علاقات القوة في النظام الدولي

01:12 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمد خليفة

لا صوت اليوم يعلو، رغم الزلازل والكوارث، على صوت أخبار وخطابات الحرب الروسية الأوكرانية، ليس في الصحف وشبكات التلفزة وحدها؛ بل على ألسنة كبار المفكرين والباحثين والسياسيين.

وتتسم معظم هذه الخطابات بعبارات سلبية ومتشنجة نتيجة دوافع التطرف السياسي الديالكتيكي، وهي أفكار تنبع من مواقف يغلفها التطرف، كما أنها تحمل في طياتها بذور السلوك الانتقائي باستخدام مفردات استقصائية ومستعلية. ينتج عنه إلحاق الأذى بأنفسهم، وإن ظنوا أنهم بمعزل عنه، وبدرجة أكبر العالم، وخاصة المحيط الجغرافي الأقرب.

لم يكن خطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في استاد موسكو، وسط حضور شعبي هائل لدعم العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، ينطوي على رؤية محفزة لحركة الحرب، وملهمة لجماعة سياسية وعسكرية. فقد جاء ذلك الخطاب بعد إعلان دول الغرب عن تقديم المزيد من الدعم العسكري، والتسليح بالصواريخ وأسلحة هجومية بعيدة المدى والدبابات الحديثة لأوكرانيا. وقد أكد الرئيس بوتين أن نصر روسيا حتمي في الحرب، لأنها قوة نووية دولية لا يمكن أن تهزم، في الوقت الذي كان فيه الرئيس الأمريكي جو بايدن يزور أوكرانيا، ويؤكد من هناك أن هزيمة روسيا حتمية، وأنه كمنشط للإرادة الأمريكية والأوروبية، وأنه لن يسمح لها بالانتصار في أوكرانيا.

والواقع أن الاعتماد على السلاح وحده ليس كافياً أبداً لإلحاق الهزيمة بروسيا وكسب الحرب، بل لا بد من غزو عسكري بري تقوم به الجيوش في ميدان المعركة.

لا شك أن الغرب اليوم يرى نفسه مضطراً للقتال، بشكل غير مباشر، إلى جانب أوكرانيا، فهو يدعمها بالمال والسلاح والمتطوعين، لأنه لا يتجرأ على إرسال جيوشه لقتال الروس خوفاً من أن تتحول المواجهة إلى حرب نووية، وعند هذه النقطة فقط تتوقف الألسن وتطبق الشفاه، فلا أحد يجرؤ على اتخاذ أول خطوة في هذا الاتجاه، والكل يعلم مدى الدمار الذي ستتركه الأسلحة النووية. وفي هذا الوقت الصعب فقد طرحت بكين مبادرة للسلام في أوكرانيا، وقد رحبت روسيا بتلك المبادرة، بينما رفضتها أوكرانيا بشكل غير مباشر، حيث قال وزير خارجيتها ديمترو كوليبا، إن أوكرانيا ترفض خسارة أراضيها مقابل السلام مع روسيا «لا توجد حلول وسط ممكنة، ليس على أصغر متر مربع».

وكانت روسيا قد أعلنت ضم أربع مقاطعات أوكرانية إليها وقالت، إن هذه المقاطعات أصبحت أرضاً روسية لا مجال للتنازل عنها. وإزاء تضارب الموقفين الروسي والأوكراني فإن المبادرة الصينية لن تجد طريقها إلى القبول، بل سيبقى القتال هو الطريق الوحيد لتحقيق السلام، على طريقة الحرب العالمية الثانية التي استمرت حتى القضاء على آخر جندي ألماني، وآخر جندي ياباني. غير أن الصين التي طرحت مبادرة سلام قد تجد نفسها مضطرة للدخول في الحرب إلى جانب روسيا إن هي وجدت أن هذه الأخيرة تتراجع أمام الغرب.

وفي الواقع هناك تحالف روسي– صيني راسخ، لإقامة عالم متعدد الأقطاب، وهذا العالم لا يمكن أن يقوم ما لم يتم إنزال الولايات المتحدة عن عرش العالم، وهذا الأمر لا يتم إلا بالمحاربة والغلبة، وتشكل الحرب في أوكرانيا ساحة نزال كبرى بين المحورين، فمنذ اشتعال تلك الحرب ظلت الصين تتعاون سياسياً واقتصادياً ومالياً مع روسيا، لكنها لم تندفع لدعمها عسكرياً من خلال تقديم الأسلحة والمعدات الحربية لها، ربما لعدم حاجة روسيا إلى السلاح، فعندها ما يكفي، فهي وريثة الاتحاد السوفييتي الذي كان لديه أكبر قوة عسكرية في العالم، لكن مرور عام على هذه الحرب، وإصرار دول الغرب على إلحاق الهزيمة بروسيا، فإن ذلك سيدفع الصين إلى تقديم كل ما لديها من دعم لروسيا حتى تدحر الغرب، فالصين تدرك أن هزيمة روسيا سيمثل أكبر خسارة لها لأنها ستصبح مطوقة من الجهات الأربع، ولن يكون أمامها عند ذلك سوى الاستسلام للغرب.

ومن هنا فإن الصين، شاءت أم أبت، هي طرف في هذه المنازلة الكبرى وهي ستقدم كل ما لديها من أسلحة إلى روسيا، في حال شعرت أن هذه الأخيرة فقدت القدرة على تأمين السلاح، ولعل الوقت قد حان للتدخل الصيني وهذا ما كشف عنه وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الذي قال: «إن الصين تبحث في توريد أسلحة إلى روسيا لدعم عمليتها العسكرية في أوكرانيا». وهذا دليل على أن الصين ستتدخل لتقلب ميدان الصراع؛ ما قد يزيد الأهوال والفواجع، وتستعر وتتزاحم العداوات بين العديد من الدول، لتزيد معاناة شعوب العالم، وتستنزف مواردها البشرية والاقتصادية، وتدفع بالعالم إلى المصير الكارثيّ.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/325byuu5

عن الكاتب

إعلامي وكاتب إماراتي، يشغل منصب المستشار الإعلامي لنائب رئيس مجلس الوزراء في الإمارات. نشر عدداً من المؤلفات في القصة والرواية والتاريخ. وكان عضو اللجنة الدائمة للإعلام العربي في جامعة الدول العربية، وعضو المجموعة العربية والشرق أوسطية لعلوم الفضاء في الولايات المتحدة الأمريكية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"