عادي
في ثاني «أيام الشارقة المسرحية»

«قائمة الخديج»..فكرة مبتكرة تلامس أحلامنا في الحياة

18:43 مساء
قراءة 5 دقائق
مشهد من عرض «قائمة الخديج»
مشهد من عرض سلام يا سلامة
الشارقة: علاء الدين محمود
ضمن فعاليات الدورة 32 لمهرجان أيام الشارقة المسرحية، احتضن كل من معهد الشارقة للفنون المسرحية، وقصر الثقافة، عرضي «سلام يا سلامة»، لفرقة دبي الأهلي، تأليف: ناجي الحاي، إخراج: عمر غباش، و«قائمة الخديج»، لجمعية كلباء للفنون والمسرح، تأليف: علي جمال، سينوغرافيا وإخراج: عبد الرحمن الملا.
العرض الأول، «سلام يا سلامة»، جاء في محتوى درامي اجتماعي، يحكي عن زوجين انفصلا، دون طلاق، لما يقارب الـ15 عاماً، وذلك بعد أن قام الزوج الطماع «إبراهيم»، بهجر زوجته «سلامة»، من أجل أن يقوم بالارتباط بامرأة ثرية من أجل مالها، لكن الحياة التي عاشها في كنف الزوجة الجديدة كانت مملوءة بالمآسي، حيث دخل ابنه المستشفى إثر غيبوبة بفعل المخدرات.
وأمام هذا الواقع تذكر إبراهيم زوجته الأولى، تلك المرأة التي ارتبط بها منذ الطفولة حيث نشأ معها في ذات الحي، فقرر العودة إليها وهو على كرسي متحرك، بسبب الهموم والأمراض التي أصابته، والتقيا في حديقة عامة لتبدأ حوارية طويلة بين الاثنين فيها كثير من اللوم والعتاب والمحاسبة، وعلى الرغم من أن المصالحة بين الزوجين قد تمت في نهاية المطاف، إلا أن إبراهيم لم يترك أطماعه وولعه بالمال والنساء، فما أن سمع بأن هناك فتاة أخرى بذات مواصفات زوجته الثانية، قرر أن يتعرف إليها، لينتهي العرض بهذا المشهد الذي يعمق من هذه الشخصية التي لا أمل في صلاحها.
العرض كذلك تناول بصورة نقدية الكثير من العادات والتقاليد والأعراف المجتمعية المتعلقة بالزواج والارتباط والانفصال، وتأثير العوامل الخارجية على ترابط الأسرة الواحدة، حيث إن المجتمع المحيط بحكم سلطته المستمدة من التقاليد، غالباً ما يكون له حضور في حياة أية أسرة، كما أن العرض يتناول كذلك العلاقات الإنسانية ومدى صمودها في وجه المغريات المادية، فبطل القصة تناسى زوجته الأولى تماماً وعاش حياة التجارة والأعمال، فيما تمثل زوجته الأولى قيم الوفاء والمحافظة على العادات الاجتماعية، فهي لم تطلب الطلاق رغم مرور سنوات طويلة على انفصالها عن إبراهيم.
*تجارب
النص جاء مميزاً، خاصة أن كاتبه هو واحد من الأعمدة الكبيرة للمسرح الإماراتي وهو ناجي الحاي، وهو كذلك مخرج كبير له العديد من التجارب، وبتلك الخلفية يبدو واضحاً أن النص كتب بصورة أساسية للخشبة، وهو الأمر الذي ربما سهل كثيراً من مهمة المخرج الذي استطاع أن يقدم هو الآخر قراءته الخاصة في تصديه للعمل.
العمل أراد عبره المخرج الاقتراب من الجمهور للتعبير عن شواغله، فالعديد من الأعمال المسرحية باتت تأخذ صيغة نخبوية، مبتعدة عن القضايا الاجتماعية، وذلك ما أكدت عليه مقولة المخرج في مطوية العرض، إذ جاء فيها: «إذا لم يكن المسرح يلامس قضايا الإنسان والمجتمع ويرتقي بالذوق العام، فما هي الجدوى من وجوده؟».
ولعل تلك المقولة للمخرج، تفسر كيف أن العرض قد جاء بسيطاً في مقارباته وحلوله الإخراجية، حيث لم يعتمد عمر غباش على البهرجة، أو توظيف الرموز والإشارات بكثرة، بل قدم مقترحاً إخراجياً يتناسب مع طبيعة النص ورسالته، وظهر ذلك من خلال الديكور الفقير، حيث كان الفضاء عبارة عن حديقة أو مكان عام، وفي الخلفية شجرة تظهر مرة بصورة مخضرة مثمرة، وأخرى جرداء عروقها يابسة، وكأنها تشير إلى تقلبات الزمان والمشاعر، كما عمل المخرج على توظيف الإضاءة عن طريق الإنارة الكاملة في العديد من المشاهد لإظهار الوجوه والانفعالات، خاصة أن العمل ينهض على ذلك الحوار بين الشخصيتين الزوج والزوجة، لتأتي تلك الحوارات وهي محتشدة بالرسائل والمعاني الاجتماعية، غير أن العمل، على الرغم من ذلك جاء حافلاً بالجماليات والمتعة والبصرية، حيث كانت هناك الكثير من التحولات والنقلات المشهدية المؤثرة.
وربما كان سر نجاح العرض في الأداء التمثيلي المميز من قبل الممثلين سالم التميمي، وعذاري، حيث قدما فرجة جيدة وأداء اتسم بالانضباط والبراعة وتجاوب الحضور كثيراً مع العرض، خاصة أن المخرج عمل على تمرير الحمولة الثقيلة عبر كوميديا بسيطة في شكل «افيهات»، وجدت مردوداً طيبا لدى الحضور.
العمل وجد إشادة كبيرة من قبل المشاركين في الندوة التطبيقية التي تلت العرض، خاصة في ما يتعلق بالنص الذي يروي قصة اجتماعية، والمقاربات الإخراجية التي قدمها عمر غباش والتمثيل الراقي المنضبط.
* معالجة جديدة
العرض الثاني، «قائمة الخديج»، أعلن تجربة جديدة ومبتكرة في الاتجاه نحو عالم
اللا معقول، ويقترب من فضاءات العبث، بنص مختلف، ومعالجة إخراجية مبتكرة وذكية.
ويتحدث العمل عن دورة حياة الإنسان منذ وجوده كخديج في بطن أمه إلى أن يخرج إلى الدنيا يكبر، فهو في تلك المرحلة الباكرة أثناء حمل والدته به يضع الكثير من القوائم التي هي أهدف يسعى إلى تحقيقها عندما يعانق الحياة، غير أن البشر لا يستطيعون تحقيق كل آمالهم وأحلامهم وطموحاتهم، إذ إن كثيراً من العوائق تنتظره، ليكتشف ذلك الإنسان أن كل أمر في هذه الحياة متروك للقدر، فالعمل يتناول مسألة الإرادة وإلى أي مدى يمكن للمرء أن يفعل ما يريد، ولعل ذلك الجانب يحمل الكثير من الرموز والدلالات وكذلك الإسقاطات عبر عرض بطابع كوميدي كاريكاتوري ساخر.
وتكمن غرائبية النص، في كونه تناول عالماً محاطاً بالأسرار والغموض، وهو الحياة داخل الأرحام، وربما ذلك ما خلق التحدي عند المخرج وحرك فيه روح الإبداع، حيث قدم العديد من المقاربات والحلول المميزة، خاصة مشهد البداية حيث تنفتح الستارة على مشهد جنين في رحم أمه يسبح في المشيمة، ويفكر بصوت عال وهو ممسك بالحبل السري، ليلعن عن رغبته القوية في الخروج إلى الحياة واضعا قائمة تتكون من 7 أهداف لن يقبل بغير تحقيقها كلها، ليكون ذلك انتصاره في الدنيا، ليقوم ذلك الخديج بركلات متكررة على بطن أمه معلناً عن تلك الرغبة الملحة في الخروج حتى قبل أوان ولادته بأسابيع، وهو الأمر الذي يحدث بالفعل، إذ يسرع الأب بزوجته إلى المستشفى من أجل إجراء عملية الولادة.
اشتغل عرض «قائمة الخديج» على الكثير من التفاصيل والعناصر المسرحية من أجل صناعة فرجة تليق بالفكرة العجيبة، خاصة الإضاءة وعناصر السينوغرافيا في خلق حالة الإيهام التي تعمق من غرائبية العمل، وكذلك جاء توظيف الأزياء بطريقة ساخرة، وكذلك الديكور والحوارات بين الممثلين، ولعل الأداء الحركي في هذا العرض كان هو البطل الحقيقي للعمل، حيث تميز بالخفة والجمال، كما اعتمد المخرج على صناعة صور مشهدية متصلة ببعضها، ولعل من أجمل المشاهد بعد لحظة البداية، هو ذلك الختام الرائع الذي تمثل في حوارية عميقة بين الخديج الذي صار رجلاً كهلاً وسريره، فهو الذي استقبله في بداية ميلاده، وهو الآن يودعه في لحظة الممات ومفارقة الدنيا.
العمل وجد إجماعاً كبيراً على جودته عبر مداخلات النقاد في الندوة التطبيقية التي تلت العرض، والذين عبروا عن إعجابهم الشديد بفكرة النص الغريبة والمعالجات الإخراجية البارعة، والأداء التمثيلي الرفيع.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yckse7c7

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"