عادي

دلالات تحويل القبلة

00:21 صباحا
قراءة 3 دقائق
أحمد حلمي

أحمد حلمي سيف النصر

في شهر شعبان الكريم تحقق للنبي الكريم، صلى الله عليه وسلم، إحدى أهم الأمنيات، وهي تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة، التي أقام دعائمها سيدنا إبراهيم وولده إسماعيل، عليهما السلام. وفي هذه الليلة، كما ورد في سيرة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، نزل قوله تعالى: «قد نرى تقلب وجهك في السماء، فلنولينك قبلةً ترضاها، فولِّ وجهك شطر المسجد الحرام».

ظل رسولنا ومعه المسلمون ستة عشر شهراً يتجهون في صلاتهم إلى بيت المقدس، ثم تحققت أمنيته أن يتجه إلى الكعبة المشرفة، وفي هذا ما فيه من أبعاد مهمة، ومعانٍ كبيرة، منها أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وبين قبلة المسلمين التي هي الكعبة المشرفة، وبالتالي، فإن في هذا إيحاء لكل عربي ومسلم في أي مكان كان، أن يعرف واجبه، ويدرك مسؤوليته تجاه مقدساتنا.

وتحويل القبلة من الحوادث الفارقة، والنقاط الحاكمة، في توجيه مسيرة الأمة المسلمة، على مستوى الانتصارات والبطولات أو حتى على مستوى الانكسارات.

نعم، تحويل القبلة من علامات الأمة الظاهرة في تميز الصف المسلم، وتنقيته من الخبث، تماماً كما كانت رحلة الإسراء والمعراج، وكما كانت سرية عبدالله بن جحش، رضي الله عنه، وما تبعها من قتل في الشهر الحرام، وكما كانت غزوة أحد، وكما كانت أحداث الحديبية، وكلها تصب في سياق التطهير وتنقية الصفّ المسلم.

إن هذه الأمة شاء الله تعالى لها أن تكون الأمة الوارثة المستخلفة في الأرض التي تحمل الأمانة وتشهد على العالَمين: «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً» البقرة: 143.

هذه الأمة أراد لها الله تعالى أن تنفرد بحس إسلامي رباني مميز، فاتجاه المسلمين إلى بيت الله الأول هو تميز لهم، هو وراثة الفضل من الله تعالى، فتحويل قبلة المسلمين إلى المسجد الحرام الذي بناه إبراهيم وإسماعيل، عليهما السلام، ودعيا له بالأمن والرزق والبركة والحفظ لهو السياق الطبيعي المنطقي مع وراثة المسلمين لدين إبراهيم وعهده عليه السلام مع ربه سبحانه، وهو المنهج الذي يميز أمة الشهادة، فيربطها بأصولها وتاريخها وعقيدتها، ويمنحها القيادة التي خُلقت لها وأخرجت للناس من أجلها، فلها تميز في الجذور والأصول، وفي الأهداف والغايات، وفي الراية والوجهة.

وكانت حادثة تغيير القبلة اختباراً لمدى قدرة الأمة المسلمة على التسليم لكل ما يجيء به دينها، ولمدى إمكانية أن تغير ما في نفسها كي تؤمن وتطيع وتلتزم، قال تعالى: «وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ»، البقرة: 143.

وهكذا يجب أن يكون لهذه الحادثة اليوم آثارها في نفوسنا وفي علاقاتنا بالآخرين وقد نجحت الأمة المسلمة في هذا الاختبار، وفي قدرتها على التسليم وعلى تغيير النفس، وتعاملنا اليوم مع هذه الحادثة يجب أن يكون بمنطق «التحويل» الذي حدث بسببه تحويل القبلة: بأن نخلع عن أنفسنا كل ما يعوق التزامنا بتعاليم ديننا، وهكذا كان لتحويل القبلة آثار كبيرة في حياة الأمة المسلمة في داخلها، وفي علاقاتها مع الآخرين. «وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ ‏حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ» البقرة: 150

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/577k6drj

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"