عادي
ينتقل بالمشاهد من الرعب إلى الذعر والقلق

«بلاين».. المغامرة «المحسوبة» مع التشويق

01:06 صباحا
قراءة 5 دقائق

مارلين سلوم*

أحوال جوية سيئة، عاصفة تهدد مصير طائرة وركابها، هبوط اضطراري.. لن تتوقف السينما الأمريكية عن تناول مثل هذه الأحداث في أفلامها، فقد شاهدنا منها الكثير، بعضه استقى أحداثه من حوادث حقيقية، وبعضه الآخر استوحى من الخيال ما يضيف على المأساة مآسي متنوعة، فجنح باتجاه الرعب والجريمة، أو بقي في إطار التشويق، مثلما فعل صناع فيلم «بلاين»، المعروض حالياً في الصالات، والذي أضاف إلى التشويق المزيد من المغامرة «المحسوبة» بدقة لتناسب البطل، فالسينما الأمريكية أيضاً تفصل أفلاماً على مقاسات نجومها، ولكن «بلاين» مناسب أيضاً للجمهور وممتع للمشاهدة.

«طائرة»، تستغرب أن يكون عنوان هذا الفيلم بسيط إلى حد السذاجة، كأن مؤلفه لم يبذل أي مجهود للبحث عن عنوان غير سطحي، فاكتفى بكلمة «بلاين» أي «طائرة» والذي لا يعتبر جاذباً أو لافتاً، فينتقص من قيمة العمل المشوق والقائم، منذ مشهده الأول وحتى آخر لقطة، على المغامرة والأكشن. تشارلز كومينج، وجي بي دايفيس، كتبا قصة في ظاهرها مألوفة، عن تعرّض طائرة الركاب «تريل بليزر 119» المتجهة إلى طوكيو والتي تقل على متنها 14 راكباً إضافة إلى الكابتن قائد الطائرة برودي تورانس (ريتشارد بتلر)، ومساعده صامويل ديلي (يوسون آن)، والمضيفات بوني (دانييلا بينيدا) وماريا (أمبر ريفيرا) وإيزابيلا (ميشال لي)، لعاصفة قوية تسببت بأضرار كثيرة وعواقب وخيمة، إنما في الباطن فقد تمكن المؤلفان من الانتقال بنا من حالة رعب وتشويق، إلى حالة ذعر وقلق، وصراع زاد من العمل قيمة وزادنا تمسكاً بمتابعة المشاهدة لمعرفة ما الذي سيحصل، ولا شك في أن للمخرج، جان فرانسوا ريشيه، دوراً مهماً في إنجاح هذا العمل، خصوصاً أنه قائم برمته على عنصر التشويق، فإذا بهت أي مشهد، أو هبط مستوى الأكشن والغموض والترقب فيه، فشل العمل بكامله، ولم ينجح في جذب الجمهور وإبقائه مشدوداً وقلقاً ومترقباً طوال الساعة و49 دقيقة، مدة عرض الفيلم.

بطل مغامرات وحركة

جيرارد بتلر المنتج المشارك في الفيلم، لم يخرج عن إطار الأدوار التي يلعبها ويبرع فيها، بطل مغامرات وحركة، تشعر كأنه يقف في المنتصف ما بين الأبطال الخارقين، وأبطال أفلام جيمس بوند الخارقين بشكل أكثر التحاماً بالبشر من شخصيات «باتمان» و«سوبرمان»، ومن تقدمهم مارفل ودي سي.. وفي «طائرة» يحلّق بأدائه عالياً، ويقدم شخصية القبطان الإسكتلندي تورانس.

ينطلق الفيلم من وصول الكابتن الطيار برودي تورانس، إلى المطار مستعجلاً بسبب تأخره المعتاد، يتواصل باتصال فيديو مع ابنته دانييلا (هالي هيكينج) المقيمة مع عمتها كاري في كاليفورنيا، ونفهم أنهم لم يجتمعوا منذ مدة طويلة، لذا ينتظر تورانس بفارغ الصبر إتمام رحلته هذه على متن الطائرة 119 والذهاب إلى كاليفورنيا لقضاء ليلة رأس السنة، مع ابنته الوحيدة وشقيقته، خصوصاً أنه يقيم وحيداً في سنغافورة منذ أن توفيت زوجته. من داخل الطائرة نرى كيفية تعارف الكابتن بالطاقم المرافق له، مساعده الذي يعمل معه لأول مرة، صامويل ديلي من هونغ كونغ، وهنا تلاحظ تنوع جنسيات طاقم الرحلة، وحتى الركاب، طبعاً هو تنوع مقصود أراده المؤلفان أن يجسد الواقع الحالي، لا سيما وأن الرحلة هذه تنقل مسافرين من السياح، منهم رجال أعمال، ومتهماً بجريمة قتل، وهارباً منذ مدة وقد ألقي القبض عليه، ويجب تسليمه إلى السلطات، المجرم لويس جاسبار (مايك كولتر) مكبل بالأغلال ويرافقه ضابط يشدد عليه الحراسة، ويمنع أي أحد من الاقتراب منه.

قلق وانتظار

يتم إبلاغ الكابتن ومساعده بوجود عاصفة عليهما تفاديها خلال الرحلة، لكن لا يمكن تغيير المسار كثيراً لأن الطائرة غير مجهزة بوقود يكفي لانتقال لساعات ومسافات أطول مما هو محدد لها. سريعاً نفهم أن هذه المعلومات موجهة للجمهور، كي نشعر مسبقاً بالقلق وننتظر وصول العاصفة وكيفية تعامل تورانس معها، وما هو مصيرهم جميعاً؛ كما أن وجود مجرم على الطائرة يحملنا على التفكير بسيناريو آخر، مثل أن يستغل المجرم لويس جاسبار (أسود البشرة والحاد الملامح) العاصفة ليقوم باختطاف الطائرة، وركابها، لكن المؤلفان والمخرج يجيدون خداعنا، ومفاجأتنا بأحداث تزيد الأمور تعقيداً، وتنقلنا من أزمة إلى أخرى، وبتسلسل سلس ومنطقي.

العاصفة أقوى وأصعب مما توقع المسؤول عن إعطاء المعلومات والتوجيهات للرحلة، فتنعدم الرؤية، ثم تضرب صاعقة الطائرة تفقدها كل سبل الاتصال والتواصل وتتعطل إلكترونيات الطائرة، ما يدفع بالكابتن إلى الهبوط بشكل سريع وطارئ من ارتفاع 40 ألف قدم، حيث لا يملك سوى 10 دقائق قبل أن ينفذ الوقود، وعدم قدرته على الاستعانة بخزان بديل بسبب تعطل الإلكترونيات.. الكل مجبر على الجلوس في مقعده، لكن الضابط لا يلتزم بالتعليمات ويحاول التقاط هاتفه النقال، وتسرع المضيفة إيزابيلا لمنعه فيقضيان من شدة التخبط. هذه تفصيلة لن تحرق عليك الأحداث لأن الآتي أعظم.

سيطرة متمردين

الكابتن يختار الهبوط على اليابسة بدلاً من الماء علّهم يجدون المساعدة ويتمكنون من الاتصال بشركة «تريل بليزر»، لكن اليابسة لم تكن النعيم المرجو، بل الجحيم الأسوأ، حيث يكتشفون أنها جزيرة جولو التي يسيطر عليها المتمردون الفلبينيون الخارجون عن سيطرة الدولة، يقومون بخطف السياح، وأي شخص تطأ قدماه الجزيرة كي يبتزوا أهاليهم ويحصلوا على المال. داتو (إيفان داين تايلور) هو الزعيم الذي لا ترد له كلمة.

وبين محاولات الكابتن تورانس إيجاد حلول للخروج من الجزيرة بسلام بعد اكتشافه أنها محتلة من قبل مسلحين وخارجين على القانون، وسعيه الحثيث للوصول إلى وسيلة اتصال تمكنه من إبلاغ ابنته بمكان وجودهم وبأنهم على قيد الحياة، تسود أجواء توتر يشعر معها المشاهد بتفاعله معها، وهو يتوقع باستمرار أن يرى الأسوأ، وميزة الفيلم أنه لا يمنحك فرصة تكهن مصير أي من هؤلاء الركاب، فأنت تتوقع مثلاً أن يهرب المجرم جاسبار، أو أن يقتل الكابتن، أو أي من الركاب، وتتوقع أن يقع الجميع أسرى لدى المسلحين، وأن يقتل بعضهم، وينجو البعض الآخر، وطبعاً لا بد أن يبقى الكابتن حياً، على الأقل كي يكمل مهمة إنقاذ الطاقم والركاب، خصوصاً أن تورانس يشعر بمسؤولية ويتحملها كاملة، ويفضل تحمّل كل العواقب والمخاطرة بنفسه وباتخاذ قرارات مفاجئة وجريئة على أمل أن ينقذ الجميع بلا استثناء.

هل تستطيع الشركة إرسال من ينقذ الرحلة 119 من براثن المسلحين؟ التشويق يستمر حتى النهاية، بعض الأحداث تخرج عن المنطق، مثل تمكن قوات إنقاذ من الوصول إلى الجزيرة لمساعدة تورانس والركاب، لكنهم لا يستطيعون نقلهم خارج الجزيرة والعودة بهم إلى أي مطار قريب آمن. فكيف وصلوا، وكيف لا يمكنهم الخروج معهم من هناك؟

أجواء توتر وميزة الفيلم

بين محاولات الكابتن تورانس إيجاد حلول للخروج من الجزيرة بسلام بعد اكتشافه أنها محتلة من قبل مسلحين وخارجين على القانون، وسعيه الحثيث للوصول إلى وسيلة اتصال تمكنه من إبلاغ ابنته بمكان وجودهم وبأنهم على قيد الحياة، تسود أجواء توتر يشعر معها المشاهد بتفاعله معها، وهو يتوقع باستمرار أن يرى الأسوأ، وميزة الفيلم أنه لا يمنحك فرصة تكهن مصير أي من هؤلاء الركاب، فأنت تتوقع مثلاً أن يهرب المجرم جاسبار، أو أن يقتل الكابتن، أو أي من الركاب، وتتوقع أن يقع الجميع أسرى لدى المسلحين، وأن يقتل بعضهم، وينجو البعض الآخر، وطبعاً لا بد أن يبقى الكابتن حياً، على الأقل كي يكمل مهمة إنقاذ الطاقم والركاب، خصوصاً أن تورانس يشعر بمسؤولية ويتحملها كاملة، ويفضل تحمّل كل العواقب والمخاطرة بنفسه وباتخاذ قرارات مفاجئة وجريئة على أمل أن ينقذ الجميع بلا استثناء.

* [email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/58n79cmp

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"