أوروبا بعد عام من الحرب الأوكرانية

00:05 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. محمد السعيد إدريس

بعد مضي عام كامل على تفجر الحرب الأوكرانية، فإن الطرف الأوروبي بالذات هو الذي يجذب الأنظار باعتباره «الطرف الرخو» في هذا الصراع. فأوروبا هي الطرف الذي جاءت حرب أوكرانيا على غير هواه وعلى غير مخططاته، وبالذات الأمنية- الاستراتيجية منها. وأوروبا كانت الطرف الذي ركز عليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في معظم توقعاته بأن يكون «جسر العبور» إلى الآفاق المرغوبة في الأزمة، بمعنى أن أوروبا ستكون «الثغرة» في جدار القوة الأطلسي «الأمريكي- الأوروبي» الداعم لأوكرانيا في الحرب، فإلى أي حد تحققت نبوءات بوتين؟ هل باتت أوروبا مهيأة لقطيعة مع الولايات المتحدة على المستوى الأمني- الاستراتيجي، باتجاه التأسيس للأمن الأوروبي المستقل عن حلف شمال الأطلسي والقيادة الأمريكية؟ أم أن العكس هو الذي يحدث الآن؟

الأسئلة كثيرة، لكن إجاباتها غير محسومة بعد، لكن من الواضح أن نبوءات بوتين لم تكن صحيحة؛ حيث نجحت أوروبا، بعد مضي عام من الحرب الأوكرانية في تجاوز ضغوط أزمة الطاقة عندما استطاعت توفير بدائل مأمونة من النفط والغاز من موردين آخرين خاصة من الشرق الأوسط، ومن ثم تم احتواء معظم حركات الرفض الشعبية والإضرابات والاحتجاجات العمالية المطالبة بتحسين الأوضاع المعيشية، لكن أوروبا استطاعت أيضاً الصمود في وجه الانقسامات الداخلية وتفكيك الرابطة الأمنية مع الولايات المتحدة، للدرجة التي جعلت مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية تهزأ من سقوط مشروع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وطموحاته التي عبر عنها عام 2017 بخصوص مستقبل الأمن الأوروبي والدور القيادي الفرنسي في هذا الأمن، باتجاه فكرة تحقيق الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي عن الولايات المتحدة عبر إنشاء الجيش الأوروبي وعدم الاعتماد على حلف شمال الأطلسي من أجل خلق «أوروبا القوية».

كما اتجهت طموحات ماكرون نحو روسيا كشريك ضروري لأوروبا في طموحات الاستقلال عن حلف الناتو والدور الأمريكي؛ حيث دعا ماكرون في ذلك الوقت إلى «قيام حوار أمني حقيقي مع روسيا»، لذلك عندما تفجرت الحرب الأوكرانية، كان هو الأحرص بين قادة أوروبا على استمرار التواصل مع الرئيس الروسي لاحتواء الحرب، وقبلها كان الأحرص على التواصل المباشر مع بوتين لمنع حدوث الحرب.

وعلى الرغم من كل التداعيات السلبية التي أحدثتها تداعيات الحرب الأوكرانية على مدى عام كامل، فإن الرئيس ماكرون ما زالت له رؤية مستقلة عن باقي زعماء أوروبا في ما يتعلق بمستقبل روسيا بعد انتهاء الحرب الأوكرانية. ففي الوقت الذي يؤيد فيه معظم هؤلاء القادة، وخاصة قادة دول شرق أوروبا الأقرب إلى الحدود الروسية، الرؤى الأمريكية الخاصة بضرورة «إلحاق هزيمة كبرى بروسيا» بعد أن أصبحت الولايات المتحدة طرفاً أساسياً في المواجهة، فإن ماكرون قال في حديث لوسائل إعلام فرنسية في طريق عودته إلى فرنسا قادماً من مؤتمر ميونيخ للأمن إنه «لا يعتقد، مثل البعض، أنه يجب هزيمة روسيا بالكامل ومهاجمتها على أراضيها.. هؤلاء المراقبون يريدون قبل كل شيء سحق روسيا.. لم يكن هذا هو موقف فرنسا أبداً ولن يكون كذلك أبداً». كما أن ماكرون كان الأكثر ترحيباً بالمبادرة الصينية لحل الأزمة الأوكرانية دبلوماسياً، وأعلن أنه سيقوم بزيارة الصين بداية شهر إبريل/نيسان المقبل، كما أنه حث السلطات الصينية على المساعدة من أجل ممارسة الضغوط على روسيا «لدفعها لوقف العدوان» في أوكرانيا.

هذا يعنى أن التحولات الأوروبية ما زالت غير محسومة على ضوء هذه المواقف الفرنسية، وعلى ضوء مواقف أوروبية معاكسة سواء من جانب المستشار الألماني أولاف شولتس الذي زار الولايات المتحدة الأسبوع الماضي، وهناك التقى بالرئيس جو بايدن وجرى التنسيق في دعم أوكرانيا بأسلحة جديدة متطورة خاصة دبابات «ليوبارد-2» الألمانية، ودبابات «إبرامز» الأمريكية، أو من جانب زعماء دول شرق أوروبا الذين التقاهم الرئيس الأمريكي في بولندا في قمة أخذت اسم «قمة بوخارست 9»، وهناك خاطب الزعماء قائلاً: «أنتم خط المواجهة في دفاعنا الجماعي».

هل هذا يعني أن أوروبا منقسمة حول المشروع الأمريكي في أوكرانيا، وأن هناك أصداء لرؤى ماكرون في أوروبا الغربية غير داعمة لذلك المشروع، أم أن الحرب الأوكرانية وحدت أوروبا مجدداً تحت القيادة الأمريكية وعلى حساب طموحات الأمن الأوروبي المستقل؟ أسئلة ما زالت معلقة بمستقبل الحرب الأوكرانية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/24tvnjsc

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"