عادي

سلطان عاشق «أبو الفنون»

23:14 مساء
قراءة 6 دقائق
مشهد من مسرحية النمرود
مشهد من مسرحية الحجر الأسود

الشارقة: يوسف أبولوز

أحاديث صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، الواقعة في سبعة أجزاء وتغطي الفترة من عام 1972 حتى عام 2018، إلى جانب المعلومات الغزيرة في «سرد الذات»، و«حديث الذاكرة الجزء الثاني».. كل هذه المصادر بقلم أو بلسان سموه، تشكّل معاً سجلاً متسلسلاً لتاريخ المسرح في الإمارات، وبالطبع هو أيضاً سجل لتاريخ أيام الشارقة المسرحية، ففي المناسبات المسرحية من مهرجانات متخصصة إماراتية أو عربية أو خليجية عنوانها المسرح، كان سموه وما يزال، لسان حال المسرح وقلمه وضميره المتكلم، ولذلك حين تقرأ هذه الحزمة من الكتب قراءة متسلسلة، فإنك فعلاً تقف على تاريخ المسرح وتوثيقه بالمواقف والمعلومات والنصوص، وإذا أردنا الحق، فإن أحاديث سموه وكتبه ومواقفه ومبادراته، هي المادة العلمية الأصلح والأصدق لكل من يريد توثيق وتاريخ المسرح في الإمارات منذ الستينات وإلى اليوم.

لماذا قلت الستينات؟ لأنه أول زمن مسرحي عمل فيه سموه، وهو في «سرد الذات» تحديداً يوثّق المعلومات بكل دقة وموضوعية تاريخية، يقول سموه: «في نهاية عام 1963، وبينما كنت طالباً في مدرسة دبي الثانوية، كنت لا أزال أدير نادي الشعب الثقافي الرياضي في الشارقة، وكانت هناك خشبة مسرح أقيمت في فترة غيابي في مصر في صيف 1963، وأقيمت عليها أول مسرحية في شهر أغسطس 1963، ومسرحية أخرى في شهر سبتمبر 1963 على يد المخرج العراقي واثق السامرائي، فقمت بتأليف مسرحية «وكلاء صهيون»، وأخرجتها ومثّلت دورين رئيسيين فيها، وعرضت المسرحية في نهاية سنة 1962».

مشروع

إذاً بداية المسرح الإماراتي، رسمياً، كانت في 1963 الذي شهد استقدام المخرج العراقي السامرائي، ولكننا هنا أيضاً، سنعرف للمرة الأولى، ربما أن صاحب السمو، حاكم الشارقة، عرف الإخراج المسرحي، وهو في تلك السن الشابة المبكرة من حياته، وهو شغف مسرحي أصيل، سيلازمه إلى اليوم؛ بل سيصبح المسرح مشروعاً داخل مشروع إن جازت العبارة.. مشروع سلطان داخل مشروع الشارقة الثقافي، ومن علامات مشروع الشارقة الثقافي المضيئة والكبرى، نعاين بكل وضوح، ظاهرة الثقافة المسرحية في الإمارات، وفي الوطن العربي كله، وهي ظاهرة جمالية إبداعية ستكون الشارقة منصتها المتماسكة القوية.

وسأعتمد بشكل مباشر على أحاديث صاحب السمو، حاكم الشارقة، في محاولة لرسم خط بياني لمسارات أيام الشارقة المسرحية «من الجزء الأول وحتى السابع»، ولكن قبل ذلك تجدر الإشارة إلى أن العبارة التاريخية التي أطلقها صاحب السمو، حاكم الشارقة: وهي «إنه قد آن الأوان لوقف ثورة الكونكريت في الدولة، لتحلّ محلها ثورة الثقافة».. قد قالها سموه في مناسبة مسرحية، وكأن ثورة الثقافة تبدأ من المسرح، فقد أطلق سموه، تلك العبارة المفصلية في مناسبة عرض مسرحية «شركة العجائب» في قاعة إفريقيا في 18 من أبريل عام 1979.

لقد رأى صاحب السمو، حاكم الشارقة، أن الارتقاء بالحركة المسرحية المحلية، إنما يتطلب الاهتمام منذ البداية بمسرح المدرسة. قال سموه ذلك في افتتاح الدورة السادسة من أيام الشارقة المسرحية في 20 أبريل 1994، ويومها قال سموه: «المسرح مرآة للمجتمع وليس للتهريج»، كما شهدت تلك الدورة المسرحية من «الأيام» دعم الفرق المسرحية بالإمكانيات اللازمة ليسهل على المسرحيين، مواجهة المشاكل المادية المكلفة التي يستلزمها النص الجيد والمخرج المتميز، كما قال سموه في تلك الدورة.

وفي الدورة العاشرة من «الأيام» وجّه، سموه، كتّاب المسرح إلى الاهتمام بالنصوص التي تخدم قضايانا وقضايا أمتنا، وفي الدورة الثانية عشرة من الأيام يؤرّخ سموه للمسرح بهذه المعلومة المهمة حين قال: «إن الشارقة عرفت المسرح منذ سنوات سابقة تعود لسنة 1950، ففي ذلك العام قدّم علي بورحيمة فاصلاً تمثيلياً متكاملاً، فيه الفرجة الممتعة والتعليم، وإنني قمت لاحقاً بتأليف «نهاية صهيون»، وليس «وكلاء صهيون».. تلك المسرحية التي أغضبت المعتمد البريطاني الذي كان يشاهد عرضها في الشارقة».

وقد جاء هذا التصويب من جانب سموه، تعقيباً منه على مداولات الندوة الفكرية المصاحبة للدورة الثانية عشرة من «الأيام» ومن المهم جداً هنا أن نعود إلى تعقيب سموه آنذاك؛ لأنه يتضمن دعوة الباحثين إلى أمر في غاية الأهمية، وهو توثيق الحركة المسرحية الإماراتية. وقال سموه: «إن توثيق الحركة المسرحية، وتدوين شهادات معاصريها، هما فعلاً من الأمور التي ينبغي أن نتذكرها ونسد النقص الكبير فيها، وإنني سوف أقدم شهادتي وما لديّ من وثائق وصور فوتوغرافية ومعلومات أرشيفية، لتكون في متناول الباحثين».

جاءت دعوة سموه النبيلة هذه بشأن توثيق الحركة المسرحية الإماراتية في عام 2002، وكل مادة التوثيق العلمي التاريخي الموثوق موجودة في أرشيف سموه، وإلى جانب هذا الدعم الثقافي والتيسير الأرشيفي والتوثيقي للمسرح الإماراتي، أكد سموه في أيام الشارقة المسرحية (الدورة الرابعة عشرة) سعي إمارة الشارقة إلى توفير الكثير من المنح للمبدعين الراغبين في مواصلة التمثيل، وابتعاثهم للدراسة في فرنسا ومصر وبريطانيا أو إلى دول أخرى.

وفي الدورة الخامسة عشرة من «الأيام» يواصل سموه الدعم المعنوي غير المحدود للمسرح، وهنا نلاحظ أن صاحب السمو، حاكم الشارقة، كان وما يزال يضع المسرح تحت عنايته وملاحظاته ومتابعاته لكل مفصل تطوري يشهده هذا الفن. نلاحظ ذلك من خلال ما قاله سموه: «هذه التظاهرة وصلت إلى مرحلة متقدمة جعلتها قادرة على المشاركة في التراث المسرحي العالمي»، وسوف يؤكد سموه تفاؤله بالمسرح الإماراتي في الدورة الثامنة عشرة من «الأيام» حين قال: «إن الحركة المسرحية المحلية تتقدم، وإن شاء الله سوف تصل إلى مستوى من تجويد فنياتها وتجديد أدواتها، حتى يمكن لها استضافة العروض العربية والأجنبية».

رهان

كل هذا التفاؤل والرهان على المسرح كان في محله، فقد شهدت مسارح العالم الكبرى في أوروبا وآسيا وإفريقيا العديد من المسرحيات الإماراتية، ووقف مسرح سلطان التاريخي على خشبات عريقة في العالم، واستقطب إعجاب الكثير من النخب المسرحية العالمية المثقفة بموضوعية وهدوء وحرفية.. امتداداً للرؤية الثقافية لمشروع الشارقة الثقافي منذ أكثر من نصف قرن من الزمن.

في 27 من مارس 2011 يوجّه سموه، بتكليف الهيئة العربية للمسرح بإقامة مسابقة للعروض المسرحية بين كافة الفرق المسرحية العربية في جميع أقطار الوطن العربي. وقال سموه، يومها، كلمة مؤثرة جاء فيها: «أتذكر أياماً خوالي عندما كنا في أعمار الزهور صغاراً بأجسادنا وأعمارنا، كباراً في نفوسنا، كنا نؤلف المسرحيات وننشئ المسارح، ولم تكن الوسائل متاحة ومتوفرة لنا، كما هو اليوم، كان ذلك في الخمسينات من القرن الماضي».

الإصغاء المسرحي والقلبي لهذه الكلمات يعني أن ما زرعه سموه هو وأقرانه من شباب الخمسينات، إنما هو اليوم ثقافة مسرحية وفكر مسرحي. وعمل مسرحي إماراتي عربي خليجي عالمي، نعاينه في المهرجانات المحلية والخارجية المسرحية؛ أي أن ما زرع قد أثمر.

«المسرح يعيش في قلبي منذ الصغر»، يقول صاحب السمو حاكم الشارقة 16 من أبريل 2011 بمناسبة تكريم الفائزين بجائزة الشارقة للثقافة العربية في باريس، وما يعيش في القلب يولد نظيفاً بالمحبة والرحمة والجمال، وهي القيم النبيلة التي يربّيها المسرح ويهديها لبني البشر.

المسرح أيضاً جزء مهم وحيوي من التكوين الثقافي لسموه منذ الخمسينات وإلى اليوم، ولذلك يدعو سموه دائماً إلى مسرح جديد «يسهم مساهمة فعالة في خلق إنسية جديدة تحل محل الإنسية الحالية التي أصابها الوهن». ويقول سموه أيضاً: «نحن في حاجة إلى مسرح قوي متمرد، يكون بمثابة نداء يعيد النفس بتقديم المثل إلى منبع نزاعاتها».

المسرح مدرسة للأخلاق والحرية، كما يرى سموه، وكما قال للفنانين العرب في الدورة السادسة من مهرجان المسرح العربي في الشارقة 10 من يناير 2014، وهي أيضاً قيمة ثقافية تضاف إلى ثقافة «الأيام». وفي افتتاح مهرجان المسرح الخليجي (دورة مايو 2014) يدلنا سموه على ينابيع تكوينه المسرحي: «أما أنا فقد لجأت إلى دراسة الدراما تحت تأثير التطورات السياسية والاجتماعية قبل أن أكتب مسرحياتي».

هذا الفكر المسرحي الذي يغذي روح أيام الشارقة المسرحية كانت ولا تزال إلى جانبه مبادرات ذات قيمة معنوية ومادية عالية تذهب لمصلحة المسرح. من ذلك مثلاً توجيه سموه في فبراير 2015 بإقامة مسابقة في التأليف المسرحي تحت إشراف دائرة الثقافة في الشارقة تعنى بمسرح الطفل والناشئة.

بذرة

يظل مسرح المدرسة أو المسرح المدرسي هو أصل بذرة صاحب السمو، حاكم الشارقة، وفي افتتاح مؤتمر تطوير المسرح العربي (يونيو 2015) دعا سموه الهيئة العربية للمسرح إلى تخصيص مكافأة مالية للمخرجين المتعاونين في تطوير المسرح المدرسي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mvhmbwvw

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"