عادي

ليبيا.. مبادرة باتيلي لا تقدم حلاً

23:08 مساء
قراءة 4 دقائق

د. محمد فراج أبو النور*

المبادرة التي أطلقها المبعوث الأممي إلى ليبيا (عبدالله باتيلي) في مجلس الأمن بشأن إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية خلال العام الجاري، أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية الليبية، وقد تحمست لها الولايات المتحدة وبريطانيا، بينما رفضتها ثلاث دول دائمة العضوية هي روسيا والصين وفرنسا.

تقضي المبادرة بتشكيل لجنة توجيهية (قيادية) رفيعة المستوى «تجمع كل أصحاب المصلحة والمؤسسات والشخصيات وزعماء القبائل والنساء والشباب، مهمتها الإعداد للانتخابات الرئاسية والبرلمانية» خلال العام الجاري، وهو ما يذكرنا ب«لجنة ال75» أو ملتقى الحوار الوطني الليبي، الذي شكلته ستيفاني ويليامز، ووضع «اتفاقاً سياسياً» وخارطة طريق جاءت بحكومة الدبيبة، الذي لا يزال يتشبث بالسلطة حتى الآن، بينما لم تجر الانتخابات التي كان مقرراً لها في 24 ديسمبر 2021.

واللافت للنظر بشدة أن باتيلي تحدث أمام مجلس الأمن عن إجراء الانتخابات قبل نهاية العام الجاري، لكنه حضر جلسة نقاشية، نظمها «معهد الولايات المتحدة للسلام» برفقة المبعوث والسفير الأمريكي في ليبيا ريتشارد نورلاند، حيث صرحا بأن الانتخابات «لا تزال بعيدة، في ظل الأوضاع السياسية في البلاد»!

لجنة بلا آلية ولا معايير

اللافت للنظر أيضاً أن مبادرة باتيلي لم تتطرق إلى آلية تشكيل اللجنة المزمع تنظيمها، ولا عدد أعضائها، ولا الإطار الزمني لعملها، ولا الحكومة التي ستقوم بإجراء الانتخابات وكيفية اختيارها وآليات عملها، ووضع حكومتي الدبيبة والباشاغا.. وهل سيتم إجراء الانتخابات في ظل وجود الحكومتين مثلاً؟ وماذا عن «القاعدة الدستورية» لإجراء الانتخابات؟ وهذه مسألة حاسمة، وهنا لا بد أن نشير إلى أن «باتيلي» انتقد القاعدة الدستورية التي وضعها مجلس النواب، ووافق عليها مجلس الدولة، وقال إنها غير واضحة وتحيل أموراً مهمة إلى قوانين غير معروفة كيف ستكون؟ مثل شروط ترشيح رئيس الدولة.

«أزمة الشرعية»

المبعوث الأممي انتقد النخبة السياسية الليبية كلها بشدة، وصرح بأن «النخبة السياسية الليبية تمر بأزمة شرعية كبيرة.. ويمكن القول إن معظم المؤسسات فقدت شرعيتها منذ سنوات».. وهذا صحيح بوجه عام لكنه لا يمكن أن يبرر تجاهل المبعوث الأممي للهيئة الوحيدة المنتخبة في البلاد.. نعني البرلمان الليبي (مجلس النواب) ورفض قراراته والقاعدة الدستورية للانتخابات التي وضعها ووافق عليها مجلس الدولة الاستشاري.. نعني التعديل الثالث عشر للإعلان الدستوري.

والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: ما الشرعية التي تستند إليها «اللجنة» التي يريد باتيلي تشكيلها؟ وما الذي يجبر البرلمان المنتخب على الخضوع لإرادتها.. وسؤال آخر يفرض نفسه: ما الذي يضمن عدم تكرار كارثة الرشى الانتخابية الضخمة التي جاءت بالدبيبة لرئاسة الحكومة، والمسجلة بالصوت والصورة، والتي وعدت الممثلة السابقة ستيفاني ويليامز، في حينه بالتحقيق فيها.. لكن ذلك لم يحدث أبداً؟

وبمناسبة الحديث عن الشرعية نجد من الضروري الإشارة إلى أن المبعوث الأممي، بعد عودته من أمريكا، سارع إلى اجتماع بالدبيبة (7 مارس الجاري) رئيس الحكومة المنتهية ولايتها والمسحوب منها الثقة برلمانياً، والذي صرح بأنه يدعم مبادرة باتيلي، ويرفض التعديل الدستوري الثالث عشر ويدعو واضعيه لإجراء استفتاء شعبي عليه إذا كانوا يريدون تمريره، وذلك مع علم الدبيبة والجميع باستحالة إجراء أي استفتاء أو انتخابات جدية في ليبيا حالياً.

وبناء على كل ما سبق فإن «مبادرة باتيلي» لا يمكن أن تفتح الباب أمام تقدم جدي في اتجاه التسوية السياسية، وهي مجرد استنساخ رديء لتجربة ستيفاني ويليامز الفاشلة.

التعديل الثالث عشر

وقد طرح باتيلي (مبادرته) بعد ثلاثة أسابيع من إقرار مجلس النواب للتعديل الثالث عشر على الإعلان الدستوري (7 مارس) وبعد أيام من نشر التعديل في الجريدة الرسمية، وكان بديهياً أن يرفض البرلمان تلك «المبادرة».. ومن ناحية أخرى كان (مجلس الدولة) بقيادة خالد المشري يشهد خلافات حادة حول التعديل من جانب الاتجاه الأكثر تطرفاً من «الإخوان» بسبب ما تضمنه من صلاحيات لرئيس الدولة الذي كانوا يريدونه متمتعاً بصلاحيات هامشية فحسب.. وبسبب النص على أنه إذا تعذر انتخاب رئيس الدولة فإن العملية الانتخابية كلها يتم إلغاؤها، فضلاً عن ملاحظات أخرى.

والحقيقة أن التعديل الدستوري يتضمن تنازلات كثيرة من الشرق الليبي لصالح الغرب، وهو يقيم نظام حكم معقداً بطريقة يمكن أن تفشل عملية التشريع واتخاذ القرارات المهمة مثل نظام المجلسين (النواب والشيوخ) وطريقة حل الخلافات بينهما وبين رئيس الجمهورية، أو بينهما معاً، والأهم من ذلك أن قوانين الانتخابات وشروط الترشيح لرئاسة الدولة كلها محالة إلى قوانين ينبغي سنها خلال الفترة المقبلة، ولا يمكن إقرارها إلا من خلال لجنة تضم ستة أعضاء من مجلسي النواب والدولة.. وعلى أن يوافق عليها ثلثا الفريقين (أي أربعة من كل فريق)- وهو شرط يصعب تحقيقه، خاصة في ما يتصل بممثلي مجلس الدولة، ويمكن أن يمثل عقبة خطيرة أمام إقرار تلك القوانين.

وبعد إقرارها يجب إجراء الانتخابات خلال ثمانية شهور، ويفترض أن يحل موعد الانتخابات قبل نهاية العام الجاري، وهو أمر يحتاج إلى معجزة لكي يحدث، خاصة في ظل وجود القوات الأجنبية والمرتزقة والميليشيات، وفي ظل اقتراحه أن حكومة الدبيبة ستكون قد تمت الإطاحة بها، وهذا أمر يحتاج إلى موافقة الولايات المتحدة وبريطانيا وتركيا.

بينما الظاهر أن الغرب ليس في عجلة من أمره، خاصة بعد أن تم تأمين تدفق النفط والغاز الليبيين إلى أوروبا، وبصورة أخص بعد الاتفاق بين شركة «إيني» الإيطالية والدبيبة على تطوير أعمال التنقيب وضخ الغاز إلى إيطاليا.

.. خلاصة القول إن التسوية في ليبيا قد يتعين عليها أن تنتظر طويلاً.

* كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/34p8m69z

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"