حرب أوكرانيا.. وقضية فلسطين

00:44 صباحا
قراءة 3 دقائق

عاطف الغمري

هذا الرجل، المفكر السياسي البارز جون ميرشيمر أصبح في هذه الأيام محل اهتمام واسع النطاق في منتديات المناقشات السياسية، وأيضاً في كبريات الصحف الأمريكية، اهتمام بآرائه التحليلية لأزمة أوكرانيا، والتي تختلف كلية عن المفهوم السائد للسياسة الأمريكية. ولم تتغير مواقفه في تحليل السياسة الخارجية منذ إثارته للجدل حول كتابه «اللوبي الإسرائيلي وسياسة أمريكا الخارجية»، بالمشاركة مع البروفسور ستيفن والت بجامعة هارفارد، وموقفه من الحالتين جعل الكثيرين يرون أنه شخَّصَ حالة حرب أوكرانيا، وقضية فلسطين، بنفس المعايير التحليلية والحيادية.

وميرشيمر ينتمي لما يسمى في الولايات المتحدة بالمدرسة الواقعية في السياسة الخارجية، التي تؤمن بأولوية الدبلوماسية وليس الحرب في حل النزاعات، وهي تختلف في ذلك مع ما تسمى بالمدرسة المثالية التي ترى الأولوية لاستخدام القوة قبل الدبلوماسية، وتؤمن بفرض السيادة الأمريكية على العالم ولو باستخدام القوة.

ومن أقطاب المدرسة الواقعية الرئيس جورج بوش الأب، وبيل كلينتون، وهنري كيسنجر، وغيرهم كثيرون.

والآن يرى كثير من الباحثين أن ميرشيمر هو أول من تنبأ بوقوع حرب أوكرانيا في مقال له بمجلة «فورين أفيرز»، ومع تتابع تحليلاته عن السياسات التي كانت تدفع بوتين دفعاً نحو ما جرى في أوكرانيا، أصبحت كثير من الصحف الكبرى، ومنها «نيويورك تايمز»، و«واشنطن بوست»، و«نيويوركر» وغيرها، تفسح له مساحات لمقالاته، والتي صارت تلقى إعجاب واقتناع كثيرين، سواء على مستوى المفكرين السياسيين، أو الرأي العام.

وضمن الاهتمام بمناقشة آرائه، فقد دعاه في 16 يونيو/حزيران 2022، مركز الدراسات التاريخية، وبحضور مئتي شخص، ليعيد أمامهم طرح رؤيته لما يجرى. فقال إن أمريكا هي المسؤولة بدرجة رئيسية عن التسبب في أزمة أوكرانيا، حتى ولو كان بوتين مسؤولاً بعد ذلك عن بدء الحرب، وتصرفات قواته في ميدان المعارك.

وقال أيضاً: في تقديري إن السياسة الأمريكية جعلت بوتين والقادة الروس يجدونها نوعاً من التهديد الوجودي لبلادهم. وإنني أقول هذا تحديداً عن استحواذ فكرة إدخال أوكرانيا في الناتو، على التفكير الأمريكي، وجعل أوكرانيا نوعاً من «الحصن» للغرب على حدود روسيا.

وبصفة عامة تستند آراء ميرشيمر الواقعية على أن العالم يرغب في العيش في سلام، بحيث لا يسعى طرف لتهديد الطرف الآخر، على حين أن الرغبة لدى أية قوة للهيمنة على النظام الدولي، لابد أن تخلق دوافع قوية لدى قوة دولية أخرى لمنافستها فيما تسعى إليه.

إن الاهتمام واسع النطاق بآراء جون ميرشيمر بين النخبة والرأي العام على السواء، بشأن الحرب في أوكرانيا والمخالف لتوجهات السياسة الأمريكية، قد أعاد إلى الأذهان ما سبق أن أثاره من جدل كتابه «اللوبي الإسرائيلي وسياسة أمريكا الخارجية». وكان من النقاط شديدة الأهمية ما أورده في الكتاب من القول بأن كثيراً من السياسات التي اتخذت لصالح إسرائيل هي التي تقوّض مصالح الأمن القومي الأمريكي.

وهو نفس ما ذكره الناشرون، ومنهم دار النشر الكبرى «ماكميلان»، من أن الكتاب يتحدث عن تأثير اللوبي الإسرائيلي على مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة.

وتلك نقطة سبق أن استند إليها الرئيس جورج بوش الأب في معاقبة إسرائيل بمنع تسليمها قرضاً قيمته عشرة مليارات من الدولارات، رداً على تملصها من تعهدها له بالتوقف عن التوسع في المستوطنات في الضفة الغربية، ويومها ذهب وزير خارجيته جيمس بيكر إلى الكونغرس ليعلن أمام أعضائه، أن موقف حكومته يتفق مع مصالح الأمن القومي الأمريكي.

وإلى جانب هذه النقطة فإن ميرشيمر أشار في كتابه إلى أن القوة السياسية التي يتمتع بها اللوبي الإسرائيلي لا ترجع أهميتها فقط إلى تأثيرها على المرشحين في الانتخابات سواء الرئاسية، أو انتخابات الكونغرس، بل أيضاً لنفوذ القوة السياسية للوبي على سياسة أمريكا الخارجية، خاصة في الشرق الأوسط.

لم يكن ميرشيمر هو الخبير السياسي الوحيد في أمريكا الذي طرح تلك الرؤية المثيرة للجدل والاهتمام. فهناك الكثيرون غيره الذين كتبوا وتحدثوا عن سياسة توسع الناتو، والتضييق على روسيا لتظل في وضع الدولة العادية، وليست تلك القوة الكبرى تاريخياً، وأن ذلك سيكون من الأسباب التي ستدفع روسيا إلى عمل عسكري، ومنهم من حدد أوكرانيا بالاسم مكاناً للحرب المتوقعة. لكن كون ميرشيمر قد صار يشغل هذه الدائرة الواسعة من الاهتمام، راجع إلى تحقيق توقعاته ولو بعد حين، وبأعلى درجات الدقة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2s4kme6d

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"