عادي
بصيرة فائقة لفرجينيا وولف

«مانيفستو» الحركة النسوية في ترجمة جديدة

22:40 مساء
قراءة 3 دقائق
4

القاهرة: «الخليج»

أصدرت دار العين للنشر والتوزيع، ترجمة سمية رمضان لكتاب فرجينيا وولف «غرفة تخص المرء وحده» وهو الكتاب الذي يعد بمنزلة مانيفستو الحركة النقدية النسوية في القرن العشرين، وهي الحركة التي وصلت أوجها في السبعينات، وضمت أسماء عديدة، وبدأت أدبياتها تتراكم ببطء منذ نهايات القرن الثامن عشر؛ حيث تواكبت مع أفكار الثورة الفرنسية في أوروبا، ومع حركة تحرير العبيد في أمريكا.

يظل كتاب جون ستيوارت ميل «قهر النساء» المرجع الأول للكثيرين في تأريخهم لأدبيات تلك الحركة في أوروبا، والتي تطورت كثيراً عن بداياتها الأولى في المطالبة بحقوق مبدئية مثل حق التعليم والتصويت في الانتخابات، حتى تشعبت منذ السبعينات من القرن العشرين، لتؤثر على نحو واضح في مناهج البحث الحديث في شتى المجالات مثل: الأدب والتاريخ والفلسفة وعلوم الاجتماع والأنثروبولوجيا وعلم النفس، مؤسسة لوجهة نظر مغايرة في تلك المجالات، تعتمد على التنقيب في الظروف، والبحث في الإنجازات والتأريخ لحيوات النساء.

لكن إشارة البدء لتلك الأدبيات التي التفتت إلى نوع من الظلم يقع على النساء لمجرد أنهن نساء، فهناك نص دفاع ماري جودوين الناري عن حقوق المرأة في التعليم والذي نشر عام 1792 أي قبل أن ينشر «ميل» كتابه بنحو 70 عاماً، وماري جودوين هي زوجة الفيلسوف والروائي الإنجليزي الموالي للثورة الفرنسية وليام جودوين وأم ماري شيللي التي عرفت بابتداعها شخصية فرانكشتاين في الرواية التي تحمل هذا الاسم.

من هنا كانت أهمية كتاب فرجينيا وولف «غرفة تخص المرء وحده» فالكتاب على صغر حجمه وبساطة الرسالة التي يحملها، والتي كثيراً ما اختزلت في جملة واحدة تقول: «إذا أرادت امرأة الكتابة فيجب أن تكون لها غرفة ودخل منتظم مهما كان ضئيلاً» إلا أن تلك النتيجة البسيطة والتي تنطبق على أي مبدع أياً كان جنسه، تؤصلها فرجينيا وولف في حالة النساء تأصيلاً مرهفاً إلى أبعد حد، وبنفاذ بصيرة فائق، متفحصة متأملة وفي الأساس متسائلة عن المعوقات والتوقعات والظروف الاجتماعية التاريخية التي أقعدت وأحبطت جهود النساء في إثبات ذواتهن والإفصاح عن رؤيتهن للعالم.

تقول سمية رمضان: من خلال هذا الجهد المتأني في طرح المسألة الذي استخدمت فرجينيا فيه أسلوباً، تعارفنا على تسميته في العربية «تيار الوعي» لا يتكشف لنا فقط كم التعسف والظلم الذي وقع على النساء، وإنما الأسباب التي أعاقت جهودهن في درء الظلم ومدى الجهل الذي أحاط بحيوات النساء والتعتيم الذي عانته إنجازاتهن، مما كرّس لفكرة دونية المرأة وعدم صلاحيتها للأعمال التي تتطلب الهمة والدأب الفكري أو «العبقرية».

كيف كانت حياة النساء في إنجلترا قبل القرن الثامن عشر؟ تتساءل فرجينيا وولف: لماذا لم تستطع أمهاتنا جمع ثروة تكفي لبناء الكليات للبنات على غرار ما كان يفعل الآباء للأبناء؟، ما معيار الكتابة الجيدة في حالة المرأة التي تستخدم الكتابة للتعبير عن الظلم الذي تشعر أنه واقع عليها؟، ما العلاقة بين الكتابة والجنون؟ هل هناك قيم أنثوية وأخرى ذكورية؟

طرحت فرجينيا وولف في كتابها مجمل الأسئلة التي قامت عليها حركة لا تنتهي من البحث في تاريخ النساء، وخصوصية كتاباتهن، ومظاهر مقاومتهن، وماهية الضغوط الواقعة عليهن، ولا تزال تساؤلاتها وتوصيفها لمعوقات البحث في تلك المجالات تلهم الكثيرين والكثيرات بالكشف المتأني والجهد الموضوعي، لا في مجال النقد الأدبي فقط، كما قد يتراءى للبعض، ولكن أيضاً في التاريخ الثقافي والعلوم الاجتماعية، وحتى الطب وعلم النفس.

صراع مع الجنون

انتحرت فرجينيا وولف وهي في التاسعة والخمسين، وكان صراعها مع ما كانت تسميه «الجنون» قد بدأ وهي في الثالثة عشرة، واتفق الأطباء معها وقتها على هذا الوصف للنوبات التي كانت تعتريها بحدة، تصعد وتخفت وتتسم بعدم القدرة على النوم والأكل والتركيز وفقدان الثقة التام في النفس: «لقد فقدت قدرتي على صياغة الكلمات، لا أستطيع أن أفعل أي شيء بالكلمات».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5n8nvu6d

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"