ريادة فنية

23:48 مساء
قراءة دقيقتين

د.باسمة يونس

اثنان وثلاثون، هو الرقم الذي يضاف إلى عمر أيام الشارقة المسرحية، مسجلاً بذلك ثلاثة عقود استطاع فيها المسرح الاماراتي أن يقف على قمة تأسست بنجاح، فيحفظ للمسرح صفته أباً للفنون، ويحصد جائزة ريادته للمهرجانات المسرحية ويرسخ معايير المسرح الجاد ويرسم خارطة طريق لمناقشة القضايا وتقديم الحلول الواقعية لمشكلات الناس فيها.

يأتي نجاح الأيام من قدرتها على تحويل مفهوم تنافس الفنون إلى التعاون بين بعضها البعض عبر مهرجان ثقافي شامل، تم تصميمه لدعم المسرح أولاً، وتحفيز طاقات المواهب الأدائية والفنية على اختلافها ثانياً وللترفيه عن الآخرين بأعمال ترتقي بأفكارهم ولا تمس جودته ثالثاً، وتحفيز عروض متطورة تدمج بين أشكال فنية مختلفة لرواية حكايات ملهمة رابعاً، وتقديم قصص تتعاطف مع الناس وتستدرج مشاعرهم للتفكير بقيمة الحياة ومعانيها خامساً.

وتمكنت أيام الشارقة المسرحية من ترسيخ حضورها بين فعاليات الإمارات الثقافية التي يدرك الجميع مدى تنافسها بين بعضها بعضا لتقديم الأكثر جودة والأفضل، وأن تحجز لنفسها مكاناً لا يمكن منافسته على الرغم من صعوبة ذلك في ظل نجاح بقية الفعاليات الأخرى. وجذبت الأيام انتباه الفنانين أولاً لضرورة احترام هذا الفن وتقدير ما يقدمونه لأجله، والمتفرجين ثانياً إلى معنى المسرح وامكانياته، والعالم ثالثاً ليدرك ما وصل إليه المسرح الاماراتي من نجاح يجعله حاضراً ومميزاً بين بقية الفنون الأخرى.

وحققت الأيام بذلك أهدافها الأساسية التي كانت في البداية تتطلع إلى جمع الجمهور معاً للاستمتاع بأداء قد لا يستغرق زمناً طويلاً لكنه يحث تفكيرهم للاستغراق في الأداء وفهمه والاستحواذ على مشاعرهم لفترة طويلة بعد ذلك، ثم ارتقت بطموحها مستهدفة المحافظة على قيمة العمل المسرحي ورسم خارطة طريق لاستكشاف المواهب وتطوير مهاراتهم ووضعهم على خشبته وقد تلقوا دعماً وتوجيهاً يجعلهم يتحركون فوقها ومن وراء الكواليس بثقة واقتدار.

وبينما تغيرت أيام الشارقة المسرحية قليلاً على مر السنين بفعل التجربة والتطورات التقنية، لكنها حافظت على مكانتها وجهة رئيسية للفنانين ومعياراً دقيقاً للحكم على جودة العمل المسرحي واكتشاف المواهب وتمكينها لمتابعة مسيرتها على مر السنين القادمة، والأهم كونها حبل إنقاذ لهذا الفن الذي كاد أن ينهار بين أروقة التطورات التكنولوجية الحديثة والأعمال التجارية الساذجة التي سادت العالم ذات زمن مستهينة برسالته غير مدركة لأثره وقدرته على التغلغل في أفكار وحياة الناس حتى كادت تهوي به الى حفرة عميقة في حضيض الرداءة.

لقد اجتهدت أيام الشارقة المسرحية على مر الأعوام، لترتقي بنفسها، بتوجيه من راعيها والداعم الأول لها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وجهود المحبين لهذا الفن الراقي.

واليوم وقد وصلت الأيام إلى عامها الثاني والثلاثين تبرهن على مضيها تجاه المستقبل بمسيرة ثابتة ديدنها السعي والصبر وعدم التنازل عن الجودة، فتلك المسرحيات التي تنجبها الأيام وترعاها حلقت بالمسرح الإماراتي من نجاح إلى آخر وحملته أجنحتها إلى العالم لتضع الفن الإماراتي على خشبات المسارح الأخرى بقدم راسخة وثقة عميقة بإمكانياته.

[email protected]

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mzpjt9vn

عن الكاتب

​كاتبة ومستشارة في تنمية المعرفة. حاصلة على الدكتوراه في القيادة في مجال إدارة وتنمية المواهب وعضو اتحاد كتاب وأدباء الإمارات ورابطة أديبات الإمارات. أصدرت عدة مجموعات في مجالات القصة القصيرة والرواية والمسرح والبرامج الثقافية والأفلام القصيرة وحصلت على عدة جوائز ثقافية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"