الأرثوذكسيون المناخيون

22:05 مساء
قراءة 3 دقائق

د. محمد الصياد *

باتت قضايا تغير المناخ والاستدامة، تتصدر العناوين الرئيسية لأجندات التعاون الاقتصادي المعاصرة. ويتوالى عقد المؤتمرات والاجتماعات واللقاءات المحلية والإقليمية والدولية، المكرسة لمناقشة مواضيعها والتوصل إلى القواسم المشتركة والمقاربات المناسبة لتطبيق مخرجاتها. وقد ازدادت وتيرة عقد هذه الملتقيات في الآونة الأخيرة لتؤكد هذا التصدير الأولوي للأجندة العالمية، على الرغم من مزاحمتها من جانب قضايا الساعة الجيوسياسية التي أفسدت مناخ العلاقات الدولية.

في ثنايا عملية تكثيف الانعقادات المتواترة لهذه الملتقيات، بالإضافة إلى هدف التوصل للقواسم المشتركة ومقارباتها التنفيذية الملائمة، تكمن محاولات وجهود التقريب بين أصحاب الرؤى المختلفة، والمتضادة أيضاً، التي تفسر الخطوات المتعثرة والبطيئة المحرزة حتى الآن، والتي كانت ومازالت تشكل العقبة الكأداء أمام تحقيق اختراق مهم يمكن الاعتداد به فيما يخص تقريب الوصول لتحقيق هدف المادة الثانية في اتفاق باريس للمناخ، القاضي بعدم السماح لدرجة حرارة الطقس بالارتفاع أكثر من 1.5 درجة فوق مستواها المسجل في مرحلة ما قبل الصناعة (في حوالي عام 1850).

لكن العديد من اللوبيات المناخية التي تتستر خلف واجهات ال «NGOs» (المنظمات غير الحكومية)، لتخفي أجنداتها غير المعلنة، خصوصاً منها تلك المتصلة بعدائها السافر والمتشنج لمصادر الطاقة التقليدية، النفط والغاز والفحم (الوقود الاحفوري)، مازالت تنشط، بمساعدة بعض الواجهات الإعلامية الغربية، لاسيما المحسوبة على مفوضية الاتحاد الأوروبي في بروكسل، للتشويش على المقاربات العقلانية المتوازنة للتعاطي الدولي المسؤول والعملي مع تحديات التغيرات المناخية، والتسبب في إضاعة أوقات ثمينة تحتاجها الفترات الزمنية المضروبة لتحقيق أهداف اتفاق باريس للمناخ.

الشيء الجيد أن الكثيرين من المعنيين بقضايا المناخ وعلاقتها بموجبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، بدأوا يعون حقيقة هذه المنظمات وارتباطاتها ومصادر تمويلها، باعتبارها واجهات مناخية مسيسة تحركها أجندات غربية معروفة، وأهداف لم تعد خافية على أوساط فرق التفاوض المناخي للدول النامية – بعد أن بدأ الموقف العقلاني لدى كتلة وازنة من أطراف التفاوض المناخي، يقترب أكثر فأكثر من التوازن فيما خص عملية التحول الطاقوي على المستويين المحلي والدولي، من حيث عدم امكانية تحقيقها في حال استمر مَن نميل إلى تسميتهم بالأرثوذكسيين المناخيين، على مواقفهم العدائية ضد الوقود الأحفوري، وهم الذين صمتوا عن ارتداد كافة البلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي عن كثير من سياساتها المناخية المتطرفة، بما في ذلك إعادة فتح مناجم الفحم كمصدر لتوليد طاقة المصانع ومحطات توليد الطاقة الكهربائية.

هؤلاء المتطرفون لا يعنيهم في كل موضوع المناخ سوى شطب الوقود الأحفوري من الوجود، من دون اعتبار لا لعواقب هذه المغامرة على اقتصادات بلدان وشعوب عديدة في العالم، ولا لنصوص اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ واتفاق باريس للمناخ التي أخذت في الاعتبار هذه المحاذير. ولا تهمهم الحلول الابتكارية التكنولوجية التي يتم التوصل اليها والكشف عنها بانتظام في جميع أنحاء العالم، والتي تصب في جهود التحول والانتقال الآمن والهادئ والمتدرج لأنظمة الطاقة العاملة في العالم، كما رأينا ذلك على سبيل المثال في القمة العالمية لطاقة المستقبل التي اختتمت أعمال دورتها الرابعة عشرة يوم الأربعاء 18 كانون الثاني/يناير 2023 في العاصمة الإماراتية أبوظبي، والتي شهدت توقيع شراكات مهمة لنقل الحلول التكنولوجية المبتكرة في مجالي الطاقة والتنمية المستدامة الى مجال التطبيقات الإنتاجية، بما يحقق الحياد المناخي وأهداف التنمية المستدامة السبعة عشر (SDGs) الموصوفة في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر في 25 أيلول/سبتمبر 2015 والمطلوب تحقيقها بحلول عام 2030؛ وإنشاء شراكات نوعية، ودعم الشركات الناشئة، وذلك ضمن حزمة من الأحداث والفعاليات التي ستنظمها دولة الإمارات طوال الشهور المقبلة تمهيداً لاستضافتها لمؤتمر الأطراف الثامن والعشرين (COP-28) خلال الفترة من 30 تشرين ثاني/نوفمبر إلى 12 كانون أول/ديسمبر 2023.

الأرثوذكسيون المناخيون لا يعبأون بحقيقة أن بعض الدول المنتجة لأحد مصادر الوقود الأحفوري، وهو الغاز، يمكن أن تسهم مساهمة كبيرة في تحقيق هدف الحياد المناخي وصولاً إلى صافي توازن الانبعاثات الصفرية. فهذه الدول، ومنها بعض الدول العربية التي تتوفر على مخزونات تجارية من الغاز الطبيعي، مثل الإمارات والسعودية تخطط بالفعل لإنتاج الهيدروجين الأزرق «Blue hydrogen» (يتم إنتاجه بشطر الغاز الطبيعي إلى هيدروجين قابل للاستخدام كوقود نظيف، وثاني أكسيد الكربون الذي سيتم التقاطه وتخزينه بتقنية التقاط وتخزين واستخدام الكربون «CCUS». وكذلك الحال بالنسبة للهيدروجين الأخضر الذي تملك كل من السعودية والإمارات وعمان والكويت (بسبب سعتها الجغرافية)، فرصاً واعدة لإنتاجه عن طريق فصل الماء كهربائياً لإنتاج الهيدروجين والأوكسجين، فيُستخدَم الهيدروجين كوقود، فيما يتم إطلاق الأوكسجين الآمن في الغلاف الجوي. وللحديث تكملة حول خطورة مواقف هؤلاء الأرثوذكسيين المناخيين، على مسار المفاوضات المناخية القادمة.

* كاتب بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/s77edrfu

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"