي ودائم على تعلم واكتشاف أشياء جديدة في حقول المعرفة، فهي توسع مفردات المرء، وتتفاعل إيجابياً مع القدرة على مواجهة الصعاب نحو آفاق كبيرة من النجاحات التي لا حصر لها.

بدايات

لقد ثبت بالدليل الدامغ، أن أكثر الدول نجاحاً في العالم، هي تلك التي تولي اهتماماً أكبر بالقراءة، ولعل الإمارات واحدة من تلك الدول، التي ارتقت بفعل القراءة من الناحيتين المادية والمعنوية، وكان أن اختارت شهر مارس من كل عام، ليكون شهراً لصيقاً بفعل القراءة والإبداع، فأقرت حزمة من المبادرات والمشاريع والأنشطة التي يطول حصرها ودراسة جدواها، فكان «شهر القراءة» شهراً تحتفي به الدولة في كل عام، وذلك تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء الذي حدد هذا الشهر (شهراً وطنياً) للقراءة لتعزيز وزيادة الارتباط بهذه العادة الحيوية والجوهرية، فكان أن كثفت العديد من المبادرات والبرامج المشجعة على القراءة، من خلال وزارة الثقافة والشباب وبالتنسيق والمتابعة مع مختلف مؤسسات الدولة لإطلاق المبادرات المتميزة التي تسهم في بناء مجتمع قارئ متسلح بالعلم والمعرفة، قادر على قيادة مسيرة التنمية في الإمارات.

تجدر الإشارة هنا، أن مجلس الوزراء في الإمارات قد أطلق اسم عام القراءة على عام 2016، وكان أن تمت ترجمة هذا القرار من خلال خطوات فعلية تهدف إلى ترسيخ عادات القراءة، وبدأت منذ ذلك التاريخ حركة نشطة في الإمارات عملت بكفاءة وفاعلية لتربية جيل قارئ شغوف بالمعرفة.

لقد باتت الثقافة مرتكزاً أساسياً في استراتيجيات الدولة نحو عالم متطور ومتفاعل في المحيط الدولي والعالمي، وباتت الثقافة حاضرة في أشكالها المختلفة في الكتاب، وفي اللقاءات وفي المهرجانات، وفي الفنون المختلفة، وصار شهر القراءة في الإمارات راسخاً في الوجدان الشعبي والثقافي بوصفه شهراً للثقافة من كافة منابعها، وصار شهراً حافلاً بالجوائز والتكريمات والمبادرات والخطط الكثيرة، في مختلف مؤسسات ودوائر الدولة، وبوصف القراءة نشاطاً ذهنياً يعزز مهارات التعلم والريادة في المجالات كافة.

ديوان العرب

ولأن الشيء بالشيء يذكر، فمن المؤكد أن شهر مارس، هو شهر الشعر أيضاً، ومن خلاله تنشط البيئات الثقافية في الإمارات للحفاوة ب «ديوان العرب» من خلال أنشطة وفعاليات وأماسيّ تستمر طوال أيام الشهر، تماشياً مع اليوم العالمي للشعر الذي أقرته منظمة «اليونيسكو» وحددت تاريخه في الحادي والعشرين من هذا الشهر، وذلك في عام 1999.

وهنا، لا بد من الإشارة إلى أن الحفاوة الإماراتية بالشعر، قد تجاوزت المألوف على المستوى العربي، فقد تأسست في الدولة أكاديمية خاصة بالشعر، كما كان الشعر حاضراً في مناسبات ومواسم ومهرجانات كثيرة في الدولة في العاصمة وفي دبي وفي الشارقة وكافة إمارات الدولة، وهنا نشير إلى برنامجي «شاعر المليون» و«أمير الشعراء في أبوظبي، وقيام إمارة الشارقة بإطلاق جائزة خاصة بالشعر تحت عنوان«جائزة الشارقة للشعر العربي» وأطلقت في عام 2011 برعاية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وذلك لتكريم رواد الشعر في الإمارات والوطن العربي.

أبو الفنون

وشهر القراءة في الإمارات هو شهر المسرح، ففي العاشر من مارس 1984، انطلقت الدورة الأولى لأيام الشارقة المسرحية، وهو المهرجان الأول من نوعه في الخليج وفي الوطن العربي على صعيد التنظيم، ولجان التحكيم المشاركة فيه، وأيضاً بما يستضيفه من كفاءات فنية وخبراء في المجال المسرحي، من ممثلين ومخرجين وكتاب ونقاد يشهد لهم بالكفاءة والاقتدار، وأيضاً بما يواكبه من عروض مسرحية ومشاركات ذات فائدة كبيرة من خلال الندوات التطبيقية والملتقيات الفكرية المصاحبة واللقاءات والحوارات المفتوحة لكافة عشاق «أبو الفنون».

لقد استطاع مهرجان أيام الشارقة المسرحية، وهو يستعد في هذا العام لدخول عتبة الأربعين عاماً في تاريخه، أن يؤسس لتظاهرة ثقافية وفنية فريدة في المنطقة، وباتت أنظار الفنانين المسرحيين تتوجه إليه وتشيد بإنجازاته في التمكين المسرحي، وصار مهرجاناً مؤثراً، وقد شكل بحق تظاهرة فنية متجددة بما فيها من فضاءات فكرية وثقافية تحفز على الإبداع والتميز.

روح جديدة

مارس ، شهر الثقافة، وربيعها، وهو روحٌ جديدة تُضَخّ في عروق الإبداع والمعرفة، روحٌ تجسدها عوالم مدهشة تضيف لنهضة البشر، وتجود بحيوات كثيرة من كنوز الثقافة، روح ممهورة بتاريخ الإنسان ووجوده على هذه الأرض التي تستحق الحياة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ycy2v9yh

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"