عادي
لوحة تنتمي إلى أسلوب التنقيط

«يوم الأحد».. الألوان تنشر الدفء في المنزل

15:59 مساء
قراءة 4 دقائق
بول سينياك - لوحة «يوم الأحد»

الشارقة: علاء الدين محمود

عوالم ساحرة ومقترحات جمالية مختلفة تلك التي قدمها الفنان والحفار الفرنسي، بول سينياك «1863 1935»، الذي يعد أبرز رسامي الانطباعية إلى جانب جورج سورا، وعلى الرغم من أنه بدأ حياته في الهندسة المعمارية، إلا أنه سرعان ما تخلى عن تلك المهنة واتجه نحو الرسم عندما افتتن بفن التصوير الزيتي حين زار معرض كلود مونيه وغيره من الانطباعيين، وأخذ ينعطف بشدة نحو الانطباعية، وكان لقاءه بسورا نقطة تحول كبيرة في حياته حيث بدأ الفنانان في العمل معاً وطوّرا طريقة أصبحت تسمى التقسيم أو التنقيط، والتي كانت فتحاً جديداً في تيار الانطباعية الجديدة، ليصبح واحداً من أهم الرسامين في تاريخ الفنون، وله تأثيره الكبيرة في فناني العصر الحديث.

وفي عام 1884 أسهم سينياك في تأسيس جمعية الفنانين المستقلين، وشارك في معارضها، بعد ذلك تعرف إلى سورا، حيث أعجب بلوحاته، وتبنّى رأيه في الانطباعية العلمية التي أفادت من الدراسات العلمية للألوان وانعكاسات الضوء، ولاسيما بعد صدور كتاب «المحلل الجمالي» لشارل هنري وكتاب «قانون التضاد الآني» لشقرول الذي كان يرى أن كل لون مركب يتمم اللون الأساسي غير المستعمل في تركيبه، ويصل إلى أقصى لمعانه وإشراقه، وهذا اللمعان المتعاكس يسمى قانون التضاد الآني، ليشق بعدها سينياك طريقه الخاص، وكان يدعو الفنانين والأدباء إلى مرسمه، مساء كل اثنين، حيث تثار الحوارات والمناقشات حول الفن ونظرياته، وقد توّج ذلك بكتابه «من أوجين ديلاكروا إلى الانطباعية الجديدة» الذي استعرض فيه تطور الفن منذ ثورة الرومانسية، مروراً بكوربيه رائد الواقعية، وصولاً إلى الانطباعيين الأوائل، مثل: مانيه ورينوار، و الانطباعية الجديدة الذي كان سينياك أحد فرسانها الكبار، كما أنجز كتاباً عن الفنان جونكيند، وآخر عن الروائي الفرنسي ستاندال، الذي تأثر به كثيراً.

ولوحة «يوم الأحد»، التي رسمها سينياك بين عامي 1888 و1890، تعد من أجمل وأشهر أعماله الفنية، وهي تنتمي إلى مرحلة الانطباعية الجديدة، أو التنقيطية، التي أراد من خلالها تفسير الأشياء والظواهر، بل وألّف كتاباً عن وسائل التطبيق للنظرية العلمية بوساطة تحليل الألوان، وضرب مثلاً على إمكانية ذلك بقوله: «إنّ اللون الأخضر يتكوّن من امتزاج لونين أساسيين هما الأزرق والأصفر، والأحرى بالرسام أن يضع بقعاً زرقاء وصفراء منفصلة على سطح اللوحة، حيث يتم امتزاجها بالرؤية بدلاً من خلط اللونين على لوح الرسام»، وذلك ما فعله سينياك تماما في هذه القطعة الفنية، وغيرها من الأعمال، غير أن أكثر ما يميز لوحة «يوم الأحد»، أنها ليست رسماً عن الطبيعة، بل عبارة مشهد داخل منزل، على خلاف طريقته السائدة، حيث كان يستمد موضوعاته من ملامح الحياة والطبيعة على ضفاف نهر السين، وشواطئ البحر المتوسط، وغير ذلك من الرحلات البحرية التي كان يقضي فيها أوقاتاً واسعة، مستمتعاً بآفاق البحر وزرقته، على عكس هذه اللوحة التي اعتبرت من الأيقونات، وفيها طور الفنان لنفسه أسلوباً تزيينياً وغنياً بالألوان، واستخدم في تنفيذه لطخات قوية بالفرشاة، وهو الأسلوب الذي مهد فيما بعد للاتجاه الوحشي.

اللوحة رسمت بألوان زيتية متداخلة ومشرقة ونابضة بالحياة، وهي تصور يوماً في حياة زوجين في يوم العطلة الأسبوعية «الأحد»، وهو وقت الفراغ والراحة واللقاء الذي يجمع رجل وزوجته بعد عناء الأسبوع، وكل شيء في المنزل يشير إلى السكينة والاستمتاع بدفء العلاقة الأسرية، حيث تظهر في مشهد اللوحة الزوجة وهي تنظر عبر النافذة بقميص طويل بدرجات غامقة من اللون الأحمر، تتأمل الأفق البعيد، وهي تزيح الستارة الوردية جانباً بيدها اليمنى، فيما تسمك بثوبها بالأخرى، بينما كان الزوج منهمكاً في أمر ما، وهو يجلس على كرسي ويرتدي «جاكيت» يميل إلى اللون الأزرق، وبنطالاً وحذاء أسود، بينما تلعب القطة على الأرضية، ويحتشد مشهد المنزل في اللوحة بالكثير من الأثاث والديكور الكلاسيكي في تلك الفترة.

*تفاصيل

رسم الفنان اللوحة بالأسلوب التنقيطي، حيث اعتبر هذا العمل خير مثال على كيفية هذا النوع من الرسم الذي يهدف بصورة أساسية إلى صناعة وتكوين صورة أكثر وضوحاً من خلال رسم نقاط أصغر، بالقرب من بعضها بعضاً، إذ اعتمد الفنان في هذه المشهدية على تجاور الألوان الأساسية بطريقة نقطية، حيث قام بوضعها على شكل لمسات ناعمة تكسو الأشكال التي يرسمها كما الفسيفساء، إذ تتشكل الصبغة من قطرات دقيقة من اللون النقي، وصولاً لمشهد بألوان زاهية ولامعة على طريقة الانطباعيين الكلاسيكيين، إلا أن سينياك في هذا العمل كسر القاعدة عبر توظيفه لضربات الفرشاة المتدفقة بالنقط من أجل صنع بهرجة وألوان غنية في الوقت نفسه، ولعل ذلك يبدو واضحاً في وجه الرجل في اللوحة، والذي بدا أكثر إشراقاً.

اللوحة تشير إلى استخدام الألوان بطريقة حرة ولا مركزية، وتلك هي الرؤية الفكرية التي تحملها، والتي تعكس أن الفنان وغيره من رسامي ما بعد الانطباعية، مثل بيسارو وماكسيميليان لوس وأنجراند كروس، قد تأثروا بالواقع السياسي السيئ السائد إلى حد عشقهم للحرية، ورفضهم للسلطة بصورة مطلقة، وربما ذلك ما دفع سينياك إلى الانخراط في السياسة حيث تبنى «الأناركية»، الفوضوية، وكان ذلك الأمر في العام نفسه الذي شرع فيه في رسم هذه اللوحة (1888)، ليرسم بعدها العديد من الأعمال التي جاءت منتمية إلى معتقداته الفكرية والسياسية الجديدة، مثل لوحة «في زمن الانسجام»، التي رسمها في عام 1893، والتي كانت تحمل في البدء اسم «في زمن الفوضى»، ولكن لأن الأفكار الأناركية كانت محاربة في ذلك الوقت استبدل سينياك الاسم، والملاحظ أن الفنان في هذا العمل «يوم الأحد»، لم يعمد إلى المباشرة في أظهار أفكاره، بل عبّر عنها بطريقة رمزية من خلال ضربات الفرشاة وتوزيع الألوان بصورة أكثر حرية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5n7jw9kb

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"