عادي

كريستوفر مارلو.. هل هو شكسبير؟

20:33 مساء
قراءة 3 دقائق
كريستوفر مارلو

القاهرة: الخليج

في اليوم الأول من شهر يونيو/حزيران سنة 1593 استدعى قاضي الضبطية الإنجليزي 16 عضواً للانعقاد في هيئة محلفين؛ كي يحققوا في مقتل الكاتب المسرحي كريستوفر مارلو (26 فبراير/شباط 1564 – 30 مايو/أيار 1593)، حيث وجد مقتولاً، في إحدى الحانات بطعنة خنجر فوق العين اليمنى، وقد ثبت أن مارلو تشاجر مع اثنين على من يدفع الحساب بعد أن تناولوا غداءهم، وانتهى التحقيق إلى أن القاتل كان في حالة دفاع شرعي عن النفس.

كانت سن مارلو حينذاك 29 عاماً، وكان من أكبر كتاب الدراما في إنجلترا، وتبدو تفاصيل القصة بسيطة جداً، لكنها لا تزال غامضة أو مشوهة، فمحضر التحقيقات الذي لم يكتشف إلا في عام 1952 لم يكن واضحاً، كما أن بعض ما ورد فيه يحتمل كثيراً من التأويل، وتلقي هذه الوثيقة ضوءاً كاشفاً على بعض جوانب الحياة في العصر الإليزابيثي.

كان مارلو عضواً في جهاز المخابرات السرية، وكذلك قاتله، لكنه ولد في كانتربري من أب إسكافي، وفي صباه أتيحت له منحة دراسة في جامعة كامبريدج، تمهيداً لإلحاقه بالكنيسة، وقد ترجم قصائد أوفيد في فترة تزاوجت فيها الثقافات القديمة وامتزجت برومانسية الروح الإنجليزية المتطورة.

في الوقت الذي كان يستعد فيه مارلو للحصول على الليسانس، ظهرت أمامه بعض الصعوبات، وهي أنه تغيب عن الدراسة عدة أشهر، غير أن المجلس الخاص للتاج البريطاني تدخل إلى جانب مارلو، وتوسط له لدى الجامعة كي تمنحه الليسانس؛ لأنه: «كان في أعماله مثال الرزانة والحذر، وقدم خدمات جليلة لجلالة الملكة، ويستحق مكافأة على هذه الخدمات».

  • مهمة صعبة

من هذه الخدمات أن البابا في عام 1587 أصدر قراراً يقضي بحرمان الملكة إليزابيث من رحمة الكنيسة، فدبر الجيزويت عدة مؤامرات لاغتيالها، وكانت الملكة تواجه حكماً بالإعدام، وعهد إلى مارلو بجمع المعلومات الخاصة، عما يدور في أروقة الجيزويت، واستغرقت مهمته عدة أشهر، سافر خلالها إلى فرنسا وإيطاليا، وبعث بتقارير، كان لها الفضل في إنقاذ رأس الملكة.

وبمجرد أن حصل مارلو على الليسانس سافر إلى لندن، ولمع اسمه وهو لا يزال في الثالثة والعشرين من عمره، وهناك قدّمت له أول مأساة شعرية اسمها «تامبورلين»، وتتحدث عن الطموح، وكيف جعل منه شبحاً يرعب العالم، فهذه المسرحية أطلقت اسم مارلو، وجعلته في القمة، حتى أسموه القلم الناري وصاحب السطر الأعظم.

كان أول شاعر إنجليزي يستخدم الشعر المرسل بلا قافية، ثم فجأة نجده في السجن متهماً مع شاعر آخر اسمه توماس واطسون بمقتل رجل في شجار، وفي السجن تعلم فنون تزييف النقود، بعد أن اختلط بجماعة من المزيفين.

خرج مارلو من السجن، وعرضت له مسرحيتا «يهودي في مالطة» و«مذبحة باريس» ثم «إدوارد الثاني» وأخيراً «فاوست»، وكل هذه المسرحيات كتبت بين سنتي 1592 و1593 وفيها يختلط التاريخ بالفزع بالشعر، وحصل مارلو على النجاح في مناخ غامض، متعدد الثقافات والمعتقدات، وكانت الملكة إليزابيث قد تقدمت في السن، واتسمت سياستها بالتخبط، كان عصراً مضطرباً قلقاً بات فيه ذلك المزيج الفكري موضع جدل ونقاش.

أصبح مارلو نجماً لامعاً في التأليف الدرامي، وهجر إلى الأبد حياة الفقر والعوز، ما أثار حفيظة أقرانه، فبدأوا يكيلون له التهم، ويتعرض للمحاكمات واحدة تلو الأخرى، لكنه في كل الأحوال عرف شكسبير، فقد ولد الاثنان في نفس العام.

  • مقارنات

ويقال إن مارلو يكبر شكسبير بأسبوع أو أسبوعين، وأنه اختفى عام 1593 في نفس العام الذي ظهر فيه شكسبير، وفي بعض الروايات غير المؤكدة أنه توارى عن وجه العدالة متنكراً تحت اسم شكسبير، إلا أن الرواية الرسمية تقول إنه قتل في حانة.

يركز كل من مارلو وشكسبير على ضمير الإنسان وعلى المونولوج المسرحي، وشخصيات مارلو تحلم بسيطرة لا حدود لها، وتتمتع بالقوة المطلقة، كما شخصيات شكسبير، وتنهار الشخصيات في دمار محتم؛ لأنه فوق طاقات البشر.

هناك تأكيدات على أن شكسبير تعرف إلى مارلو سنة 1591 وتعلم منه طريقة معالجة سلوك الشخصيات ونوعياتهم، فمارلو كان مخالطاً للشارع، واستلهم منه أعماله، على العكس من شكسبير الذي لم يعاشر الشارع، فبقيت مسرحياته عن النبلاء والأساطير اليونانية، وكان مقتل مارلو سبباً سياسياً بحتاً؛ لأنه كان يعرف الكثير، ولديه الكثير من النسخ والوثائق، التي تخشى منها الملكة إليزابيث.

لقد عرف مارلو شكسبير بدليل أنه أراد تبجيله والاعتراف بفضله في مسرحيته «على هواك» في المشهد الذي تقول فيه «فوب» وكأنها تخاطب روح مارلو: «أيها الراعي الغائب لقد اكتشفت الآن أن نظرتك ذات قوة قاهرة، ومما لا شك فيه أن مارلو ساعد في كتابة مسرحيات غير مسرحياته، كما فعل مع شكسبير في «هنري الرابع».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/6wj65558

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"