مقومات الاستقرار الإقليمي

00:25 صباحا
قراءة 3 دقائق

حسام ميرو

ما يصطلح على تسميته بالنظام الدولي، هو بشكل من الأشكال، حالة تمثيل لمنظومات إقليمية متعددة، وهي منظومات متباينة من مختلف النواحي، العرقية، والثقافية، والاقتصادية، والسياسية، وغيرها، ولكل واحدة منها خصوصيات تاريخية وراهنة، تؤثر في مستوى الاستقرار فيها، أو مدى إمكانية تعرضها للفوضى، أو حتى للتفكك، الذي يكون في الغالب تفككاً غير معلن، لكنه قائم بالقوة، أي عبر مؤشرات التفكك نفسها، وأحياناً، تكون حالة إقليمية ما في حالة تأرجح بين الاستقرار والفوضى، أو تداخل الحالتين مع بعضهما بعضاً.

قد تكون حالتنا الشرق أوسطية أفضل مثال عن النموذج الذي تتداخل فيه حالات الاستقرار والفوضى، عدا عن تداخل ثقافات متعددة في تكوينه، وأنماط مختلفة من الحياة والاستهلاك، وعلاقات متباينة التوجهات مع دول خارج المنظومة الإقليمية، لا تمتلك في بعض الأحيان أدنى مقومات التوافق، وهو ما ينعكس في قضايا استراتيجية أساسية، مثل قضية الأمن والدفاع، وهو ما يجعل من العلاقات البينية في منظومتنا الشرق أوسطية عرضة للتقلبات، وأحياناً تغير التحالفات.

وفي محاولة لتحديد مقومات الاستقرار الإقليمي، يمكن الذهاب باتجاهين، يتمثل الأول في البحث عن المواصفات التي تجعل من وحدة إقليمية مستقرة لفترة عقود من الزمن، والكشف عن التوافقات الموجودة بين دولها، في الاقتصاد والاجتماع والقانون والسياسة، أما الاتجاه الثاني، فيتمثّل في الكشف عن عوامل الاضطراب في منظومة غير مستقرة لمدة عقود، واعتبار العوامل المناقضة للاضطراب هي عوامل الاستقرار، وهذين الاتجاهين، يمثلان معاً منطق علم الاجتماع، أي البحث عن نموذج موجود في الواقع، ومن ثم الكشف عن دينامياته، سلباً أو إيجاباً، مع تحديد مقياس السلب والإيجاب، خصوصاً المعايير التي أصبح بالإمكان قياسها، وتوجد حولها حالة اتفاق، كأن نقول، على سبيل المثال لا الحصر، إن الحدود المفتوحة بين الدول الإقليمية هي أحد تعبيرات الاستقرار في المنظومة، فلولا وجود حالة من الاستقرار والأمن والاتفاقيات السياسية، لما أمكن أن تكون الحدود مفتوحة، كما في حالة الدول المنضوية في الاتحاد الأوروبي، واتفاقية «شنغن».

وفي المعيار الاجتماعي المحدد لمستوى الاستقرار، يحوز العامل الاقتصادي أهمية كبرى، فكل اجتماع إنساني هو حصيلة عمليات إنتاج محددة، مضافاً إليها الشروط الثقافية التاريخية، وبهذا المعنى، فإن الكشف عن طبيعة الإنتاج السائدة في كل منظومة إقليمية، يمكن لها أن تحدد طبيعة هذه المنظومة، ليس فقط على مستوى الإنتاج؛ بل أيضاً في مستوى العلاقات التي يقيمها البشر فيما بينهم، ومستوى حضور الشرط التعاقدي، بحسب تطور منظومة الإنتاج.

في المنظومة الشرق أوسطية، تطغى منظومة الإنتاج التقليدية على غيرها، ويختلف الأمر نسبياً بين دولة وأخرى، لكنه أحياناً اختلاف فاقع، خصوصاً لجهة الناتج المحلي الكلي، والقطاعات الأساسية للإنتاج، ومتوسط دخل الفرد، ونسبة التعليم في المستويات كافة، ومشاركة النساء في صنع القرار، وعدد الذين يعيشون تحت خط الفقر، ونسبة العاملين في القطاع العام قياساً لنظرائهم في القطاع الخاص، وغير ذلك من المؤشرات التي يمكن قياسها، بطرق شبه دقيقة.

على المستوى القانوني، فإن تقارب المصادر التشريعية للدول، يجعل من السهولة نسبياً، توقيع اتفاقيات تشمل كامل المنظومة الإقليمية، لها صفة الاستمرارية لوقت طويل، ما يجعلها فاعلة ومؤثرة بقوة في تطوير الأنشطة البينية، خصوصاً في نطاق الاستثمارات والنظام الضريبي وانتقال العمالة، ونشوء استثمارات مشتركة، تعود بالفائدة على كامل المنظومة الإقليمية، بحيث يكون بإمكان رؤوس الأموال والكفاءات أن تتضافر معاً لإنتاج مناخ تقدمي، خصوصاً في مجالات العلوم والبحث الأكاديمي والتكنولوجي.

إن إنتاج منظومات مستقرة، وفق أسس حداثية وحديثة، تتطلب وجود فضاء مشترك إقليمي، يسمح لصنّاع القرار أن يمضوا في خطوات عملية، وفي النموذج الأوروبي، وفّرت الهيئات المتعددة المنبثقة عن الاتحاد الأوروبي هذا الفضاء، وهو فضاء مطابق للشرط الأوروبي العام، في مستوياته كافة، لكن يمكن إنتاج مؤسسات مطابقة لشروط مختلفة، أو البناء على ما هو موجود من مؤسسات إقليمية، والعمل على تطويرها، فالتجربة الدولية، تؤكد أن مصائر الدول المنضوية في وحدات إقليمية مرتبطة ببعضها بعضاً إلى حد كبير (أهمية العامل الجيوسياسي)، ليس فقط نتيجةً للفرص المتاحة فقط؛ بل أيضاً نتيجةً لإمكانية تفكيك المشكلات البينية، وعدم تركها تتفاقم إلى درجة تهديد شاملة لكل المنظومة، وإعاقة مسيرتها نحو التنمية والتقدم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mr46vca8

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"