عادي

بنك «وادي السيليكون».. أغفل أهمية التنويع فباء بالفشل

15:13 مساء
قراءة 5 دقائق
إعداد: خنساء الزبير

يتساءل الكثيرون عن أسباب فشل بنك «وادي السيليكون»؛ ذلك الفشل الذي جاء مفاجئاً للمودعين وكثير من المستثمرين وأثار الهلع في بنوك أخرى. ويرى الخبراء أن «أحد الأسباب الواضحة هو حقيقة أن البنك خالف إحدى القواعد الأساسية للتمويل وهي: التنويع دائماً». فقد أصبح بنك «وادي السيليكون»، والذي استحوذت عليه «شركة تأمين الودائع الفيدرالية»، الجمعة الماضي، البنك السادس عشر في البلاد من خلال تحوله إلى المؤسسة المالية المفضلة لأصحاب رؤوس الأموال في «وادي السيليكون» والشركات التي يمولونها.

وبهذا أصبح معتمداً بشكل استثنائي على وضع مجال التكنولوجيا، وعلى خيارات عدد صغير نسبياً من أصحاب رأس المال المغامر ومؤسسي الشركات. وهذا الاعتماد هو ما جعله ناجحاً للغاية، ولكنه أسهم أيضاً في تدميره. فعندما كان البنك في أوجه، كان لديه أكثر من 200 مليار دولار من الأصول، لكن كان لديه عدد قليل من العملاء الأفراد وأقل من 38000 حساب شركة. وظلت قاعدة عملائه إلى حد كبير غير متنوعة، حيث جاءت معظم ودائعه من صناديق رأس المال المغامر وشركات التكنولوجيا وعلوم الحياة، وهي أيضاً ذات الشركات التي ذهبت إليها معظم قروض البنك.

نعم، كان هذا اختياراً واعياً من قبل البنك خاصة، وأنه كان يطلب من هذه الشركات التعامل معه حصرياً كشرط للحصول على التمويل. وكان أمراً جيداً خلال سنوات ازدهار التكنولوجيا في الفترة بين عامي 2020 و2021 عندما تضاعف إجمالي ودائعه أكثر من ثلاثة أضعاف في غضون عامين.

ولكن عندما تحول الازدهار إلى انهيار في نهاية عام 2022، بدأ عملاء البنك في سحب الأموال بدلاً من إيداعها، وكثير منهم من الشركات الناشئة التي لم تكن تكسب المال، ولكنها تنفقه وتحرق الأموال من أجل البقاء واقفة على قدميها.

  • شراء سندات خزانة طويلة الأجل

ولم تكن هذه هي المشكلة، بل عندما قام البنك بأخذ الكثير من هذه الودائع في عامي 2020 و2021 واشترى سندات الخزانة طويلة الأجل والأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري التي تحمل معدلات فائدة منخفضة للغاية. وهذا القرار لم يكن متهوراً بدرجة كبيرة، حيث لم يكن أي من الأصول التي اشتراها معرضاً لخطر التخلف عن السداد لكنها عرّضته للكثير من المخاطر عندما ارتفعت أسعار الفائدة لأن الفائدة عندما ترتفع تنخفض أسعار السندات.

وهذا بالضبط ما حدث في عام 2022. وكانت النتيجة أن بحلول نهاية عام 2022 كان الوضع المالي للبنك 16 مليار دولار من «الخسائر غير المحققة» في محفظته المغامرة، ما يعني أن أصوله على أساس سعر السوق بالكاد تغطي التزاماته. ومع ذلك، كان لديه سيولة كافية لتغطية المعدل الطبيعي للسحب، وأعلن الأسبوع الماضي عن خطة لتعزيز مركزه النقدي وبيع بعض محفظته من السندات وزيادة رأس المال عن طريق بيع الأسهم. وأدى ذلك إلى ذعر المستثمرين.

وإذا كان لدى البنك قاعدة عملاء تقليدية ومتنوعة بشكل أكبر فربما كان أكثر مقدرة على الصمود في وجه العاصفة ولكن اعتماده على «وادي السيليكون»، وعلى وجه الخصوص على مجتمع رأس المال المغامر، أظهر الجانب السلبي لهذا الاعتماد. فعلى عكس العملاء الاعتياديين للبنوك، ينتمي معظم عملاء بنك «وادي السيليكون» إلى مجتمع متماسك نسبياً ومهووس باستخدام التواصل الاجتماعي ويتواصل مع بعضه البعض سواء عبر الإنترنت أو في العالم الحقيقي. ويغردون ويعيدون التغريد لبعضهم، ويمارسون تأثيراً كبيراً في الشركات التي يمولونها.

ويتضح من التاريخ الطويل لدورات الازدهار والكساد في التكنولوجيا أن «هذا القطاع عرضة لأن يشهد تدافعاً نحو أسهمه في ذات الوقت ثم الفرار منها عندما تتغير التوقعات». وكان هذا هو الوضع الطبيعي، عندما بدأ المستثمرون في القلق بشأن الحالة المالية لبنك «وادي السيليكون». ويبدو أن المسؤولين التنفيذيين في البنك كانوا يأملون «بسذاجة» في أن العلاقات التي أقامها البنك مع شركات رأس المال المغامر ومجتمع الشركات الناشئة على مر السنين ستخرج بهم من هذا المأزق. ويوم الخميس (وفقاً لما ذكرته ذا انفورميشن)، أخبر الرئيس التنفيذي للبنك، جريج بيكر، مجموعة من كبار شركات رأس المال المغامر أن البنك سيكون على ما يرام ما لم يصب الجميع بالذعر، وقال: «سأطلب من الجميع دعمنا تماماً كما دعمناك». ولكن هذا كان طلباً غير مجد.

  • سحب الأموال من البنك

ويبدو أن اسم هذه الشركات «رأس المال المغامر» اسم على مسمى؛ ففي نفس اليوم نصح «صندوق بيتر ثيل فاوندر فند» الشركات الداخلة في محفظته بسحب الأموال من البنك، وحذت حذوه مجموعة من الصناديق المغامرة الأخرى. ولم يتوقف الأمر عند هذه الشركات لأن بحسب سلسلة تغريدات للرئيس التنفيذي لموقع شهير للتوظيف عبر الإنترنت فقد كان أكثر من 200 من مؤسسي التكنولوجيا في دردشة جماعية صباح الخميس، تحدثوا عن مشكلات البنك.

وبمجرد أن بدأت بضع شركات بمحاولة القفز من مركب البنك الغارق سرت العدوى، وأصبح الجميع يحاول الفرار وهو ما جعل البنك ينهار. وبهذا وقع بنك «وادي السيليكون» ضحية وسائل التواصل الاجتماعي، وهو من كان يموّل الشركات التي طورتها، وذلك مصير مؤسف لمفارقة غريبة.

وقد تسارعت وتيرة انهيار البنك من خلال ابتكار رقمي آخر وهو «الخدمات المصرفية عبر الإنترنت». ففي الأيام الخوالي، كان سحب الأموال من البنك وتحويلها إلى بنك آخر عملية تستغرق وقتاً طويلاً، ما يعني أن البنوك كان لديها وقت كاف لمنع وقوع أي كارثة.

ولكن في السنوات الأخيرة، أصبح من الممكن القيام بكل ذلك ببضع نقرات على الهاتف. وقد حاول المودعون والمستثمرون، الخميس، سحب 42 مليار دولار (ما يقرب من ربع إجمالي ودائع البنك)، وفي اليوم التالي أغلقته السلطات التنظيمية.

  • آثار في البنوك الأخرى

ولا ينبغي بالضرورة أن يكون لانهيار بنك «وادي السيليكون» أي آثار حقيقية في البنوك الأخرى، نظراً لأن مشكلته ذات طابع خاص تكمن في قاعدة عملاء غير متنوعة، وأن نسبة كبيرة من ودائعه غير مؤمنة، واعتماد كبير على العملاء من ذوي رأس المال المغامر الذين من المرجح أن يغيروا البنوك. وعلى الرغم من أن زوال بنك «وادي السيليكون» بدا إلى حد كبير نتيجة لقراراته السيئة والخروج السريع لعملائه، توصل المنظمون الفيدراليون إلى خطة في نهاية هذا الأسبوع لمنع تدافع مماثل في البنوك الأخرى، وقد أنشأ بنك الاحتياطي الفيدرالي تسهيلات إقراض تسمح للبنوك ذات الخسائر غير المحققة باقتراض الأموال لمواجهة أي عمليات سحب.

وربما يكون هذا كافياً لوضع حد للهلع على الرغم من أن عمليات البيع المكثفة في أسهم البنوك الإقليمية صباح الاثنين، تشير إلى أنها لم تنته بعد.

  • درس من زوال البنك

ولكن إذا كان هناك درس من انهيار بنك «وادي السيليكون» فهو أن البنوك متوسطة الحجم يجب أن تخضع لنفس قواعد رأس المال كغيرها من البنوك الكبيرة، وأنه يجب على المنظمين المصرفيين الانتباه إلى مدى انكشاف البنوك على مجال واحد. فقد انهار بنك «وادي السيليكون» بسبب ذات المجال الذي جعله غنياً، إلى جانب استراتيجية استثمار غير حكيمة، وهذا ينطبق أيضاً على بنكين آخرين انهارا الأسبوع الماضي أيضاً، هما «سيجنتشر» و«سيلفر غيت»، وكلاهما كان يعتمد بشكل كبير على مجال العملات المشفرة، وواجه مشاكل عندما سحبت شركات هذه العملات المليارات من النقد بعد انهيار صرافة «اف تي اكس». وهنا تتضح صحة المثل القائل «لا تضع البيض كله في سلة واحدة».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2e93kxp3

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"