«سنة تانية» حرب

00:25 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمود حسونة

كلما طالت الحرب تكشفت أبعادها وانكشف مستور المنخرطين فيها والمستفيدين من بقائها، وأصبح اللعب فيها على المكشوف. لم يعد مجدياً أن تطالب أطراف بضرورة إطفاء نار الحرب الروسية الغربية في أوكرانيا، وهم يلقون عليها بالزيت حتى تستعر وتمتد شظاياها بعيداً عن جبهة القتال، حتى تصل الرسالة إلى كل من يفكر في الخروج عن إرادة القوة العالمية الأولى، وحتى يعيد كل من يخطط لعالم متعدد الأقطاب النظر في مخططاته ويتنازل طوعاً عن طموحاته، وحتى لا تتحول أحلام البعض بعالم مختلف تُحترم فيه سيادة الدول ولا يُمس أمنها القومي.

سنة ثانية حرب ستكون مختلفة تماماً عن سنتها الأولى، ولن يكون الاختلاف فقط على مستوى الأسلحة الثقيلة التي ستشارك في المعارك أملاً في أن تحسم معركة لن تُحسم، ولكن الاختلاف سيكون أيضاً في الخطاب الدبلوماسي للدول التي كانت تكتفي بإعلان التعاطف والدعم لأوكرانيا، وفي تصريحات وتحركات قادتها، فقد اختتم الرئيس الأمريكي جو بايدن سنة الحرب الأولى بزيارة كييف، وهي الزيارة التي تمهد لسنة جديدة من الحرب ستكون فيها المعارك أشد شراسة، بعد أن أكد أن واشنطن ستدعم كييف «بقدر ما يتطلب الأمر»، وهو ما يعني الجاهزية التامة للاستجابة لمطالب أوكرانيا حسبما يتطلب الأمر، والمهم أن تنتصر بأي ثمن، على أن تتحمل أمريكا وحلفاؤها الثمن المادي وتتحمل أوكرانيا الثمن الإنساني من أرواح جنودها وتشرد مواطنيها، وهو ما عبر عنه بايدن باستكمال تصريحه «لدينا ثقة كاملة بأنكم ستواصلون الانتصار».

وبعيداً عن أن الزيارة حملت العديد من الرسائل الداخلية والخارجية، للناخب الأمريكي قبل الانتخابات الرئاسية، وللحلفاء والأعداء على حد سواء، فيبدو أن التخطيط لها بدأ بعد أن أزعجت زيارة زيلينسكي لواشنطن في ديسمبر الماضي الرئاسة الروسية، ولعلها تؤكد أنها لم تكن مجرد تلبية لرغبة أوكرانية بقدر ما كانت تنفيذاً لإرادة أمريكية، كما أن الزيارة الأخيرة تسارعت بعدها التحركات التي ترسم ملامح عام جديد قاتم من عمر الصراع الروسي الغربي، حيث علقت روسيا من طرف واحد معاهدة نيو ستارت للحد من الأسلحة النووية مع الولايات المتحدة، وهو ما يفتح الباب لإمكانية استخدام النووي في هذه المعركة إذا تجاوزت الأحداث المعقول.

في ذات الوقت تحركت الصين وطرحت مبادرة من 12 بنداً لوقف الحرب، تتضمن ضرورة احترام سيادة الدول، ووقف الأعمال العدائية، واستئناف محادثات السلام، وحماية المنشآت النووية، وهي مبادرة لا تحمل انحيازاً لروسيا، ولا تدين أحداً ولكنها فقط تطالب بالاكتفاء بهذا القدر من القتل المتبادل وتخريب المدن والمنشآت والانهيار الاقتصادي، وبمجرد إعلانها رحبت بها وروسيا وتحفظت عليها دول غربية ورفضتها الولايات المتحدة. فواشنطن هي التي تقود، ولا ينبغي أن يخرج أحد عن إرادة القائد، وهي أيضاً التي تقرر مصير الحرب، وهي لا تريدها أن تتوقف على الأقل حالياً.

الصين أرادت أن تخرج من قمقمها وبادرت، ولكن الولايات المتحدة أرادت أن تحبط تحركها ولا تسمح لها بأن تكون حمامة سلام أو داعية استقرار، وخصوصاً أنها تعتبر القوة الاقتصادية الثانية في العالم والمنافس الأوفر حظاً لقيادة العالم، ولذا فإن الصين قد تكون هي وليست روسيا أول من تستهدفهم أمريكا، من دعمها اللامحدود لأوكرانيا وإبقاء الحرب مشتعلة، ولعلها تكشر من خلالها عن أنيابها للصين حتى لا تقدم على حرب متوقعة مع تايوان.

روسيا لن تقبل لا بتركيعها ولا بتقسيمها ولا بتحويلها إلى دولة غير فاعلة دولياً، والصين لن تعود إلى القمقم مرة أخرى، وأمريكا لن ترضى بإطفاء نار الحرب حتى يتحقق لها ما تريد، ولذا فإن العالم أمام المجهول، وكل سيناريوهات المستقبل مخيفة.

حركة التاريخ تؤكد أن الأحلام لن تتحول إلى كوابيس، ولو لم تسقط إمبراطوريات سابقة ما وصلت الولايات المتحدة إلى قيادة العالم، فاليوم لها القرار وغداً سيكون لغيرها، وهذا الغير قد يكون قطباً واحداً أو مجموعة أقطاب.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5935dsj7

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"