فرنسا لم تخرج من إفريقيا

01:15 صباحا
قراءة دقيقتين
كلمة الخليج

مع جولة الرئيس الفرنسي الحالية في إفريقيا، تعود بنا الذاكرة إلى ما قبل عامين، خلال القمة الفرنسية الإفريقية التي عقدت في مدينة مونلبييه الفرنسية، عندما رفض ماكرون تقديم اعتذار عن التاريخ الاستعماري لبلاده، مؤكداً «أن الاعتذار لن يحل المشكلة».

في جولته الحالية التي بدأت في الغابون، وتشمل أيضاً أنغولا وجمهورية الكونغو (برازافيل)، والكونغو الديمقراطية، ويشارك في «قمة الغابة الواحدة» بمدينة ليبرفيل الغابونية، المخصصة للمحافظة على غابات حوض نهر الكونغو وتعزيزها، والذي يضم 220 مليون هكتار من الغابات، وثاني أكبر مساحة غابات، وثاني رئة بيئية للأرض بعد غابات الأمازون، في هذه الجولة، أعلن «طي صفحة الماضي مع إفريقيا»، مشيراً إلى أن فرنسا صارت «محاوراً محايداً في القارة»، نافياً «تدخلها في المنازعات السياسية الداخلية». وكان أعلن من باريس قبل ذلك «أن عصر الحديقة الخلفية لفرنسا في غرب إفريقيا انتهى»، داعياً إلى «شراكات جديدة متوازنة»، لكنه لم يعتذر عن الماضي الاستعماري لبلاده في القارة، ولا عن نهب ثرواتها، وما ارتكبته فرنسا من فظائع بحق أهلها، لاعتقاده بأن ذلك مجرد سرد كاذب للتاريخ الذي يقدم روايات غير صحيحة. أما قوله ب«طي صفحة الماضي»، فذلك دونه عقبات تاريخية وسياسية وأخلاقية، لأن طي صفحة الماضي، لا يقوم من جانب واحد، فذلك يقتضي اعترافاً من جانب فرنسا بماضيها، وما ألحقته بالشعوب الإفريقية التي خضعت لاستعمارها من مآسٍ، إضافة إلى نهب ثرواتها.

وإذ كانت فرنسا بدأت، في السنوات الأخيرة، انسحاباً عسكرياً من بعض الدول الإفريقية مثل مالي وإفريقيا الوسطى، وإنهاء «عملية برخان»، فذلك لم يكن خياراً فرنسياً، إنما تم نتيجة فشل أمني في الساحل الإفريقي، وبسبب رفض داخلي للوجود الفرنسي، ثم نتيجة تنامي الدور الصيني - الروسي في القارة.

لكن، على الرغم من ذلك، فإن فرنسا لن تترك القارة، فهي ستبقى فيها، لكن بأسلوب جديد أكثر احترافية وسلاسة، باعتبار أن انسحابها أمام المد الصيني والروسي، والأمريكي المتجدد، يعني هزيمة سياسية واقتصادية. فالثروات الإفريقية لا تزال تسيل لعاب الدول الكبرى، ومن بينها فرنسا.

وقد برر الرئيس الفرنسي ذلك بالقول: إن إعادة تنظيم انتشار القوات الفرنسية في إفريقيا «لا تشكل لا انسحاباً ولا فك ارتباط؛ بل هي عملية تكييف عبر إعادة تحديد احتياجات الدول الشريكة، وتقديم المزيد من التعاون والتدريب». وهذا يعني أن فرنسا تحاول أن يبقى لها «مسمار جحا» في القارة.

صحيح أن إفريقيا لم تعد «حديقة خلفية» لفرنسا، ولا لغيرها من الدول الغربية التي استعمرتها طويلاً، لكن الدول الإفريقية لم تطوِ صفحة الماضي، وبدأت تشق طريقها الخاص وفقاً لمصالحها، وخارج منطقي الاستعمار والاستغلال اللذين عانتهما طويلاً؛ تأكيداً لاستقلاها الذي بذلت في سبيله الكثير من الدماء.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2kkc76br

عن الكاتب

كلمة الخليج

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"