شهد د.عبدالعزيز المسلم، رئيس معهد الشارقة للتراث رئيس اللجنة العليا المنظمة لأيام الشارقة التراثية، الثلاثاء، محاضرة نظمها مركز التراث العربي في معهد الشارقة للتراث، حول آفاق وتحديات تسجيل عناصر التراث الثقافي العربي على قوائم «اليونيسكو»، واستضاف فيها د.نهلة عبدالله إمام، مستشار وزيرة الثقافة المصرية للتراث الثقافي غير المادي، وأستاذ العادات والمعتقدات والمعارف الشعبية المتفرغ في المعهد العالي للفنون الشعبية بأكاديمية الفنون بمصر، وممثل مصر في اتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي في منظمة «اليونيسكو»، وعضو لجنة التقييم الدولية في المنظمة عن مجموعة الدول العربية.
وفي مستهل المحاضرة التي أدارتها عائشة الحصان الشامسي، مدير مركز التراث العربي في المعهد، وحضرها جمع من كبار المسؤولين والمهتمين بشؤون التراث الثقافي العالمي وموظفي المعهد، وجهت د.نهلة إمام تهنئتها الخالصة إلى رئيس وأسرة معهد الشارقة للتراث بمناسبة حصول د.عبدالعزيز المسلم على جائزة رجل التراث العربي لعام 2023، واعتبرت ذلك تقديراً مستحقاً لجهوده، ودور المعهد في المحافظة على التراث الإماراتي ودعم التراث العربي والعالمي وصون الهوية والموروث الثقافي وربط المجتمع بعاداته وتقاليده الأصيلة من خلال العديد من المبادرات والإنجازات النوعية التي تحققت على أرض الواقع، ومن أبرزها أيام الشارقة التراثية التي تواصل مسيرتها المميزة بنجاح وإبداع في دورتها العشرين، منذ أن رأت النور لأول مرة عام 2003 وبالتزامن مع عام اعتماد «اليونيسكو» لاتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي، ما يؤكد أن الشارقة ستبقى علامة فارقة، ونموذجاً فريداً في هذا المشروع الحضاري العالمي الذين يُعنى بالتراث وحمايته وصونه.
وأشادت إمام بمستوى الدعم والاهتمام الحكومي والمجتمعي الذي حظيت به الملفات العربية المقدمة للتسجيل على قوائم اليونسكو، بما فيها الملفات المشتركة ما بين الدول العربية، أو الملفات المستقلة من خلال حشد الأصوات الداعمة لها من باقي الدول.
وأشارت إلى إشكاليات عدة في تسجيل العناصر الثقافية، ومنها حالة تسجيل عنصرين ثقافيين مختلفين يحملان الاسم نفسه، أو تسجيل العنصر نفسه لدولتين وباسمين مختلفين، موضحة أن التجربة والممارسة تساعدان بمرور الوقت، على معالجة مثل هذه الإشكاليات والاتفاق بشأنها، مضيفة أن أهم المعايير التي تدعم فرص دخول العنصر الثقافي للتسجيل تتمثل في خصائص الانتشار والتوارث والانتقال الشفاهي، مع الأخذ في الاعتبار ضرورة عدم ربط قيمة العنصر الثقافي في هذه الملفات بالأهداف السياحية للدول، لكون «اليونيسكو» تعتبر السياحة وتسليع الموروث الثقافي عوامل مهددة لبقاء واستدامة هذه العناصر.
وذكرت أن لجنة التقييم الدولية «باليونيسكو» عن مجموعة الدول العربية نجحت في تطوير استمارة جديدة لتسجيل العناصر الثقافية في المنظمة من خلال تحديث المعيار الثاني الذي يخص التنمية المستدامة المرتبطة بجوانب المحافظة على البيئة وحفظ حقوق الإنسان وتحقيق التوازن والمساواة بين الجنسين، منوهة بأن المنظمة بدأت بتقدير وإدراك الجوانب الروحية التي يحملها الوعي الجمعي لدى الشعوب، والخروج من إطار الماديات وقيود الحقائق العلمية في التعامل مع هذه الجوانب، وقد لاحظ الجميع عودة المجتمع وأفراده إلى تراثهم وعاداتهم في محاولة منهم لمعالجة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والصحية التي شهدها، وما زال يشهدها العالم.
واستعرضت على سبيل المثال، تجربة إعداد ملف الاحتفالات الشعبية المرتبطة برحلة العائلة المقدسة في مصر، والتي أدرجتها «اليونيسكو» على قائمتها للتراث الثقافي غير المادي، لافتة إلى المكون التراثي الأصيل لهذه الاحتفالات، بما فيه من الخيال الثري والتنوع المكاني والإبداع الشعبي الذي يتميز بارتباطه بالفطرة الإنسانية، ما جعل حضارات وشعوباً أخرى تمارس توثيق هذه الرحلة، وبما يتوافق مع قيمها ومعتقداتها، مثل اليابان وأفريقيا، وغيرهما.
تخللت المحاضرة مداخلات ونقاشات مختلفة بين الحضور والدكتورة نهلة إمام، حول بعض العناصر التراثية القديمة، مثل طاسة الخضة المصرية، وفلج الداوودي.
فمن اسمها الجديد (القاسمية) نعرف أنه اسم يعبّر عن تقدير الشارقة لدورها، وقد أطلقه صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الذي وجّه بحفظ نماذج من السفن القديمة، وأمر ببناء هذه السفينة لتكون شاهدة حية للأجيال المقبلة على الحياة التي عاشها أجدادهم بفخر في سالف الأزمان.
كان اسمها (البغلة)، أو (أبغلة) بلهجة البحارة، وهي واحدة من بين مئات السفن التي استخدمت ضمن قوة القواسم البحرية، وكانت تشكل قوة ضاربة في عملية فرض الحماية التي كان يقوم بها القواسم على حركة التجارة والنقل البحري والغوص على اللؤلؤ في الخليج العربي وبحر عمان والمحيط الهندي.
شاركت هذه السفينة في رحلات التجارة بين منطقة الخليج وسواحل الهند وإفريقيا، وتمكنت من كسب ثقة التجار بمساحاتها الكبيرة في التخزين ومقاومة مخاطر البحر المتنوعة، وحازت سمعة كبيرة في تجاوز أمواج المحيطات العاتية والوصول إلى بر الأمان، بأشرعتها المتعددة، وتصميمها الانسيابي البارز.
يتراوح طول (البغلة) قديماً، بين 120-150 قدماً، وعرضها بين 20 - 30 قدماً، أما حمولتها فتراوح بين 120-400 طن، وتمتلك سطوحاً عدة، وثلاث سوارٍ، وتغطي قعرها رقائق من النحاس لحمايتها من التآكل، وقد قدمت مع القواسم خدماتها لكل مرتادي ومستخدمي البحار التي تقع تحت سيطرتهم، فوفرت لهم الأمن والأمان في التنقل، وحافظت على أموالهم وأرواحهم وتجارتهم.
وتمتاز بمؤخرتها مربعة الشكل (الرقعة)، وشبابيكها الخمسة. وزينت بالنقوش المحفورة على جوانبها. وتظهر تحت الرقعة أسطوانة خشبية قوية تصل عجلة القيادة بالدفة، مروراً بغرفة الدبوس، وهي الغرفة الموجودة تحت السطح الثانوي في مؤخرة السفينة. وتستخدم لتخزين الحاجيات المختلفة.
ولحبه الكبير للتراث، ولكل ما هو أصيل، ودعمه اللامحدود له، وجّه صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، ببناء هذه السفينة التي استغرقت صناعتها عاماً كاملاً، على يد أمهر الصناع، من الإمارات وعمان والهند.
يبلغ طول سفينة القاسمية الجديدة 29 متراً، وعرضها 20 متراً، وارتفاعها 5 أمتار، أما طول الأشرعة فيبلغ 9 أمتار، وقد استغرق إنجاز السفينة عاماً تقريباً، باستخدام أنواع عدة من الأخشاب (الساج والسدر والكرط)، ونقشت في أعلى جهة الرقعة آية قرآنية تقول (بسم الله مجريها ومرساها).
سفينة (القاسمية) الشامخة، هي اليوم من ملكيات معهد الشارقة للتراث، لكن تراثها ملك لأبناء الإمارات، وهم يروون عنها اليوم بكل فخر، حكاية وطن، وقصة شموخ، وسيرة قادة قدموا الغالي والنفيس من أجل الوطن، فصارت بلادهم أعجوبة الزمان.
واعتبر الديباجي فن الملحون الشعر الحقيقي الذي يمثل المغاربة في كل مجالات حياتهم، ويشكل ذائقتهم ويعبر عن مشاعرهم وعواطفهم تجاه البيئة والبطولات والحب للوطن والاعتزاز بالحضارة، بكل حب وحرية وأريحية ورحابة.
وأوضح الطنيجي أن الإبداع تكمن أهميته في أنه يضيف قيمة جديدة للتراث من خلال تحقيق المزيد من الإبراز والانتشار للصناعات والمهن التقليدية، من خلال أشكال جديدة وقوالب حديثة تحفز أفراد المجتمع على المحافظة على موروثهم التراثي من جهة، ويسهم في زيادة الدخل للأفراد والمجتمعات من جهة أخرى.
واستعرض المحاضر جوانب الإبداع الكامنة في الصناعات والمهن والحرف التقليدية القديمة وتنوع منتجاتها وتعدد ألوانها ووظائفها، والتي تدل على أن الناس قديماً كانوا يعملون ويصنعون وينتجون بناء على الفطرة من دون الحاجة إلى تعليم منهجي، أو تدريب خاص، وذكر في سبيل ذلك، حرفة السفافة ومنتجاتها، ومهنة الحجامة وأدواتها، وصناعة بيوت الشعر وألوانها، وبيوت العريش بأشكالها، وحرفة صناعة التلي وتطريزاتها، وعمل المعقصة في المناسبات المختلفة.
وقدمت الورقة تعقباً تاريخياً موجزاً في مسألة وجود هذه المقامات، ولكن لم يتم تحديد تصور واضح حول كيفية نشأة وظهور هذه المقامات قبل 500 سنة على الرغم من أن هجرات هذه القبائل تعود لأكثر من ذلك.
ورأى غانم أن الفولكلور الموجود لدى هذه المجامع الشعبية سواء في غرب السودان أو جنوبها، بعيداً عن العاصمة، يحظى بالاهتمام والمحافظة من هذه القبائل من خلال المقامية العربية الكامنة في رقصاتها الشعبية موجود فيها المقامية العربية، وتغنيها بهذه المقامة في فن السيرة خلال الحركة المصاحبة لمراسم الزفاف، وفن المردوم الذي يحاكي حركة الأبقار، وفن الجراري الذي يمتزج مع الحركة البطيئة للجمال.
وأشار المحاضر إلى أن الجيوب الثقافية العربية في النموذج السوداني تنتمي، بشكل أو آخر، إلى نظريات المقامات العربية الموسيقية، وهي نظريات تشترك فيها الدول العربية جميعاً، حيث إن السلم الخماسي أحد مقامات الموسيقى العربية، ونجده في موريتانيا وجيبوتي، وأجزاء من اليمن، وفي جنوب العراق ومصر، وفي واحة غدامس في ليبيا، وبالتالي هو مقام يتعايش مع المقامات الأخرى.
ودعا المحاضر إلى الحد من التجديد الحاصل في هذه المقامية العربية في السودان والذي يكاد يعصف بالأصل، لأنه غير موثق ومؤرشف بدرجة كافية.
ورأى أن عناصر التراث الثقافي غير المادي في السودان لم تنل حقها في التسجيل في قوائم «اليونيسكو» رغم أن السودان زاخرة بمثل هذه العناصر، مثل الأهرام القديمة والفنون الشعبية والمخطوطات التي لم تقرأ، وتنتشر بما يكفي، معزياً ذلك إلى عدم وجود الاستقرار الكافي في المجتمع، وبما يتيح بروز هذه العناصر، في بيئة تسودها صناعات ذوقية وفنية.
وأوضحت داغستاني أن الحفاظ على التراث الحضاري، خصوصاً المناطق التراثية، مفهوم حديث ظهر في مدن أوروبا في منتصف القرن العشرين في مواجهة ظهور حركة الحداثة والتمدن، وأثرها في تدمير النسيج العمراني والتاريخي الأصيل فيها، وتغيير شكل المدن نتيجة تطور الصناعة وإنشاء المصانع في المدن القديمة وشق الطرق الواسعة وهدم المباني التاريخية وبناء أخرى حديثة بدلاً عنها، إضافة إلى هجرة أهل الريف للمدن واستقرارهم بالقرب من هذه المصانع.
وتضمنت المحاضرة استعراض مفهوم التراث بنوعيه، المادي وغير المادي، مع التركيز على التراث العمراني والمناطق التراثية، وتوضيح معنى الاستدامة والحفظ الحضري والمعماري، لا سيما في مجال استدامة المباني التراثية بإعادة تأهيلها وإعادة الاستخدام التكييفي والتطبيقي الصحيح لها، بهدف تمكينها من البقاء لأطول فترة زمنية ممكنة، وقيامها بوظائف جديدة تنسجم مع قيمتها الحضارية واستخدامها الأصلي والوضع التاريخي والتراثي والثقافي للمكان.
وأوردت داغستاني مظاهر وملامح زيادة الاهتمام بقضايا التراث في العصر الحالي نتيجة تنامي المشكلات التنظيمية داخل المناطق التاريخية وتدهور أوضاع المباني وحدوث نوع من التشويه البصري والاكتظاظ العمراني في هذه المناطق، ما استوجب ارتفاع أصوات المختصين والمؤرخين والباحثين لوقف هذا الإضرار بالتراث.
وأكدت المحاضرة ضرورة الالتزام بمجموعة من المعايير والمتطلبات في عمليات الترميم والحفظ مثل مشاركة المجتمع المحلي واستخدام أفضل آلية للحفظ الوقائي أو العلاجي للمباني التراثية واستدامتها، مستعرضة بعض الأمثلة والنماذج العالمية لعمليات ترميم وحفظ وحماية عدد من المباني والمعالم التاريخية، وباستخدام أساليب حديثة، بعضها يتلاءم مع القيمة التاريخية لهذه المباني ويحافظ عليها، وبعضها الآخر جائر وغير مدروس يشوه تلك القيمة، ويضر بها.
واختتمت داغستاني محاضرتها بالإشادة بمبادرات إعادة الاستخدام التكييفي والتطبيقي الصحيح في دولة الإمارات من خلال جهودها النوعية والرائدة في الحفاظ على الموروث الحضاري، وجعله من أولوياتها الحالية والمستقبلية، واستعرضت حزمة من مشاريع إمارة الشارقة والتي تنفرد بمكانة تراثية وتاريخية وثقافية وفنية مميزة، وتحمل ثراء معمارياً وثقافياً جعلها الوجهة الأولى لمحبي التعرف إلى التراث المحلي، وحاملة لألقاب عربية وعالمية عديدة في قطاعات الثقافة والسياحة والصحافة والاقتصاد والاجتماع وغيرها، وركزت في حديثها على مشروع تطوير وترميم وإعادة الاستخدام لمباني منطقة قلب الشارقة والبيوت التاريخية القديمة فيها.
وفي مستهل المحاضرة التي أدارتها عائشة الحصان الشامسي، مدير مركز التراث العربي في المعهد، وحضرها جمع من كبار المسؤولين والمهتمين بشؤون التراث الثقافي العالمي وموظفي المعهد، وجهت د.نهلة إمام تهنئتها الخالصة إلى رئيس وأسرة معهد الشارقة للتراث بمناسبة حصول د.عبدالعزيز المسلم على جائزة رجل التراث العربي لعام 2023، واعتبرت ذلك تقديراً مستحقاً لجهوده، ودور المعهد في المحافظة على التراث الإماراتي ودعم التراث العربي والعالمي وصون الهوية والموروث الثقافي وربط المجتمع بعاداته وتقاليده الأصيلة من خلال العديد من المبادرات والإنجازات النوعية التي تحققت على أرض الواقع، ومن أبرزها أيام الشارقة التراثية التي تواصل مسيرتها المميزة بنجاح وإبداع في دورتها العشرين، منذ أن رأت النور لأول مرة عام 2003 وبالتزامن مع عام اعتماد «اليونيسكو» لاتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي، ما يؤكد أن الشارقة ستبقى علامة فارقة، ونموذجاً فريداً في هذا المشروع الحضاري العالمي الذين يُعنى بالتراث وحمايته وصونه.
- أهمية التسجيل
وأشادت إمام بمستوى الدعم والاهتمام الحكومي والمجتمعي الذي حظيت به الملفات العربية المقدمة للتسجيل على قوائم اليونسكو، بما فيها الملفات المشتركة ما بين الدول العربية، أو الملفات المستقلة من خلال حشد الأصوات الداعمة لها من باقي الدول.
وأشارت إلى إشكاليات عدة في تسجيل العناصر الثقافية، ومنها حالة تسجيل عنصرين ثقافيين مختلفين يحملان الاسم نفسه، أو تسجيل العنصر نفسه لدولتين وباسمين مختلفين، موضحة أن التجربة والممارسة تساعدان بمرور الوقت، على معالجة مثل هذه الإشكاليات والاتفاق بشأنها، مضيفة أن أهم المعايير التي تدعم فرص دخول العنصر الثقافي للتسجيل تتمثل في خصائص الانتشار والتوارث والانتقال الشفاهي، مع الأخذ في الاعتبار ضرورة عدم ربط قيمة العنصر الثقافي في هذه الملفات بالأهداف السياحية للدول، لكون «اليونيسكو» تعتبر السياحة وتسليع الموروث الثقافي عوامل مهددة لبقاء واستدامة هذه العناصر.
وذكرت أن لجنة التقييم الدولية «باليونيسكو» عن مجموعة الدول العربية نجحت في تطوير استمارة جديدة لتسجيل العناصر الثقافية في المنظمة من خلال تحديث المعيار الثاني الذي يخص التنمية المستدامة المرتبطة بجوانب المحافظة على البيئة وحفظ حقوق الإنسان وتحقيق التوازن والمساواة بين الجنسين، منوهة بأن المنظمة بدأت بتقدير وإدراك الجوانب الروحية التي يحملها الوعي الجمعي لدى الشعوب، والخروج من إطار الماديات وقيود الحقائق العلمية في التعامل مع هذه الجوانب، وقد لاحظ الجميع عودة المجتمع وأفراده إلى تراثهم وعاداتهم في محاولة منهم لمعالجة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والصحية التي شهدها، وما زال يشهدها العالم.
واستعرضت على سبيل المثال، تجربة إعداد ملف الاحتفالات الشعبية المرتبطة برحلة العائلة المقدسة في مصر، والتي أدرجتها «اليونيسكو» على قائمتها للتراث الثقافي غير المادي، لافتة إلى المكون التراثي الأصيل لهذه الاحتفالات، بما فيه من الخيال الثري والتنوع المكاني والإبداع الشعبي الذي يتميز بارتباطه بالفطرة الإنسانية، ما جعل حضارات وشعوباً أخرى تمارس توثيق هذه الرحلة، وبما يتوافق مع قيمها ومعتقداتها، مثل اليابان وأفريقيا، وغيرهما.
تخللت المحاضرة مداخلات ونقاشات مختلفة بين الحضور والدكتورة نهلة إمام، حول بعض العناصر التراثية القديمة، مثل طاسة الخضة المصرية، وفلج الداوودي.
- القاسمية تحكي قصة وطن
فمن اسمها الجديد (القاسمية) نعرف أنه اسم يعبّر عن تقدير الشارقة لدورها، وقد أطلقه صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الذي وجّه بحفظ نماذج من السفن القديمة، وأمر ببناء هذه السفينة لتكون شاهدة حية للأجيال المقبلة على الحياة التي عاشها أجدادهم بفخر في سالف الأزمان.
كان اسمها (البغلة)، أو (أبغلة) بلهجة البحارة، وهي واحدة من بين مئات السفن التي استخدمت ضمن قوة القواسم البحرية، وكانت تشكل قوة ضاربة في عملية فرض الحماية التي كان يقوم بها القواسم على حركة التجارة والنقل البحري والغوص على اللؤلؤ في الخليج العربي وبحر عمان والمحيط الهندي.
شاركت هذه السفينة في رحلات التجارة بين منطقة الخليج وسواحل الهند وإفريقيا، وتمكنت من كسب ثقة التجار بمساحاتها الكبيرة في التخزين ومقاومة مخاطر البحر المتنوعة، وحازت سمعة كبيرة في تجاوز أمواج المحيطات العاتية والوصول إلى بر الأمان، بأشرعتها المتعددة، وتصميمها الانسيابي البارز.
يتراوح طول (البغلة) قديماً، بين 120-150 قدماً، وعرضها بين 20 - 30 قدماً، أما حمولتها فتراوح بين 120-400 طن، وتمتلك سطوحاً عدة، وثلاث سوارٍ، وتغطي قعرها رقائق من النحاس لحمايتها من التآكل، وقد قدمت مع القواسم خدماتها لكل مرتادي ومستخدمي البحار التي تقع تحت سيطرتهم، فوفرت لهم الأمن والأمان في التنقل، وحافظت على أموالهم وأرواحهم وتجارتهم.
وتمتاز بمؤخرتها مربعة الشكل (الرقعة)، وشبابيكها الخمسة. وزينت بالنقوش المحفورة على جوانبها. وتظهر تحت الرقعة أسطوانة خشبية قوية تصل عجلة القيادة بالدفة، مروراً بغرفة الدبوس، وهي الغرفة الموجودة تحت السطح الثانوي في مؤخرة السفينة. وتستخدم لتخزين الحاجيات المختلفة.
ولحبه الكبير للتراث، ولكل ما هو أصيل، ودعمه اللامحدود له، وجّه صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، ببناء هذه السفينة التي استغرقت صناعتها عاماً كاملاً، على يد أمهر الصناع، من الإمارات وعمان والهند.
يبلغ طول سفينة القاسمية الجديدة 29 متراً، وعرضها 20 متراً، وارتفاعها 5 أمتار، أما طول الأشرعة فيبلغ 9 أمتار، وقد استغرق إنجاز السفينة عاماً تقريباً، باستخدام أنواع عدة من الأخشاب (الساج والسدر والكرط)، ونقشت في أعلى جهة الرقعة آية قرآنية تقول (بسم الله مجريها ومرساها).
سفينة (القاسمية) الشامخة، هي اليوم من ملكيات معهد الشارقة للتراث، لكن تراثها ملك لأبناء الإمارات، وهم يروون عنها اليوم بكل فخر، حكاية وطن، وقصة شموخ، وسيرة قادة قدموا الغالي والنفيس من أجل الوطن، فصارت بلادهم أعجوبة الزمان.
- الملحون المغربي والمقامية العربية
- نافذة للتعبير
واعتبر الديباجي فن الملحون الشعر الحقيقي الذي يمثل المغاربة في كل مجالات حياتهم، ويشكل ذائقتهم ويعبر عن مشاعرهم وعواطفهم تجاه البيئة والبطولات والحب للوطن والاعتزاز بالحضارة، بكل حب وحرية وأريحية ورحابة.
- بين الثابت والمتغير
وأوضح الطنيجي أن الإبداع تكمن أهميته في أنه يضيف قيمة جديدة للتراث من خلال تحقيق المزيد من الإبراز والانتشار للصناعات والمهن التقليدية، من خلال أشكال جديدة وقوالب حديثة تحفز أفراد المجتمع على المحافظة على موروثهم التراثي من جهة، ويسهم في زيادة الدخل للأفراد والمجتمعات من جهة أخرى.
واستعرض المحاضر جوانب الإبداع الكامنة في الصناعات والمهن والحرف التقليدية القديمة وتنوع منتجاتها وتعدد ألوانها ووظائفها، والتي تدل على أن الناس قديماً كانوا يعملون ويصنعون وينتجون بناء على الفطرة من دون الحاجة إلى تعليم منهجي، أو تدريب خاص، وذكر في سبيل ذلك، حرفة السفافة ومنتجاتها، ومهنة الحجامة وأدواتها، وصناعة بيوت الشعر وألوانها، وبيوت العريش بأشكالها، وحرفة صناعة التلي وتطريزاتها، وعمل المعقصة في المناسبات المختلفة.
- الموسيقى السودانية
وقدمت الورقة تعقباً تاريخياً موجزاً في مسألة وجود هذه المقامات، ولكن لم يتم تحديد تصور واضح حول كيفية نشأة وظهور هذه المقامات قبل 500 سنة على الرغم من أن هجرات هذه القبائل تعود لأكثر من ذلك.
ورأى غانم أن الفولكلور الموجود لدى هذه المجامع الشعبية سواء في غرب السودان أو جنوبها، بعيداً عن العاصمة، يحظى بالاهتمام والمحافظة من هذه القبائل من خلال المقامية العربية الكامنة في رقصاتها الشعبية موجود فيها المقامية العربية، وتغنيها بهذه المقامة في فن السيرة خلال الحركة المصاحبة لمراسم الزفاف، وفن المردوم الذي يحاكي حركة الأبقار، وفن الجراري الذي يمتزج مع الحركة البطيئة للجمال.
وأشار المحاضر إلى أن الجيوب الثقافية العربية في النموذج السوداني تنتمي، بشكل أو آخر، إلى نظريات المقامات العربية الموسيقية، وهي نظريات تشترك فيها الدول العربية جميعاً، حيث إن السلم الخماسي أحد مقامات الموسيقى العربية، ونجده في موريتانيا وجيبوتي، وأجزاء من اليمن، وفي جنوب العراق ومصر، وفي واحة غدامس في ليبيا، وبالتالي هو مقام يتعايش مع المقامات الأخرى.
ودعا المحاضر إلى الحد من التجديد الحاصل في هذه المقامية العربية في السودان والذي يكاد يعصف بالأصل، لأنه غير موثق ومؤرشف بدرجة كافية.
ورأى أن عناصر التراث الثقافي غير المادي في السودان لم تنل حقها في التسجيل في قوائم «اليونيسكو» رغم أن السودان زاخرة بمثل هذه العناصر، مثل الأهرام القديمة والفنون الشعبية والمخطوطات التي لم تقرأ، وتنتشر بما يكفي، معزياً ذلك إلى عدم وجود الاستقرار الكافي في المجتمع، وبما يتيح بروز هذه العناصر، في بيئة تسودها صناعات ذوقية وفنية.
- صون التراث التاريخي
وأوضحت داغستاني أن الحفاظ على التراث الحضاري، خصوصاً المناطق التراثية، مفهوم حديث ظهر في مدن أوروبا في منتصف القرن العشرين في مواجهة ظهور حركة الحداثة والتمدن، وأثرها في تدمير النسيج العمراني والتاريخي الأصيل فيها، وتغيير شكل المدن نتيجة تطور الصناعة وإنشاء المصانع في المدن القديمة وشق الطرق الواسعة وهدم المباني التاريخية وبناء أخرى حديثة بدلاً عنها، إضافة إلى هجرة أهل الريف للمدن واستقرارهم بالقرب من هذه المصانع.
وتضمنت المحاضرة استعراض مفهوم التراث بنوعيه، المادي وغير المادي، مع التركيز على التراث العمراني والمناطق التراثية، وتوضيح معنى الاستدامة والحفظ الحضري والمعماري، لا سيما في مجال استدامة المباني التراثية بإعادة تأهيلها وإعادة الاستخدام التكييفي والتطبيقي الصحيح لها، بهدف تمكينها من البقاء لأطول فترة زمنية ممكنة، وقيامها بوظائف جديدة تنسجم مع قيمتها الحضارية واستخدامها الأصلي والوضع التاريخي والتراثي والثقافي للمكان.
وأوردت داغستاني مظاهر وملامح زيادة الاهتمام بقضايا التراث في العصر الحالي نتيجة تنامي المشكلات التنظيمية داخل المناطق التاريخية وتدهور أوضاع المباني وحدوث نوع من التشويه البصري والاكتظاظ العمراني في هذه المناطق، ما استوجب ارتفاع أصوات المختصين والمؤرخين والباحثين لوقف هذا الإضرار بالتراث.
وأكدت المحاضرة ضرورة الالتزام بمجموعة من المعايير والمتطلبات في عمليات الترميم والحفظ مثل مشاركة المجتمع المحلي واستخدام أفضل آلية للحفظ الوقائي أو العلاجي للمباني التراثية واستدامتها، مستعرضة بعض الأمثلة والنماذج العالمية لعمليات ترميم وحفظ وحماية عدد من المباني والمعالم التاريخية، وباستخدام أساليب حديثة، بعضها يتلاءم مع القيمة التاريخية لهذه المباني ويحافظ عليها، وبعضها الآخر جائر وغير مدروس يشوه تلك القيمة، ويضر بها.
واختتمت داغستاني محاضرتها بالإشادة بمبادرات إعادة الاستخدام التكييفي والتطبيقي الصحيح في دولة الإمارات من خلال جهودها النوعية والرائدة في الحفاظ على الموروث الحضاري، وجعله من أولوياتها الحالية والمستقبلية، واستعرضت حزمة من مشاريع إمارة الشارقة والتي تنفرد بمكانة تراثية وتاريخية وثقافية وفنية مميزة، وتحمل ثراء معمارياً وثقافياً جعلها الوجهة الأولى لمحبي التعرف إلى التراث المحلي، وحاملة لألقاب عربية وعالمية عديدة في قطاعات الثقافة والسياحة والصحافة والاقتصاد والاجتماع وغيرها، وركزت في حديثها على مشروع تطوير وترميم وإعادة الاستخدام لمباني منطقة قلب الشارقة والبيوت التاريخية القديمة فيها.