عادي
- قرأت لك

الإمارات ولع الرحالة

19:21 مساء
قراءة 4 دقائق
د. عبدالله سليمان المغني - غلاف
  • - الناشر: معهد الشارقة للتراث 2022

الشارقة: يوسف أبولوز
البحث، أي بحث تراثياً أكان أم أكان آثارياً أو تاريخياً، أو جيولوجياً أو اجتماعياً، وغير ذلك من بحوث هو أمانة ومسؤولية وبعد ذلك هو فن.. تستطيع القول إنه فن ميداني إلى جانب المصادر والمراجع وكما يقولون أمهات الكتب، والباحث د. عبدالله سليمان المغني أعطى المكتبة التراثية الإماراتية خلاصة عمل أمين أولاً، وفيه مسؤولية ثقافية ووطنية أيضاً، ويعكس روح رجل يحب بلاده وتاريخها وإرثها المدوّن وغير المدوّن، وسوف يعتمد في منهجيته البحثية على 34 مصدراً باللغة العربية، وثمانية مصادر بالإنجليزية، و47 كتاباً ذات صلة مباشرة بكتابه التوثيقي التاريخي «ملامح من تاريخ الإمارات من خلال كتابات الرحّالة والسياسيين الغربيين»، إصدارات: معهد الشارقة للتراث 2022. اقرأ مادة موسّعة تتصل برؤية ومشاهدات العديد من المؤرخين والرحّالة الذين جاءوا إلى المنطقة أو مرّوا بها، وهو جهد بحثي علمي يتبنّى الدقة المعلوماتية، ويفرد أمامنا من ناحية أخرى مادة غزيرة تصلح لعمل الباحثين والأدباء والفنانين والأنثروبولوجيين والآثاريين، وهم أصحاب حقول ثقافية في النهاية يؤدي بعضها إلى بعض، وسوف أتناول زاوية واحدة في هذا الكتاب الغزير المهم وهي أهم الرحّالة الذين زاروا الإمارات، ولكن قبل ذلك تجدر الإشارة إلى الملاحظة المهمة جداً التي ذكرها الباحث في مقدمة كتابه، فهو يخبرنا عن طبيعة الأهداف التي دفعت هؤلاء الرحالة إلى المنطقة بقوله.. «استقطبت منطقة الخليج والإمارات العديد من الرحالة الغربيين خلال القرون الخمسة الأخيرة الذين وفدوا إليها، تدفعهم أهداف متنوّعة وغايات مختلفة، فالبعض أتى مدفوعاً بحب الاستكشاف والمغامرة، والبعض قدم لتحقيق أغراض وغايات دينية وسياسية، ومنهم من كان مبعوثاً من قِبَل هيئات ومؤسسات استخباراتية أو تنصيرية، ومنهم من قَدِمَ للبحث والاستكشاف العلمي».

* أدوات ودوافع

إذاً، نحن في قلب حقل متعدد الدوافع والغايات، ويغري فعلاً بالبحث والتقصي الثقافي والميداني، وهذه ليست المرة الأولى التي يخوض فيها باحث عربي في ظاهرة الرحّالة والاستكشافيين والخرائطيين بل وحتى الرسّامين والكتاب الذين قدموا إلى المنطقة.. هناك دراسات وبحوث ومؤلفات بالعشرات وربما بالمئات في الإطار البحثي ذاته، لكن لكل باحث أدواته ودوافعه أيضاً للسفر في هذه الظاهرة التي لا تقتصر على منطقة الخليج العربي وشبه الجزيرة العربية فقط، بل العديد من ذوي «الأشواق» الاستكشافية وصلوا إلى أقاصي آسيا حتى الصين من أوروبا، وسلك البعض منهم طرقاً حوّلت اقتصاديات وسياسات العالم مثل طريق الحرير.

يذكر د. عبدالله المغنّي 44 شخصية بين رجال ونساء زاروا منطقة الإمارات منذ القرن السادس عشر للميلاد وحتى بداية النصف الثاني من القرن العشرين، وأشير هنا على أن هؤلاء الرحّالة كانوا من البرتغال، وإيطاليا، الدنمارك، إنجلترا، ألمانيا، أمريكا، يشار أيضاً إلى أن الغالبية العظمى من هذه الشخصيات إنجليز وأمريكان وطليان، منهم الضابط، والصحفي، والسياسي، ورجل الدين، والمبشّر، والطبيب.

من أقدم من جاء إلى الإمارات البرتغالي ألفونسو دي البوكيرك نائب الملك لجزر الهند الشرقية في العام 1453، والرحّالة الإيطالي لودفيكو دي فارثيما الذي كان يعمل لحساب ملك البرتغال، أما الأكثر فضولاً للقراءة في رأيي هو ما ذكره د. المغني عن جواهرجي إيطالي كان مولعاً بالأسفار للبحث عن الأحجار الكريمة هو الجواهرجي الإيطالي جاسبارو بالبو، وفي العام 1604 وصل المؤرخ البرتغالي بيدرو تيكسيرا إلى منطقة الخليج العربي.

ما يلفت النظر في هذه الشخصيات أيضاً أن البعض منهم كان فلكياً ورسّام خرائط مثل الدنماركي كارستن نيبور، أما البريطاني جيمس سلك بكنغهام فيقول د. المغني إنه عاش حياة تجوال قبل أن يستقر في الهند حيث أصبح صحفياً.

ممن وصلوا إلى المنطقة أيضاً العقيد صموئيل هينيل وجيمس ولستد أحد ضباط الأسطول البريطاني، أما فرانسيس هنري وايتلوك، فيذكر د. المغني أنه كتب مذكرات رحلاته في الساحل العربي للخليج بعنوان «رواية عن العرب الذين يعيشون على الساحل بين رأس الخيمة وأبوظبي في الخليج 1836-1838».

زار المنطقة أيضاً مُنَظّرون سياسيون وعسكريون في القرن التاسع عشر من بينهم لويس بيلي «أحد الذين جمعوا بين فنون الحرب وكواليس السياسة».

* قائمة طويلة

روبرت تايلور سياسي أيضاً «اعتمد في جمع معلوماته على السماع من الآخرين وعلى الوثائق التي كانت متاحة له»، أما جون مايكل جي فقد قام بإجراء مسح بحري لساحل الخليج – العربي في العام 1812، وجون ماكلويد صاحب التقرير الشهير الذي رفعه للحكومة البريطانية، ويقول د. المغني إن جورج بارنز بروكس هو أول إنجليزي يقوم بعملية مسح لسواحل الخليج العربي في عشرينات القرن التاسع عشر، أما الإنجليزي صموئيل مايلز فقد «.. دفعه فضوله الفطري إلى التعرف إلى أحوال المنطقة الداخلية. والحرص على جمع معلومات دقيقة عن تلك المناطق وأهلها..» أما الجندي والدبلوماسي إتكينز هامرتون فيقول عنه د. المغني إنه معروف بدوره في المحاولة البريطانية الفاشلة لإنهاء تجارة الرقيق العربية بين زنجبار والخليج.

لاحظت أيضاً من هذه السردية المعلوماتية لرحالة المنطقة أن الكثير منهم محاربون قدامى وضباط في الجيش البريطاني، فقد شارك الضابط أرنولد كمبال في الحروب الأفغانية الأولى.

الرحالة وليم.ج. بلجريف، كما يقول د. المغني كان أول الرحالة المنصرين الذين وصلوا إلى الجزيرة العربية للتبشير بالمسيحية «.. بتمويل من الإمبراطور الفرنسي نابليون الثالث..».

كان المستكشف الألماني هيرمان بوركهارت مصوراً بارعاً، «.. أهديت الصور التي تركها إلى معهد اللغات الشرقية في برلين..».

القائمة طويلة، وقراءتها قراءة استنتاجية تشير إلى أن هؤلاء الضباط والجنود والسياسيين لم يكن هدفهم تجارياً اقتصادياً أو ثقافياً على نحو مباشر، كما لم يكن الهدف من استكشافاتهم الناحية الجمالية للمكان ببيئاتها الثلاث: البحر، والصحراء، والجبل، بل في الغالب كانت البوصلة تشير دائماً على ما هو سياسي أو تبشيري ديني، لكن إلى أيّ مدى كان هذا «الجيش» من الرحالة يعمل لمصلحة المكان وأهله وقاطنيه من دون نوازع مصلحية، فهذا وحده يحتاج إلى بحث آخر.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2s4u6n4p

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"