فجأة وتحت ضغط الانتشار الواسع للترويج على يد مشاهير التواصل الاجتماعي وقصص تجاربهم الشخصية المدفوعة الأجر حول المنتجات والخدمات التي هي في الحقيقة إعلانات مدفوعة الأجر، اختلط الحابل بالنابل وامتد الأمر لممارسة الطب والعلاج ووصف الأدوية، حتى ركبت بعض العيادات والمؤسسات الصحية الموجة وسعت الى أن يكون لها نصيب من كعكة الأرباح التي كبرت وتضخمت بفضل الإقبال الكبير على تلك العلاجات.
مؤسف حقاً تلك السطحية التي بات يتعامل بها الناس مع مسائل غاية في الأهمية كالصحة والاعتبارات المتعلقة بسلامتهم وحياتهم واستقرارهم وتحويلها من موضوعات ذات أهمية كبرى لها احتياطات وإجراءات وجهات تتولى تحديد صلاحيتها ومناسبتها لهم إلى ما يشبه الخدمات العادية التي لا تحتاج إلى كل ذلك، وتبسيطها وكأنها خدمات صالون حلاقة لا خطورة ولا أعراض ولا فحوصات مسبقة ولا خطورة ربما تمثلها لهم أو تأثيرات مستقبلية ضارة، لأن الموضوع تحول إلى تجارة ذات منافسة شديدة عصفت بالأسعار حتى أوصلتها إلى مستويات تنافسية قياسية جذابة للجميع.
موضوعات التجميل اليوم ومجالاته تمثل الهم الأكبر للجميع ولم تعد محصورة بالنساء بل دخلت مجال الرجال حتى الذين لا يحتاجون الى تدخل طبي ضروري، لأن تلك الإعلانات المدفوعة سعت إلى تغيير نظرة الجميع وإيهامهم بحاجتهم الماسة إلى الاعتناء بأنفسهم والولوج إلى عالم العلاجات المبتكر كل يوم بوسائل واختراعات تعيد النضارة وتسترجع الشباب وتشد البشرة وتحول الجسم إلى الوزن المثالي دون تعب أو رياضة أو حرمان من الطعام. أما خصوصية حالتك ومدى ملاءمة تلك العلاجات لك والأعراض الجانبية فهي أمور ثانوية، خاصة أن الترويج يتعدى اختصاص الأطباء ويقول إنها مناسبة ولا خطورة منها وصالحة للجميع.
وصلنا الى مرحلة نصدق فيها كل ما يقال ونعتبر تلك القصص التي يسوقها مشاهير التواصل الاجتماعي وكأنها تجارب شخصية يراد بها النفع والفائدة وكأنها نصيحة شخصية مناسبة في كل زمان ومكان ولكل شخص، بغض النظر عن طبيعة حالته وخصوصيتها ومدى ملاءمة تلك العلاجات له. وللأسف هناك أطباء ومراكز وعيادات أسهموا في تعزيز هذا التوجه بعد أن وجدوا فيه وسيلة أسرع وشريحة أكبر تحقق الأرباح لهم.
الصحة وسلامة الإنسان لها أهمية كبيرة والتزامات يجب أن تراعى من جميع الأطراف، وكالتزام إنساني يجب ألا تعامل خدماتها كإعلانات التسويق العقاري وتنزيلات محال السجاد أو الأواني المنزلية، وهناك قواعد تنظم تلك الإعلانات وأخلاقيات للقائمين عليها نحتاج بإلحاح الى أن تعود لنصابها الصحيح وتبتعد عن هذا الهرج الحاصل اليوم في الساحة.
