قطرة تايوان

00:28 صباحا
قراءة 3 دقائق

كمال بالهادي

لا يبدو أنّ صبر الصين سيتواصل طويلاً أمام تمادي واشنطن في فرض «حصار» عليها، من جهة حدودها الشرقية، حيث اليابان العدو القديم الجديد، وحيث تايوان التي باتت أشبه بشوكة في خاصرة الإمبراطورية العائدة.

«قطرة تايوان» يمكن أن تؤدي هذه المرّة إلى فيضان كأس الصراع بين واشنطن وبكين، وتقوده إلى مستويات لا تحمد عقباها. فالحديث عن صفقة السلاح التي أقرها الكونغرس الأمريكي، وكذلك الرئيس جو بايدن، هو من وجهة النظر الصينية إعلان حرب أمريكية عليها، ورغبة في استنساخ التجربة الأوكرانية في البحر الأصفر. 619 مليون دولار هي قيمة الصفقة التي قالت عنها الولايات المتحدة إنها خطوة لتلافي الخطأ الأوكراني، وفسّر الأمريكيون هذا القرار بأنّ تسليح الجيش التايواني هو استعداد مبكّر لأي حرب محتملة في المنطقة، حيث إن تجهيز تايوان بمقاتلات عسكرية من طراز «إف 16» وأسلحة ذكية ودفاعات جويّة، هو خطوة استباقية، من شأنها تمكين تايوان من وسائل الحماية الذاتية.

مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية قال إن الصفقة «تتماشى مع قانون العلاقات مع تايوان، وسياستها طويلة الأمد بشأن الصين الواحدة». وأوضح المسؤول أن «الولايات المتحدة توفر المواد والخدمات الدفاعية الضرورية لتايوان لتمكينها من الحفاظ على قدرة كافية للدفاع عن النفس». وأشار إلى أن تايوان ستستخدم «أموالها الخاصة لشراء الأسلحة».

الثابت أن صفقة الأسلحة الأخيرة بين أمريكا وتايوان، وزيارة رئيسة مجلس النواب السابقة، نانسي بيلوسي، لجزيرة تايوان، ثم اعتزام رئيسة تايوان زيارة الولايات المتحدة للقاء رئيس مجلس النواب الجديد، كيفن ماكارثي، في كاليفورنيا بدلاً من تايبيه، بعد أن حذرت تايوان من ردّ عسكري صيني محتمل في حال زيارة مسؤول أمريكي رفيع الجزيرة، وأزمة المناطيد الأخيرة التي شكلت تحدياً استراتيجيا للولايات المتحدة، هي مؤشرات على أن التصعيد بين أمريكا والصين يسير في طريق المواجهة «السريعة»، وهذا يتوافق مع استراتيجية الأمن القومي الأمريكي التي وضعت الصين ضمن خانة «التحدي السريع» لوزارة الدفاع الأمريكية. كما تتناسب هذه الخطوات التصعيدية مع تنبيهَين صدرا عن قياديين عسكريين أمريكيين ميدانيين يعملان في البحر الأصفر حيث المواجهة المرتقبة.

التصريح الأول صدر في يناير/ كانون الثاني الماضي، عندما أرسل مايك مينيهان، وهو جنرال في القوات الجوية الأمريكية برتبة أربع نجوم، مذكرة رسمية إلى قيادة النقل الجوي الضخمة التي تضم 500 طائرة و50 ألف جندي، يأمرهم فيها بتكثيف تدريبهم للحرب مع الصين. واختتم حديثه قائلاً: «حدسي يخبرني، سنقاتل في عام 2025». أما التصريح الثاني فقد صدر في مارس/ آذار 2021، عندما حذّر قائد منطقة قيادة المحيطين الهندي والهادئ، الأدميرال فيليب ديفيدسون، الكونغرس من أن الصين تخطط لغزو الجزيرة بحلول عام 2027: «من الواضح أن تايوان أحد طموحاتهم، وأعتقد أن التهديد سيتجلى خلال العقد الجاري، بل في الواقع، خلال السنوات الست المقبلة».

هكذا يبدو الأمر مزحة ثقيلة بالنسبة للمراقبين الدوليين، ولكنه في الواقع محاولة لجرّ لكل شعوب العالم نحو مواجهة «نهاية العالم»، كما يتنبّأ بذلك راسمو السياسات الاستراتيجية الأمريكية. وممّا يزيد من خطورة هذا الوضع هو تصريحات القيادات العليا في البلدين اللذين لا يخفيان حتمية المواجهة والصراع على خلفية القضية التايوانية، فالرئيس بايدن تحدث في مناسبات عدة، عن أنّه سيتدخل عسكريّاً، إذا تدخلت الصين في تايوان، وبالمثل تستعد الصين لحرب محتملة مع الولايات المتحدة، وهي تعيد بناء قدراتها العسكرية وتعمل على ابتكار تقنيات متطورة جداً لا تملكها الولايات المتحدة، من بينها طائرات الجيل الخامس. فضلاً عن زيادة ميزانيتها العسكرية بمستويات غير مسبوقة، ما يجعل احتمالية المواجهة قائمة من الواجهتين.

غير أنّ البلدين لا يرغبان في مواجهة طويلة الأمد، بل إنّ الأمر سيقتصر على معركة حاسمة لتحديد مصير الجزيرة المنفصلة منذ عام 1949 عن الصين «الأم». وتدرك أمريكا أن مواجهة الصين ليست فسحة أو مزحة، ولهذا فإنّها تدرك مسقبلاً أنّ أي مواجهة ستحسم لا مصير الجزيرة فقط، بل مستقبل العالم بأسره.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ysnfp9vy

عن الكاتب

كاتب صحفي وباحث في قسم الحضارة بجامعة تونس

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"