القراءة وتربية العقل الناقد

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

ما هي صدقية قولنا: «الناس هم ما يقرؤون»؟ لقد جاءت العبارة قياساً على: «الناس هم ما يأكلون». وتذكّر القلم مراراً أن والدته حين كان صبيّاً كانت توصيه بألاّ يُطعم قطه لحماً نيئاً لأن ذلك يعيده إلى سلوك الغاب فيصير يخدش ويخمش، وينقضّ ويعضّ.
هذه المشاهد تجعلنا نستعيد شريطاً من الحوادث المؤلمة في بلدان كثيرة، الولايات المتحدة بخاصة لكثرة الأسلحة في البيوت، تأثر فيها صغار ومراهقون بأفلام العنف والرعب، فكانت مسدساتهم تداوي رؤوس من يشكون صداع المدنيّة. أليس «الفن السابع» غذاء ثقافياً؟
على هذا المنوال يبدو منطقيّاً أن يأخذ واضع المنهج أو أستاذ الأدب الحذر مثلاً من قول عمرو بن كلثوم: «يُدهدون الرؤوس كما تُدهدي.. حزاورةٌ بأبطحها الكُرينا»، فلا يقف عند حدود الشرح الوصفي التصويري قائلاً: أيها الطلاب، تأملوا روعة المشهد، فكأن الشاعر يصور بعدسة خياله لعبة جولف أو بالأحرى «بولو» بالرؤوس، فالفتيان الأشدّاء يدحرجون الهامات كما يدحرج الشبان الأبطال الكرات في الملاعب. مثل هذه الحصص في صفوف المدارس «الداعشية» أمر غير مستغرب.
لكن المسائل ليست بهذه البساطة ومحدودية النظر، حين نتحدث عن أن «الناس هم ما يقرؤون»، المفارقات كثيرة. خذ مثلاً: لا يوجد نصّ في العالم العربي يحظى بعدد قراءات القرآن الكريم، وهو أعظم منظومة قيم سامية لدينا، كما أنه يضم أروع أساليب البيان العربي. هنا، يترك القلم للقارئ الحق في الحكم بأن العالم العربي مرآة تعكس منظومة القيم القرآنية، وبأن وضع العربية يبرهن على عظيم اعتزاز أهلها بها، فهي لغة منتجة للعلوم، رائدة في البحوث العلمية، أمّا في العلوم الإنسانية فهي لا حصر لتجلّيات سلامتها وجماليات أساليبها اليوم، وأمّا في الفكر والفلسفة فحدّث ولا «هرج».
إذاً يمكن القول أيضاً: «الناس ليسوا ما يقرؤون». قد تكون الآفة كامنة في التربية التقليدية القائمة على الحفظ والتخزين، أي مجرّد ماسحة ضوئية وقرص صلب يخزن من دون غوص في التشكيل والتكوين وتحليل الجماليات والأبعاد. هذه الآليات والأدوات تلعب دوراً أشبه بدور الأنزيمات من الفم إلى جهاز الهضم والتمثيل الغذائي.
لزوم ما يلزم: النتيجة التكاملية: لا يمكن أن تثمر القراءة إذا لم يتعلّم الطفل كيف يقرأ، وهذا يتوقف على تعليمه كيف يفكّر، من خلال تنشئة العقل الناقد. يستوي في هذا المجالان العلمي والأدبي.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/535wbxf5

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"