القاهرة: بسيوني الحلواني
لنصوم صوماً صحيحاً يكون أرجى للقبول ونحصد عنه الأجر والثواب من خالق العباد؛ ينبغى أن نقف على الأحكام الفقهية الصحيحة قبل استقبال رمضان لكي نتسلح بها ونحمى صيامنا من كل ما يفسده أو يقلل من أجره وثوابه.
أول ما يواجهنا من أحكام فقهية في أول رمضان هو «نية الصوم» فهل لا بد من تكرار النية في كل ليلة من ليالي رمضان أم تكفي نية واحدة لصيام الشهر كله؟ وهل لا بد من التلفظ بالنية؟
يقول د. نصر فريد واصل، عضو هيئة كبار العلماء ومفتي مصر الأسبق: «نية الصوم من الأمور المهمة التي ينبغي أن يحرص عليها الصائم، والنية محلها القلب، ويكفي فيها العزم والقصد وتحديد المراد منها، والقيام للسحور، وتحري وقت الفجر الصادق للإمساك عن الطعام والشراب وسائر المفطرات، إذ تعتبر هذه الأفعال دليلاً واضحاً على وجود النية للصيام، إذ هي اثر لها، ولذلك لا يشترط التلفظ بالنية في الصيام ما دام الإنسان قد نوى الصيام بقلبه؛ وإنما يُشترط تبييت النية قبل الفجر؛ لقول النبي، صلى الله عليه وسلم: «من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له»، وهنا ينبغي أن نعلم أن لكل يوم نية مخصوصة -كما ذهب إلى ذلك جمهور الفقهاء-، وذهب المالكية إلى أن المسلم لو نوى أول الشهر صيام الشهر كله صح صومه.
وهذا الوجوب للنية إنما هو بالنسبة لصيام شهر رمضان.. أما صيام التطوع، فيكفي فيه النية، ولو بعد طلوع النهار، فقد أخبرتنا السيدة عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها ذات يوم فقال: «هل عندكم من شيء؟ قلت: لا، قال: فإني صائم»، وهذا دليل على أن تبييت النية يكون في صوم الفريضة فقط.
احتياط
عن حكم الشرع في تنظيف الأسنان في نهار رمضان يقول مفتي مصر الأسبق: «لا أثر لتنظيف الأسنان في صحة الصيام.. لكن ننصح الصائم أن يحتاط وهو ينظف أسنانه بالفرشاة مخافة ابتلاع شيء من معجون الأسنان فيبطل صومه».
متى يفطر المسافر؟
سألت د. واصل عن سلوك كثير من المسافرين الذين يحرصون على الصوم ولا يأخذون برخصة الافطار خاصة وأن وسائل السفر في هذا العصر قد أصبحت سريعة ومريحة.. فقال: فطر المسافر رخصة من الخالق سبحانه وتعالى حتى لا يكون في الأمر مشقة، والله تعالى يقول في كتابه العزيز: «ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام آخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر..» فأباح الله للمسافر أن يفطر في رمضان، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله وضع عن المسافر الصوم». فالفطر في السفر يباح للصائم، ومن وجد في نفسه قوة فالصيام أفضل، وقد سأل الصحابي (حمزة الأسلمي) رسول الله قائلاً: «أجد مني قوة على الصوم في السفر، فهل عليّ جناح»؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «هي رخصة من الله تعالى فمن أخذ بها فحسن، ومن أحب أن يصوم، فلا جناح عليه».
صوم المريض
أما المرضى الذين يشقون على أنفسهم ويصومون رغم نصائح الأطباء لهم بالفطر يقول د. محمد نبيل غنايم أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة القاهرة: «الإسلام دين رحمة ويسر ورفق بالإنسان، والعبادات لم يفرضها الله على عباده لتعذيبهم أو لحرمانهم من طيبات الحياة كما يتوهم البعض، لكنها فرضت عليهم لمصلحتهم وكلها منافع لهم، فالصلاة كلها منافع للإنسان قبل أن تكون طاعة لله، والزكاة بركة في الرزق والعمر، والصوم كله مكاسب روحية وبدنية للصائم الذي يحرص على آدابه وأخلاقياته».
يصوم ولا يصلي
عن حكم صوم من لا يصلي وهل يقبل الله صيامه يقول د. غنايم: «الصلاة عماد الدين، وركن الإسلام الركين، وتارك الصلاة آثم شرعاً، ومرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب، وعليه أن يبادر بالتوبة إلى الله تعالى لاسيما في هذا الشهر الكريم».
ويضيف: «من صام وهو لا يصلي فإن صومه صحيح يسقط عنه الفرض؛ لأنه لا يشترط لصحة الصوم إقامة الصلاة.. أما مسألة الأجر فمردها إلى الله تعالى، غير أن الصائم المصلي أرجی ثواباً وأجراً وقبولاً ممن لا يصلي.
رخص شرعي
عن أهم الأحكام الفقهية التي تخص صيام المرأة المسلمة في رمضان، والرخص الشرعية لها تقول د. سعاد صالح، أستاذة الشريعة الإسلامية : للمرأة في رمضان أحكامها الفقهية التي ينبغي أن تتعرف اليها حت يكون صومها صحيحاً ومقبولاً، بعيداً عن السلوكيات غير المرغوبة في رمضان والتي تصر عليها بعض النساء خاصة خلال فترة الحيض.
وتلخص أهم الأحكام الفقهية المتعلقة بالمرأة في النقاط التالية:
** المرأة إذا حاضت أو نفست أثناء الصيام وجب عليها أن تفطر، ثم تقضي الأيام التي أفطرتها بعد رمضان، حتى وإن رأت الدم قبيل المغرب بدقائق قليلة؛ وقد قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: «كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ- أي دم الحيض-، فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ، وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ»، ولذلك فإن إصرار بعض النساء على الصوم في فترة الحيض سلوك مخالف لتعاليم الإسلام.
** في فترة الحمل والرضاع رُخِّص للمرأة الحامل والمرضع في فطر رمضان إن خافتا علىٰ أنفسهما أن يلحقهما ضرر أو مشقة غير معتادة بسبب الصوم، أو نصحهما الطبيب أن تفطرا؛ وفي هذه الحالة لهما الفطر، وعليهما القضاء فقط، دون إخراج فدية، وإن خافت الأم على جنينها أو على الطفل الرضيع؛ فللأم الفطر، وعليها القضاء دون الفدية أيضاً كما قال بعض الفقهاء.
** تناول أدوية لوقف نزول دم الحيض في رمضان أمر جائز في رمضان بعد استشارة طبيبة متخصِّصة ثقة، وبإذن الزوج، ما لم يترتب على ذلك ضرر؛ فرسول الله ﷺ يقول: «لا ضرر ولا ضرار»، وإن كان الأولى ترك أمر العادة يجري وفق طبيعته دون تدخل طبي؛ ففي ذلك تطبيق لما قدره الخالق سبحانه وتعالى.
** يجوز للمرأة التي تعد طعام الإفطار لأسرتها أن تتذوّق الطَّعام أثناء الصِّيام، إن كان لحاجةٍ، بشرط الحرص على عدم وصول شيء منه للجوف، ومجه بعد ذلك. فإن ابتلعت المرأة منه شيئاً فسد صومها، وعليها القضاء.
صيام المسنين
عن حكم الشرع في صيام كبار السن الذين يعانون أمراض الشيخوخة، يقول د. نصر فريد واصل: الله تعالى يقول: «يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون. أياماً معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيراً فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون»، هاتان الآيتان صريحتان في إيجاب الصوم على كل مسلم ومسلمة مكلفين، وأن الله عز وجل رفع الحرج عن كبار السن من الرجال والنساء، ممن لا يستطيع الصوم، أو يستطيعه ولكن مع مشقة بالغة، وذلك بتقديم فدية «طعام مسكين».. والفدية تكون بمقدار ما يكفي الفقير غداء وعشاء في اليوم الواحد.
