الشارقة: علاء الدين محمود
تواصلت بالأمس فعاليات الدورة 32 لمهرجان أيام الشارقة المسرحية، واحتضن معهد الفنون المسرحية عرض «مول مضارب بني كرش»، لفرقة مسرح رأس الخيمة الوطني، تأليف وإخراج: سالم العيان، فيما شهد قصر الثقافة عرض «أغنية الرجل الطيب»، لجمعية دبا الحصن للثقافة والتراث.
مسرحية «مول مضارب بني كرش»، هي حكاية اجتماعية تناقش فكرة الطمع، وتحمل رسائل متعددة، وتدعو إلى أخذ الحكمة والاعتبار من قصص الأمم في الماضي التي تفشى بينها داء الجشع وتبدلت قيمهم وساءت أخلاقهم، فكان أن انقلبت أحوالهم للأسوأ، ذلك لأنهم نسوا الله تعالى، واغتربوا عن وجدانهم السليم وأقبلوا علي حياة الترف والملذات، والعرض يمارس فعل الإسقاط على الواقع الحالي في كثير من الأنحاء، فهو هجائية ضد تبني الثقافة الاستهلاكية المادية، التي سادت في هذا الزمن التي تغيرت فيه المفاهيم وصار الناس يلهثون وراء الكسب، من دون أن يضعوا في الاعتبار أية كوابح أخلاقية.
وتتحدث حكاية العرض عن قصة جرت في مضارب بني كرش، ولعل العنوان نفسه كعتبة نصية مهمة، يحيل إلى عوالم الطمع وحب كنز الأموال، حيث كان أهل ذلك المكان، الذي يبدو أنه ينتمي إلى زمن ماضٍ، يعملون في التجارة وينغمسون في حياة الترف والتنافس في الثراء وجمع الأموال من خلال العمل في السوق وجلب البضائع من أماكن مختلفة حول العالم، وتبرز في العمل حكاية مرزوق، وهو رجل بسيط يعمل في بيع القهوة والشاي في السوق، ويقضي سحابة يومه في هذا العمل المنهك الذي يستعين على صعوبته بتوزيع النكات والضحكات، فصار من الشخصيات المحبوبة.
وفي أحد الأيام يظهر شخص غريب في المضارب، «أبو عفاش»، ادعى أنه تاجر قادم من مكان بعيد، وينتظر بضائع قادمة من مكان ما، فيستقبله مرزوق في بيته ويؤويه حتى تصل أمواله، وفي تلك الأثناء يكتشف التجار أن لمرزوق دكاناً قديماً، لم يكن ذا قيمة، ولكن مع التوسع الكبير الذي شهده السوق، صار ذلك الدكان في قلب المكان، ما أدى إلى ارتفاع قيمته، فعرضوا على مرزوق بيعها وتنافسوا في دفع الثمن وتصارعوا حوله، ويقدم التاجر الغريب أبو عفاش عرضاً سخياً أكثر من بقية التجار، وأمام رفض مرزوق، يعرض أبو عفاش الشراكة عليه، ليدخل معه في مشروع وسط غضب التجار الذين طلبوا من مرزوق التوقف عن تلك الشراكة وذلك المشروع، خاصة بعد أن تراجعت تجارتهم وبار بيعهم، وتجري مفاوضات ساخنة بينهم في محاولة منهم لاحتواء الرجل البسيط، غير أن العقد بين مرزوق وأبو عفاش تضمن شروطاً جزائية قاسية، وفي النهاية طلب التجار اجتماعاً بـ«أبو عفاش»، لكنه كان قد اختفى تماماً فقد كان مجرد نصاب صاحب تاريخ من الاحتيال، وقبل هروبه قام بسرقة كل دكاكين التجار ليتركهم في حسرة شديدة وندم على طمعهم.
العرض وجد أراء متباينة خلال الندوة التطبيقية التي تلته، حيث دعت إلى ضرورة أن يخضع العمل للمزيد من المراجعات والتدقيق، خاصة في ما يتعلق بالحلول الإخراجية والاشتغال على الممثلين، حيث كان توظيف خيال الظل في العرض فائضاً ومجانياً، وبينما ذهبت الأزياء نحو الواقعية، فإن المخرج قد قام بتجريد الديكور، كما برزت مفارقة بين السينوغرافيا والنص.
ويقوم العرض بتمرير تلك العوالم الثقيلة عبر تفعيل أدوات المسرح وتوظيفها بصورة مميزة ومبتكرة، فالعمل لا يحكي عن قصة أو حكاية في حقيقة الأمر بقدر ما أنه يسلط الضوء على ممارسات، وربما ذلك ما جعل المخرج يستدعي مقولة الكاتب الأرجنتيني بورخيس، بتصرف، في مطوية العرض، تلك التي تقول: «لا توجد قصة أصلية... لأن كل القصص قد رويت بالفعل»، وعلى هذا النحو التجريدي، فإن العمل يقتطف من هجائيات عديدة من روايات ونصوص شعرية ومسرحية صنعت في وجه الظالمين والطغاة من قبل مبدعين عرب بصورة أكبر، حيث يلمح المشاهد في العرض قبس من أعمال الماغوط والطاهر بن جلون، وغيرهما من أدباء عرب صاغوا نصوصاً كانت عبارة عن فعل مقاوم، وبنى المخرج عرضه ببراعة كبيرة، ربما لا يعكر صفوها غير التطويل في بعض المشاهد، حيث كان بالإمكان التكثيف والاختزال.
ويطل العمل على عوالم دولتي غربستان وشرقستان، ليصيغ حكاية متخيلة، حيث انتهت الحرب حديثاً بين الدولتين، وانفصلتا بعد أن كانتا بلداً واحداً، وأقيمت بينهما الحدود، ونقاط التفتيش، ويركز العرض على الحياة داخل دولة شرقستان ذات القبضة الشمولية الحديدية، حيث سادت سلطة بوليسية خانقة، وكان الرقيب في كل مكان، ويحكي العرض عن المفتش آدم، الذي استخدم من قبل ضابط الأمن والمفوض الحزبي أبو نجوى، لمراقبة الشاعر والمؤلف المسرحي جميل إبراهيم، حيث كانت هناك شكوك في أن هذا الرجل المثقف هو عميل للعدو، على الرغم من نيله جائزة الدولة التشجيعية، وبالفعل يتصدى «آدم» لتلك المهمة، ويقوم برقابة متواصلة لمنزل جميل إبراهيم، الذي كان يعمل على إعداد مسرحية باسم «أغنية الرجل الطيب»، مقاومة ومناهضة للنظام، وتتحدث عن ارتفاع عدد حالات الانتحار بين الفنانين والمبدعين في ظل الشمولية.
ويدخل «آدم» منزل جميل إبراهيم خلسة في أوقات متعددة، ويقرأ بعض القصائد التي كتبها ذلك الشاب المثقف، فيتأثر بها وتطرأ عليه الكثير من التحولات، إلى درجة أنه عندما داهمت السلطات منزل إبراهيم للبحث عن المسرحية، كان آدم قد أخذ ذلك النص واستبدله بآخر مداهن ومنافق للنظام، فكان أن أنقذ ذلك المؤلف المسرحي بذلك الفعل.
تواصلت بالأمس فعاليات الدورة 32 لمهرجان أيام الشارقة المسرحية، واحتضن معهد الفنون المسرحية عرض «مول مضارب بني كرش»، لفرقة مسرح رأس الخيمة الوطني، تأليف وإخراج: سالم العيان، فيما شهد قصر الثقافة عرض «أغنية الرجل الطيب»، لجمعية دبا الحصن للثقافة والتراث.
مسرحية «مول مضارب بني كرش»، هي حكاية اجتماعية تناقش فكرة الطمع، وتحمل رسائل متعددة، وتدعو إلى أخذ الحكمة والاعتبار من قصص الأمم في الماضي التي تفشى بينها داء الجشع وتبدلت قيمهم وساءت أخلاقهم، فكان أن انقلبت أحوالهم للأسوأ، ذلك لأنهم نسوا الله تعالى، واغتربوا عن وجدانهم السليم وأقبلوا علي حياة الترف والملذات، والعرض يمارس فعل الإسقاط على الواقع الحالي في كثير من الأنحاء، فهو هجائية ضد تبني الثقافة الاستهلاكية المادية، التي سادت في هذا الزمن التي تغيرت فيه المفاهيم وصار الناس يلهثون وراء الكسب، من دون أن يضعوا في الاعتبار أية كوابح أخلاقية.
وتتحدث حكاية العرض عن قصة جرت في مضارب بني كرش، ولعل العنوان نفسه كعتبة نصية مهمة، يحيل إلى عوالم الطمع وحب كنز الأموال، حيث كان أهل ذلك المكان، الذي يبدو أنه ينتمي إلى زمن ماضٍ، يعملون في التجارة وينغمسون في حياة الترف والتنافس في الثراء وجمع الأموال من خلال العمل في السوق وجلب البضائع من أماكن مختلفة حول العالم، وتبرز في العمل حكاية مرزوق، وهو رجل بسيط يعمل في بيع القهوة والشاي في السوق، ويقضي سحابة يومه في هذا العمل المنهك الذي يستعين على صعوبته بتوزيع النكات والضحكات، فصار من الشخصيات المحبوبة.
وفي أحد الأيام يظهر شخص غريب في المضارب، «أبو عفاش»، ادعى أنه تاجر قادم من مكان بعيد، وينتظر بضائع قادمة من مكان ما، فيستقبله مرزوق في بيته ويؤويه حتى تصل أمواله، وفي تلك الأثناء يكتشف التجار أن لمرزوق دكاناً قديماً، لم يكن ذا قيمة، ولكن مع التوسع الكبير الذي شهده السوق، صار ذلك الدكان في قلب المكان، ما أدى إلى ارتفاع قيمته، فعرضوا على مرزوق بيعها وتنافسوا في دفع الثمن وتصارعوا حوله، ويقدم التاجر الغريب أبو عفاش عرضاً سخياً أكثر من بقية التجار، وأمام رفض مرزوق، يعرض أبو عفاش الشراكة عليه، ليدخل معه في مشروع وسط غضب التجار الذين طلبوا من مرزوق التوقف عن تلك الشراكة وذلك المشروع، خاصة بعد أن تراجعت تجارتهم وبار بيعهم، وتجري مفاوضات ساخنة بينهم في محاولة منهم لاحتواء الرجل البسيط، غير أن العقد بين مرزوق وأبو عفاش تضمن شروطاً جزائية قاسية، وفي النهاية طلب التجار اجتماعاً بـ«أبو عفاش»، لكنه كان قد اختفى تماماً فقد كان مجرد نصاب صاحب تاريخ من الاحتيال، وقبل هروبه قام بسرقة كل دكاكين التجار ليتركهم في حسرة شديدة وندم على طمعهم.
- مقاربات
العرض وجد أراء متباينة خلال الندوة التطبيقية التي تلته، حيث دعت إلى ضرورة أن يخضع العمل للمزيد من المراجعات والتدقيق، خاصة في ما يتعلق بالحلول الإخراجية والاشتغال على الممثلين، حيث كان توظيف خيال الظل في العرض فائضاً ومجانياً، وبينما ذهبت الأزياء نحو الواقعية، فإن المخرج قد قام بتجريد الديكور، كما برزت مفارقة بين السينوغرافيا والنص.
- أسئلة
ويقوم العرض بتمرير تلك العوالم الثقيلة عبر تفعيل أدوات المسرح وتوظيفها بصورة مميزة ومبتكرة، فالعمل لا يحكي عن قصة أو حكاية في حقيقة الأمر بقدر ما أنه يسلط الضوء على ممارسات، وربما ذلك ما جعل المخرج يستدعي مقولة الكاتب الأرجنتيني بورخيس، بتصرف، في مطوية العرض، تلك التي تقول: «لا توجد قصة أصلية... لأن كل القصص قد رويت بالفعل»، وعلى هذا النحو التجريدي، فإن العمل يقتطف من هجائيات عديدة من روايات ونصوص شعرية ومسرحية صنعت في وجه الظالمين والطغاة من قبل مبدعين عرب بصورة أكبر، حيث يلمح المشاهد في العرض قبس من أعمال الماغوط والطاهر بن جلون، وغيرهما من أدباء عرب صاغوا نصوصاً كانت عبارة عن فعل مقاوم، وبنى المخرج عرضه ببراعة كبيرة، ربما لا يعكر صفوها غير التطويل في بعض المشاهد، حيث كان بالإمكان التكثيف والاختزال.
ويطل العمل على عوالم دولتي غربستان وشرقستان، ليصيغ حكاية متخيلة، حيث انتهت الحرب حديثاً بين الدولتين، وانفصلتا بعد أن كانتا بلداً واحداً، وأقيمت بينهما الحدود، ونقاط التفتيش، ويركز العرض على الحياة داخل دولة شرقستان ذات القبضة الشمولية الحديدية، حيث سادت سلطة بوليسية خانقة، وكان الرقيب في كل مكان، ويحكي العرض عن المفتش آدم، الذي استخدم من قبل ضابط الأمن والمفوض الحزبي أبو نجوى، لمراقبة الشاعر والمؤلف المسرحي جميل إبراهيم، حيث كانت هناك شكوك في أن هذا الرجل المثقف هو عميل للعدو، على الرغم من نيله جائزة الدولة التشجيعية، وبالفعل يتصدى «آدم» لتلك المهمة، ويقوم برقابة متواصلة لمنزل جميل إبراهيم، الذي كان يعمل على إعداد مسرحية باسم «أغنية الرجل الطيب»، مقاومة ومناهضة للنظام، وتتحدث عن ارتفاع عدد حالات الانتحار بين الفنانين والمبدعين في ظل الشمولية.
ويدخل «آدم» منزل جميل إبراهيم خلسة في أوقات متعددة، ويقرأ بعض القصائد التي كتبها ذلك الشاب المثقف، فيتأثر بها وتطرأ عليه الكثير من التحولات، إلى درجة أنه عندما داهمت السلطات منزل إبراهيم للبحث عن المسرحية، كان آدم قد أخذ ذلك النص واستبدله بآخر مداهن ومنافق للنظام، فكان أن أنقذ ذلك المؤلف المسرحي بذلك الفعل.
- رؤية