التفوق على الذات

00:11 صباحا
قراءة 3 دقائق

عبدالله السويجي

الدولة الوطنية كالإنسان الوطني مع اختلاف الأدوار وتقاطعها، فكما أن الثاني يعني الإنسان المفعم بحب الوطن، ويترجم معايير وأخلاقيات الولاء والانتماء على أكمل وجه، عن وعي وقناعة كبيرين، ولا يتردّد في التضحية بروحه ووقته، وتوظيف علمه ومهاراته وإمكاناته، لخدمة وطنه، فإن الأولى، أي الدولة الوطنية، هي الحاضن الرئيسي للمواطن، والملجأ الآمن لحاضره ومستقبله، والمسؤولة عن توفير الخدمات الرئيسية كافة، والتي تشمل التعليم والرعاية الصحية والبنية التحتية المتطورة، والخدمات التي تحفظ وقته وصحته النفسية والجسدية، والبيئة المناسبة للعيش الكريم، إضافة إلى خدمات أخرى لا تقل أهمية عمّا سبق. ويتقاطع الطرفان ويكمّلان بعضهما، ويسيران في خطين متوازيين، لتحقيق الحياة الكريمة للمواطن، والرفعة والسؤدد للوطن، يلتقيان عند تحقيق السعادة التي لا تقتصر آثارها على المواطن، وإنما على الدولة الوطنية.

وبدهي القول إنه لا سقف للعمل الوطني المؤسسي أو الفردي، طالما أن هاجس كل طرف - وهما طرف واحد وإن ظهرا كإثنين، هو تحقيق الجودة، إن كان في توفير الخدمة المباشرة، أو في المشاعر ومعايير الانتماء والولاء. والجودة لا سقف لها ولا نهاية لمخرجاتها، فهي الشبيهة بالطموح، الجماعي المؤسسي أو الفردي، والطموح يتصل بالحلم، والحلم يولّد الحلم، إلى ما لا نهاية. ودولة الإمارات العربية المتحدة، وطننا الغالي، خير نموذج للتنافس بين الدولة الوطنية والإنسان المواطن، لتحقيق معايير الجودة في أجمل تجلياتها، والتجلّي، وإن كان لفظاً صوفيّاً، إلا أنه ينسجم مع الروح المعنوية والعمل الدؤوب، نحو تجاوز المنجز، وتجاوز التجاوز، حتى تتفوّق الحالة على حالتها، والموصوف على الوصف.

وهذا ما جعل الإمارات الدولة النموذج للعيش والعمل لكل طموح وحالم، من مواطنين ومقيمين؛ بل هي من الدول القليلة، التي يتملّك فيها المواطن والمقيم، الإحساس بالفخر، كونه ينتمي لهذا البلد ويقيم فيه، وهي معادلة لم تكن لتتحقق، لولا سيادة العدالة الاجتماعية، والعدالة بين الناس وتحقيق الفرص المتساوية للمرأة والرجل، ولولا تعاظم المحبة الشاملة والمتنوعة.

كنت سأتحدث عن توظيف الذكاء الاصطناعي في خدمة الإنسان، والإمارات من بين الدول السبّاقة في هذا المضمار، وكنت سأتحدث عن أهمية المشروع الذي أطلقه سموّ الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي، الموسوم ب «البعثة الدبلوماسية الذكية»، وهو مشروع ابتكاري، ويُعد الأول من نوعه في العالم، وكنت سأتحدث عن أهدافه المعلنة؛ وهي توفير رحلة متكاملة ومبسّطة للمتعاملين مع بعثات الدولة في الخارج، تماشياً مع رؤية الإمارات 2031، وتشمل المبادرة من بين ما تشمل؛ إصدار وثائق العودة، تصديق المستندات الفردية والتجارية، الحالات الطارئة، إضافة إلى إصدار شهادات لمن يهمه الأمر، وغيرها من الخدمات القنصلية المقدمة لمواطني الدولة والمقيمين والزوار.

وكنت سأتحدث عن رؤية 2031 في إطار الوصول إلى تحقيق مئوية الإمارات 2071، وكيف أن إطلاق المبادرة يواكب الرسائل التي يبثها رائد الفضاء الإماراتي سلطان النيادي من الفضاء، وهي رسائل علمية عاطفية رياضية إنسانية، وأن كل هذا يواكب عام الاستدامة في دولة الإمارات. كنت سأتحدث عن ذاك كله، إلا أن الحديث له أصل، فارتأيت أن أشير إلى أصل الفكرة وجذور التطبيق، لأن لا شيء يُخلق من العدم.

قد ينظر البعض إلى هذه المبادرة التي أطلقها سموّ وزير الخارجية والتعاون الدولي، على أنها تحصيل حاصل، وهو مديح وتبجيل للجهد التراكمي الوطني، الجماعي والفردي، الذي اعتاد الدهشة، وينظر إلى المبادرة كإجراء خدماتي، لكنها في الواقع ليست كذلك، إنها تؤكد مواصلة الابتكار والإصرار على منهج التفوق على الذات.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yckh4758

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"