فرجان دبي

00:06 صباحا
قراءة دقيقتين

سأعرّفها من خلال تجربتي الخاصة: الفرجان وهي جمع «فريج»، ذلك الحي الممتد من بيوت متلاصقة، وبتصنيف خاص «زمن الطيبين»، أو زمن الحياة البسيطة المتآزرة المتلاحمة، الفريج «الحي» هو امتداد لقلوب التمّت في بيوتها، وكوّنت شارعاً بكامله، التصقت الشوارع ببيوتها فأصبحت المنطقة بكبرها بتسميتها يقال لها «فريج أو الحي».
المصطلح الإنساني الذي اختبرناه يقول: السؤال عن الجار، هو معرفة الجار في أول الشارع بأحوال الجار في نهاية ذلك الشارع، هو السفرة الواحدة، والإحساس الواحد، هو الامتداد لمنظومة العيش الواحدة، التواضع، الاحتواء، البساطة في كل شيء، ورفض قيم لا تنتمي لنا، هو السؤال وهو الاستقرار، هو الحياة وهو الليل والنهار، هو الأمن والأمان، وصوت أذان الفجر الذي تمشي عليه خطوات الجميع في سلام وتحايا، هو لعب الأطفال مع بعضهم دونما خوف، والمشاغبات التي علمتنا حين كبرنا أن فلاناً هو ابن فلان، هو تلك الحميمية في تناول وجبة واحدة مع الكل، هو اللمة وهو السعادة في ولادة، والحزن في وفاة، هو أهازيج العرس الذي يصبح عرساً للجميع، وهو فرحة العودة من رحلة طويلة في البحر، هو سعادة النجاح في المدرسة الواحدة، وهو الجلوس أمام الدكان «بقالة الفريج» عند العصر. 
وهو الكثير من قصص الجدات في المساء قبل احتلال الشاشات، وهو صورة الالتحام والخوف على بعضنا ومعرفة الأخبار قبل عصر الهواتف.
مبادرة «فرجان دبي»، لربما بدأت بحدث إنساني، لكنها استمرت لاستشعار أصحاب المبادرة أننا نفتقد الكثير اليوم، مع علو بيوتنا، وزيادة أدوارنا، مع الرغبة بأن تعود الحياة الأولى في تفاصيلها لتنبت بين أحياء دبي والدولة، هي الصورة التي تترجم العودة بالموروث، والقيم وثقافتنا، بعيداً عن تصنع أو تقليد من لا ينتمي لنا. 
قبل يومين انطلق المهرجان الأول ل«فرجان دبي»، بعد عدد من الأحداث التي أقاموها في أحياء مختلفة، وفي هذا المهرجان كانت الرغبة بأن تجتمع الأحياء كلها في مكان واحد، وأن يختلط الكل معاً، وقد كنت أتمنى فعلاً أن تكون هناك فعالية تعلمنا أن نتعرف إلى بعضنا، ومن نحن وما هي ذاكرة الفريج في داخلنا، وهل تغيّرنا اليوم وكيف أصبحنا، لكنني لا أنكر، أن الفكرة جعلت الكثيرين من أماكن مختلفة يحاول الحضور ل«حديقة مشرف»، المكان الذي يحتضن الحدث بين الغاف، شجرة الإمارات ورمز استدامة خاصة، ليس الحضور فضولاً، بل رغبة حقيقية بالعودة لبساطة الرمال، والجلوس دون تكلف، للرغبة بأن نشتري ونأكل مع بعضنا، بأن نشم راحة القهوة ونسأل عن بعضنا، المهرجان الأول خلفه جنود كثيرون، وفكر حي نحيي فيهم هذا الشعور وهذا العطاء، ونتمنى لهم التطور والامتداد على رقعة الدولة، ولهم نقول شكراً لجهودكم التطوعية.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3j2wdf3a

عن الكاتب

مؤلفة إماراتية وكاتبة عمود أسبوعي في جريدة الخليج، وهي أول إماراتية وعربية تمتهن هندسة البيئة في الطيران المدني منذ عام 2006، ومؤسس التخصص في الدولة، ورئيس مفاوضي ملف تغير المناخ لقطاع الطيران منذ عام 2011

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"