فرنسا والنظام التقاعدي

00:10 صباحا
قراءة دقيقتين

يونس السيد

لم تفلح الاحتجاجات الفرنسية وخروج مئات الآلاف بل الملايين إلى الشوارع حتى الآن في وقف مشروع إصلاح نظام التقاعد، تحت إصرار حكومة اليمين على تمرير هذا المشروع بأي ثمن، إذ صادق مجلس الشيوخ على أهم البنود الرئيسية فيه، وهو رفع سن التقاعد من 62 إلى 64 عاماً، لكن المعركة لم تنته بعد.

صحيح أن التقاعد في فرنسا من بين الأدنى في الدول الأوروبية، لكنه كان يمثل إنجازاً تحقق بجهود أغلبية الفرنسيين قبل نحو 40 عاماً، ومع ذلك، فإن جوهر الصراع لا يتوقف عند تشغيل الفرنسيين سنتين إضافيتين، وإنما يتخذ بين عوامل أخرى، بعداً إضافياً يتمثل في عودة ظهور الصراع بين الفقراء والأغنياء إلى الواجهة.

وبينما ترى حكومة إليزابيث بورن أن المشروع يحقق «توازناً عادلاً» في المجتمع، هناك من يرى أن الطبقة المتنفذة ومصالحها المرتبطة بالشركات الاحتكارية ورجال الأعمال والمستثمرين، هم المستفيد الأكبر من هذه التعديلات، بينما أغلبية الفرنسيين يعانون. وبدلاً من أن تفرض ضرائب على تلك الشركات ورجال الأعمال والمستثمرين لتمويل نظام الضمان الاجتماعي، يطلب من الفرنسيين العمل سنتين إضافيتين لسد هذه الثغرة. كما يرى الفرنسيون الذين خرجوا إلى الشوارع، أنه بدلاً من إرسال السلاح والمساعدات الأخرى إلى أوكرانيا، والتي تكلف أموالاً طائلة كان يمكن صرفها على الجامعات والطلاب والفئات الاجتماعية الفقيرة لتحسين شروط حياتهم.

ففي ظل تراجع الاقتصاد وتعذر إمكانية الحصول على وظائف جديدة، وارتفاع أسعار الطاقة والمحروقات والمواد الغذائية جراء نقص الغاز والنفط بسبب الحرب الأوكرانية، باتت غالبية الفرنسيين غير قادرة بالكاد على تأمين لقمة العيش، ناهيك عن متطلبات أخرى كالصحة والنقل والتعليم وغيرها. والأسوأ أنه بينما يعاني أغلبية الفرنسيين هذه الظروف الحياتية، هناك فئة قليلة تتنعم برغد الحياة غير آبهة لما يحدث لعموم الفرنسيين، وهو ما يؤشر إلى اتساع الهوة بين الطبقات الاجتماعية داخل المجتمع الفرنسي.

لهذه الأسباب وغيرها، لم يعد أمام الفرنسيين سوى الخروج إلى الشوارع للاحتجاج وخوض معركة اختبار للقوة، على أمل أن يؤدي ذلك إلى إجبار الحكومة على سحب مشروعها لتعديل نظام التقاعد. لكن حكومة بورن التي ترى في إقرار هذا المشروع معركة «حياة أو موت»، باعتباره أهم اختبار جدي لها، تمكنت من الحصول على مصادقة مجلس الشيوخ بأغلبية 201 عضو صوتوا لصالح رفع سن التقاعد مقابل 115 صوتوا ضده. ومع ذلك لم تمض جلسة مجلس الشيوخ دون اندلاع معركة بين المعارضة اليسارية واليمين الحاكم، توجهت خلالها السناتورة الاشتراكية مونيك لوبين، إلى وزير العمل أوليفييه دوسو، بالقول إن «اسمك سيبقى إلى الأبد مرتبطاً بإصلاح سيردّنا إلى الوراء حوالي 40 عاماً».

لكن المعركة لم تنته بعد، إذ رغم التوقعات بأن يقر البرلمان الفرنسي بمجلسيه هذا الإصلاح بحلول 16 آذار/مارس الحالي، يبدو أن هناك إصراراً شعبياً على مواصلة المعركة، حيث تظهر استطلاعات الرأي المتكررة أن غالبية واسعة من الفرنسيين تعارض هذا الإصلاح.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5n8jcv9x

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"