الحرب الأوكرانية.. عام آخر

00:38 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. ناجى صادق شراب

تقول أدبيات الحرب أنه من السهل أن تبدأ الحرب لكن من الصعب أن تنتهي. والحرب تبدأ بقرار واحد، وقد تنتهي بأكثر من قرار، وهذا ينطبق على الحرب الأوكرانية التي بدأت بقرار من الرئيس الروسي بوتين لأسباب كثيرة، أهمها تمدد حلف الأطلسي باتجاه بلاده واحتمال انضمام أوكرانيا إلى الحلف فتتحول إلى شوكة في خاصرة روسيا، إضافة إلى قضية أخرى تتعلق بالمواطنين الروس في شرق أوكرانيا.

لا شك في أن الحرب الأوكرانية تدخل في سياق الصراع على النظام الدولي، إذ ترغب روسيا في تغيير قواعد النظام الدولي القائم على الأحادية القطبية الأمريكية، وفي المقابل، فإن الأطراف الأخرى في الحرب بقيادة الولايات المتحدة تسعى إلى إجهاض القوة الروسية، والحيلولة دون تغيير هذا النظام.

أوروبياً، تحاول الدول الأوروبية استعادة قوة الناتو، بضم دول جديدة، مثل السويد وفنلندا. وهذه الدول هي التي تتحكم في نهايات الحرب، وليس روسيا، ما يفسر لنا أحد أسباب استمرارها. ولعل الخطأ الذي وقع فيه بوتين أنه اعتقد بحسم الحرب خلال أيام يتم خلالها إسقاط نظام الرئيس الأوكراني زيلنسكي، من دون أن يضع في الحسبان أن حلف الأطلسي والولايات المتحدة، كانا يعدّان العدة لهذه الحرب، ويتربصان به بهدف إضعاف روسيا، وتقليص قدراتها، وربما هزيمتها وعدم تمكينها من تحقيق هدفها في تغيير قواعد النظام الدولي القائم.

ولعل الحرب الأوكرانية هي من أكثر الحروب التي ترتبت عليها خسائر كبيرة خلال عام واحد. فزادت الخسائر المالية مليارات الدولارات التي تكفي لمعالجة كل المشاكل الاقتصادية، من فقر وكساد اقتصادي عالمياً. وتجميد 300 مليار دولار روسي في البنوك الأوروبية كانت تدر أكثر من مئة مليار دولار على الخزينة الروسية. وأكثر من 100 ألف قتيل روسي، ومثلهم من القوات الأوكرانية. إلى جانب أكثر من 16 مليون لاجئ أوكراني، وتدمير بنية الدولة كلها، وحاجتها اليوم لأكثر من 750 مليار دولار لإعادة إعمارها، وفقدانها نحو 20 في المئة من أراضيها التي احتلتها روسيا. وهذه الخسائر هي خلال عام واحد، فكيف لو طالت الحرب عاماً آخر، أو أكثر؟

ولوعدنا إلى الموقف الأمريكي الذي بات العامل الرئيسي في استمرار هذه الحرب، نشير إلى ما قاله السفير الفرنسي موريس غوردو مونتاني، أمين عام الخارجية الفرنسية، الذي عمل مستشاراً للرئيس شيراك، من أن الرئيس الفرنسي كلفه إجراء اتصالات مع كل من موسكو وواشنطن عام 2006 لبحث إمكانية تسوية الأزمة بمنح حماية متبادلة لأوكرانيا من قبل الأطلسي، وروسيا. لكن الولايات المتحدة رفضت الفكرة.. وهذا يؤكد لدينا مصداقية الفرضية التي تقوم عليها الحرب، وموقف الولايات المتحدة الذي أكده الرئيس بايدن في زياته المفاجئة لكييف، وتصريحه بأننا «لن نسمح لروسيا أن تنتصر في الحرب».

وإشكالية هذه الحرب أن الحروب الكبرى تحكمها توازنات القوة والقدرة على استمرارها، نظراً لتوفر الموارد والقدرات العسكرية والاقتصادية لديها، ونحن هنا أمام نموذج للحرب الكبرى بين روسيا وأمريكا وأوروبا، تقوم أوكرانيا فيه بدور الوكيل. وهناك دول استفادت من الحرب، خصوصا الصين والدول النفطية، ما منح هذه الدول دوراً أكبر للمساعدة في تخفيف تداعيات الحرب، والاستعداد للتوسط لإنهائها.

وقد تكون الصين، بقوتها وقدرتها وعلاقاتها وتأثيرها في روسيا، قادرة على تفعيل مبادرتها لإنهاء الحرب، وتفتح نافذة من للتفاؤل بالحل، خصوصاً أنها تقوم على ركيزتين، هما عدم ضم الأراضي بالقوة، وتفهم الدواعي الأمنية الروسية. لكن المعضلة هنا في الأقاليم التي ضمتها روسيا بعد استفتائها.

لذلك تبدو هذه الحرب أمام أكثر من سيناريو، الأول، هو السيناريو القبرصي بتقسيم الأراضي التي ضمتها روسيا. وسيناريو استمرار النزاع في إطاره القائم واحتوائه جغرافياً، وسيناريو الحل الدبلوماسي وتبنّي استراتيجية حفظ ماء الوجه لكل من روسيا وأوكرانيا، واستبعاد سيناريو النصر أوالهزيمة النهائية.

يبقى أن هذه الحرب قد غيرت من قواعد النظام الدولي القائم بالتحول نحو القطبية وسباق التسلح، ودخول دول مهمة في هذا السباق، مثل الصين والهند واليابان وألمانيا، حيث لم تعد الولايات المتحدة تملك عناصر الهيمنة الأحادية نفسها، وهذا قد يكون المفتاح لنهاية هذه الحرب قبل أن تتحول لحرب نووية الكل خاسر فيها.. وفي عصر اللايقين تبقى كل السيناريوهات قائمة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p86c62k

عن الكاتب

أكاديمى وباحث فلسطيني في العلوم السياسية متحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ومتخصص في الشأن السياسى الفلسطيني والخليجي و"الإسرائيلي". وفي رصيده عدد من المؤلفات السياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"