مصائر على مائدة التفاوض

00:19 صباحا
قراءة دقيقتين

وليد عثمان

من جديد، سيكون مصير غذاء الملايين حول العالم من الحبوب، مبسوطاً على مائدة التفاوض يوم غد، بين روسيا والأمم المتحدة في جنيف. وهذا أمر جدير بالاهتمام حتى ممن لا يستهويهم تتبع تفاصيل النزاع الروسي الأوكراني، وحصر المكاسب والخسائر على جبهاته المتعددة، وجدير أيضاً بأن يقترن الاهتمام بالتمسك بالأمل في نجاح المفاوضات. والأمل ليس مبعثه مصلحة هذا الطرف أو ذاك، والملف كله يدور حول المصالح، وإنما الانحياز إلى ملايين الأفواه خارج البلدين المتحاربين مباشرة التي يتعلق غذاؤها الرئيسي، كماً وسعراً، بنزاعهما منذ بدأ ويتأثر، سلباً وإيجاباً، بمساعيهما وحلفائهما أو الوسطاء بينهما.

إن انتهى اجتماع جنيف المرتقب إلى شيء إيجابي، فلن يكون الأول المتعلق بما يُعرف ب«اتفاق مبادرة البحر الأسود»، فهو ملف رئيسي في النزاع، أو هو أحد أبرز وجوهه الاقتصادية. واستلزم هذا الاتفاق في نسخته الأولى جهداً ومناورات، اكتملت بإقراره في 22 يوليو/ تموز الماضي، قبل أن يبدأ تنفيذه محفوفاً بالقلق والحذر. وفي 3 أغسطس/ آب، أعلنت وزارة الدفاع التركية اكتمال تفتيش سفينة الشحن «رازوني» قبل أن تعبر مضيق البوسفور الذي يربط البحر الأسود ببحر مرمرة بين الجزأين الأوروبي والآسيوي من إسطنبول، ثم من مرمرة إلى البحر الأبيض المتوسط عبر مضيق الدردنيل، وصولاً إلى ميناء طرابلس في لبنان. واعتبر مرور 26 ألف طن من الذرة على ظهر «رازوني» انفراجة، وأمراً ضرورياً للأمن الغذائي العالمي وأسعار المواد الغذائية في ظل انتشار التضخم في العديد من البلدان، وفق الأمم المتحدة. وتوالى نفاذ الحبوب والأسمدة الأوكرانية من ثلاثة موانئ أوكرانية بموجب الاتفاق الذي أمكن تمديده في نوفمبر/ تشرين الثاني إلى 18 مارس/آذار الجاري.

ولم يسلم «اتفاق مبادرة البحر الأسود» من تأثيرات تطورات المواجهات العسكرية، ولا من الضغط الروسي تحديداً، خاصة أن تمديده رهن بموافقة جميع الأطراف؛ لذلك ارتبكت مفاوضات التمديد الأول في نوفمبر/تشرين الثاني حين تزامنت مع سقوط صاروخ أوكرني على شبه جزيرة القرم. مع مفاوضات التجديد الثاني المقررة الاثنين، يتكرر الأمر، وتتجدد خشية الأمم المتحدة من عراقيل مرتبطة بالصراع على الأرض.

وتبدّى ذلك، الأربعاء الماضي، في لقاء الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وأنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، في كييف؛ إذ تطابقت تصريحاتهما الداعية إلى تمديد الاتفاق؛ الأول رأى ضرورة في ذلك للعالم، بينما الثاني سوّغ دعوته بالقول: إن الاتفاق، بتمريره 23 مليون طن من الحبوب، أسهم في خفض الكُلفة العالمية للغذاء، ووفّر مساعدة حيوية للسكان الذين يدفعون أيضاً ثمناً باهظاً في هذه الحرب خصوصاً في البلدان النامية.

وتسعى تركيا، الوسيط في الاتفاق، لإقناع روسيا بالموافقة على التمديد، لكنّ موسكو لن تفصل موافقتها هذه المرة أيضاً عن تحقيق مكاسب عسكرية أو سياسية؛ لذلك أشهرت روسيا في وجه الاجتماع المرتقب وصف المفاوضات بأنها معقدة بحجة أنها لم تنل ما تريده من الاتفاق في ظل عقبات أمام صادراتها الزراعية.

أما الملايين المربوطة مصائرهم بهذه المفاوضات، فليس بوسعهم غير الانتظار.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/j8yp73vn

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"