القانون أهم دعائم التقدم

00:06 صباحا
قراءة 3 دقائق

أحمد مصطفى

على الرغم من أهمية عوامل تقدّم الأمم والشعوب، من حجم الثروات وامتلاك ناصية العلم وغيرها، فإن أهم دعامة للتقدم والاستقرار هي قوة القانون واحترام الناس له، واستقامة تنفيذه من قبل السلطات. ولا مبالغة إذا قلنا إن ثقة الناس بإنفاذ القانون واحترامهم له والتقيّد ببنوده، أهم كثيراً من كل أشكال الحرية والديمقراطية المدعاة.

سياسياً، ليس هناك أهم من قوة القانون في بلد ما، وثقة الناس به كسند أساسي للاستقرار. فالقانون يغطي كافة مناحي النشاط الإنساني للفرد في مجتمعه، وللشركات والأعمال والمؤسسات وعلاقتها بالدول وبالمتعاملين معها من زبائن. وطالما كانت القوانين سليمة وعادلة، وسلطات إنفاذها محل ثقة بشفافيتها، فتلك هي الضمانة الأساسية للاستقرار السياسي، بغض النظر عن نوع نظام الحكم في أي بلد.

واقتصادياً، ليس هناك ما يشجع على الاستثمار والنمو أكثر من ضبط القوانين وسهولة تفسيرها والشفافية في تنفيذها. فالمستثمر، محلياً كان أو أجنبياً، سيتردد ألف مرة قبل الإقدام على مشروع في بلد يفتقر لحكم القانون، أو تشوب فيه عملية إنفاذ القانون واسطة أو محسوبية، أو تراخٍ أو تعقيد من قبل السلطات.

أما اجتماعياً فعلى الرغم من أن بعض التجمعات البشرية قد تفضل العرف والتقاليد الاجتماعية وتُعليها أحياناً فوق القانون، فإنه لا يحمي بنية المجتمع إلا القانون والالتزام به، وتطبيقه بعدل وسلاسة. فالقانون يضمن الحقوق بسند من السلطة الأعلى في المجتمع الممثّلة في الدولة، ثم إنه في أغلب الأحيان يأخذ المشرع في الاعتبار الأعراف والقيم المجتمعية عند وضع القانون، وبالتالي تكتسب تلك الأصول المجتمعية للتعامل، قوة إضافية؛ كونها من بين بنود القانون.

ليس هناك ما هو أخطر على أي بلد أو أي تجمع بشري في أي مكان من فقدان الثقة بالقانون وسلطات إنفاذه. وربما يبدأ الأمر بسيطاً، في شكل تساهل هنا أو تجاهل هناك، لكنه سرعان ما يتطور ككرة الثلج ويهدّد بنيان المجتمع ككل، ويأتي على فرص تطوّره وتقدّمه. ثم إن تدخّل السياسيين أحياناً لتعديل القوانين لاعتبارات انتهازية، إنما ينال من هيبة القانون، ويكسر تلك الثقة التي يضعها الناس فيه وفي سلطات إنفاذه.

لا تقتصر حماية القانون للمجتمع والدولة على ما تقدم فحسب؛ بل إن احترام القانون والثقة بإنفاذه، إنما تحمي المجتمعات من «شرور أنفسها» أحياناً، إذا جاز القول.

هناك قطاع واسع من المواطنين في كثير من البلدان الغربية التي تعظ بقية العالم يومياً بالحرية وحقوق الإنسان، واحترام الآخر والتسامح، لديه تمييز واضح ليس فقط تجاه الأجانب، ولكن حتى تجاه شركائه في الوطن المختلفين عنه أو معه. ولا يحمي تلك المجتمعات من التفسخ سوى القانون، الذي يخشاه هؤلاء فلا يتصرفون حسب أهوائهم. قد يكون الردع هنا من باب الخوف من القانون الذي يغلظ العقوبة ولا يفرق في التطبيق بين هذا وذاك، لكنه في النهاية يؤدي إلى ثقافة «كتم الهوى»، والتعامل بدون تمييز أو عنصرية.

الأمثلة كثيرة ولا تحصى على دور القانون في حماية المجتمعات والدول، وترسّخ تلك القوانين شكلاً من أشكال «النظام العام» الذي يضمن استمرار تطور البلد، ويحافظ على استقراره وتقدّمه. ومع تراكم احترام القانون وثقة الناس بسلطات إنفاذه، يتم بناء إحدى القواعد الأساسية لتقدم المجتمع مهما كانت التحديات التي يواجهها، سياسياً أو اقتصادياً.

ومن نافلة القول إن قوة القانون والتزام الكل به، إنما تزيد من قدرة الفرد على الإسهام في نمو وتطور مجتمعه وبلده. كما أن ذلك يرسخ أسس السلم الاجتماعي في ظل الاختلاف بين الناس في كل الجوانب. ولا تستطيع أي أمة أن تنمو وتتطور من دون هذا القدر الكبير من السلم والأمان الاجتماعي، وإحساس كل فرد فيها بأن حقوقه محمية بسلطة القانون الذي يطبق على الجميع.

كما أن قوة القانون، سواء بتطوير تلك القوانين لتواكب تعقيدات حياة البشر، وفي الوقت نفسه عدم الإفراط في تغييرها لتناسب وضعاً مؤقتاً، هي الضمانة الأساسية لعلاقة الثقة بين الأفراد بعضهم ببعض، وبينهم جميعاً وبين الدولة وجهازها التنفيذي. ولعل فقدان ثقة الناس بالقانون وسلطات إنفاذه، أخطر معول يضرب في جدران الدول والمجتمعات هدماً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yj2h75ee

عن الكاتب

يشتغل في الإعلام منذ ثلاثة عقود، وعمل في الصحافة المطبوعة والإذاعة والتلفزيون والصحافة الرقمية في عدد من المؤسسات الإعلامية منها البي بي سي وتلفزيون دبي وسكاي نيوز وصحيفة الخيلج. وساهم بانتظام بمقالات وتحليلات للعديد من المنشورات باللغتين العربية والإنجليزية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"