عادي

عذب الكلام

22:41 مساء
قراءة 3 دقائق

إعداد: فوّاز الشعّار

لُغتنا العربيةُ، يُسر لا عُسرَ فيها، تتميّز بجمالياتٍ لا حدودَ لها ومفرداتٍ عَذْبةٍ تُخاطب العقلَ والوجدانَ، لتُمتعَ القارئ والمستمعَ، تُحرّك الخيالَ لتحلّقَ بهِ في سَماءِ الفكر المفتوحة على فضاءات مُرصّعةٍ بِدُرَرِ الفِكر والمعرفة. وإيماناً من «الخليج» بدور اللغة العربية الرئيس، في بناء ذائقةٍ ثقافيةٍ رفيعةٍ، نَنْشرُ زاوية أسبوعية تضيءُ على بعضِ أسرارِ لغةِ الضّادِ السّاحِرةِ.

في رحاب أم اللغات

من بدائعِ البلاغةِ، التشبيهُ الضّمْني الذي لا يكونُ المشبَّهُ والمشبَّهُ بهِ واضحَين، ولكن يعرفان بالتركيب؛ يقول ابن الرومي:

وإذا امْرُؤٌ مَدَحَ امْرأً لِنَوالِهِ

وأطالَ فيهِ فَقَدْ أرادَ هِجاءَهُ

لَوْ لَمْ يُقَدِّرْ فيهِ بُعْدَ المُسْتقى

عِنْدَ الوُرودِ لَما أطالَ رِشاءَهُ

(الرّشاءُ: الحبلُ الذي يُسحبُ به الماءُ من البئر). يقول إن البلاغة في الإيجاز. كحبلِ الماءِ، إذا قَصُرَ، كانَ أنفعَ.

والتشبيهُ التمثيلي، إِذا كانَ وجهُ الشَّبهِ فيهِ صورةً مُنْتَزَعَةً منْ متعدّدٍ؛

كقولِ ابنِ المُعتزّ، يصفُ السَّماءَ، بَعْدَ تَقَشُّعِ سَحابَةٍ:

كأَنَّ سَماءَها لمّا تَجَلَّتْ

خِلاَلَ نجومِها عنْدَ الصَّباحِ

رياضُ بَنَفْسَج خَضِلٍ ثراهُ

تفَتَّحَ بيْنَه نَوْرُ الأقاحِ

الخَضِلُ: الرَّطْبُ. الأقاحي: جمع الأُقْحوانة: زهرة البابونَج.

دُرر النَّظم والنَّثر

أُولو الفَضلِ

أبو العلاء المعرّي (الطويل)

أُولو الفَضلِ في أَوطانِهِم غُرَباءُ

تَشِذُّ وَتَنأى عَنهُمُ القُرَباءُ

فَما سَبَأوا الرّاحَ الكُمَيتَ لِلَذَّةٍ

ولا كانَ مِنهُم لِلخِرادِ سِباءُ

وحَسبُ الفَتى مِن ذِلَّةِ العَيشِ أنَّهُ

يَروحُ بِأَدنى القَوتِ وهوَ حِباءُ

إِذا ما خَبَت نارُ الشَبيبَةِ ساءَني

ولَو نُصَّ لي بَيْنَ النُجومِ خِباءُ

أُرابيكَ في الودِّ الَّذي قَد بَذَلتَهُ

فَأُضعفُ إِن أَجدى إِلَيكَ رِباءُ

وما بَعْدَ مَرِّ الخَمسَ عَشرَةَ مِن صِباً

ولا بَعْدَ مَرِّ الأَربَعينَ صَباءُ

أَجِدَّكَ لا تَرْضى العَباءَةَ مَلبَساً

ولَوْ بانَ ما تُسديهِ قيلَ عَباءُ

وفي هذه الأَرضِ الرَّكودِ مَنابِتٌ

فَمِنها عَلَنْدى ساطِعٌ وكِباءُ

تَواصَلَ حَبْلُ النَسلِ ما بَيْنَ آدَمٍ

وبَيْني ولَمْ يوصِلَ بِلامِيَ باءُ

تَثاءَبَ عَمروٌ إِذ تَثاءَبَ خالِدٌ

بِعَدوى فَما أَعَدَتنِيَ الثُؤباءُ

وَزَهَّدَني في الخَلْقِ مَعْرِفَتي بِهِم

وعِلمي بِأَنَّ العالَمينَ هَباءُ

وَكَيفَ تَلافِيَّ الَّذي فاتَ بَعدَما

تَلَفَّعَ نيرانَ الحَريقِ أَباءُ

إِذا نَزَلَ المِقدارُ لَم يَكُ لِلقَطا

عَلى الوُلدِ يَجني والِدٌ وَلَو أَنَّهُم

وُلاةٌ عَلى أَمصارِهِم خُطَباءُ

وزادَكَ بُعْداً مِن بَنيكَ وَزادَهُم

عَلَيكَ حُقوداً أَنَّهُم نُجَباءُ

يَرَونَ أَباً أَلقاهُمُ في مُؤَرَّبٍ

مِنَ العَقدِ ضَلَّت حَلَّهُ الأُرَباءُ

وَما أَدَبَ الأَقوامِ في كُلِّ بَلدَةٍ

إِلى المَينِ إِلّا مَعشَرٌ أُدَباءُ

من أسرار العربية

في الفروق اللغوية: بينَ المكافأةِ والشُّكرِ: المكافأةُ تكون بالنّفعِ والضّرِّ، لأنّ المكافأةَ من الكُفؤ أي المِثلِ، وتكونُ بالقولِ والفعْلِ، أما الشُّكرُ، فلا يكونُ إلّا بالنّفعِ، ولا يكون إلّا قولاً. بين اللوم والعتاب: اللومُ تنبيهُ الفاعل على موقعِ الضّررِ في فعلهِ. أما العتابُ، فهو على تضييعِ مودّة أو إخلالٍ بالصداقة.

في تخصُّص الأفعال: الرَّجُلُ يَسْعَى. المَرْأةُ تَمْشِي. الصَّبِيُّ يَدْرُجُ. الشَّابُّ يَخْطِرُ (يَتَبَخْتَرُ). الشَّيْخُ يَدْلِفُ.الفَرَسُ يَجْرِي. البَعِيرُ يَسِير. الظَّلِيمُ (ذكَرُ النَّعامِ) يَهْدِجُ. الغُرَابُ يَحْجُلُ. العُصْفورُ يَنْقُز.الحَيَّةُ تَنْسَابُ. العَقْرَبُ تَدِبُّ.

هفوة وتصويب

يكثُرُ استخدامُ مثلِ هذهِ الجُملة: «السّجادةُ عِبارَةٌ عنْ صوفٍ مَنسوجٍ»، أو «البِناءُ عِبارَةٌ عنْ حِجارة..» وهو استِخْدامٌ ركيكٌ، لأنَّ العِبارةَ هي الكلامُ الذي يبيّنُ ما في النّفسِ من مَعانٍ. والصّوابُ القولُ «السّجادةُ صوفٌ منسوجٌ»، و«البِناءُ حِجارةٌ..».

ويقولون: «سلّم القومُ على بَعضِهمُ البَعْض»، أو «على بَعْضِهم بَعضاً»

وفيه خطآن: الأول، أن«بَعض» ومثلُها «كُلّ» لا تُعَرّفان ب«أل»، والثّاني: التركيبُ نفسُهُ، فلمْ يَعْرِفْهُ العربُ، وهو ركيكٌ. والصَّوابُ القول: «سلّم القومُ بعضُهم على بَعْضٍ».

من حكم العرب

عِشْ ألْفَ عامٍ لِلْوفاءِ وقَلّما

سادَ امْرؤٌ إِلّا بحفظِ وفائهِ

لصلاحِ فاسدِه وشَعْبِ صُدوعه

وبَيان مُشْكلِه وكَشْفِ غطائِه

البيتان لأبي النّجع الخوارزمي، يقول إن الوفاءَ، أساس القيم النّبيلة عند النّاس الأسوياء الطيّبين، فبه تصفو العلاقات وتعلو الأخلاق.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ufpcpazv

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"