متلازمة الآخر

00:40 صباحا
قراءة دقيقتين

يحيى زكي

احتفلت الأمم المتحدة، أمس الأول 15 مارس، بأول يوم عالمي لمكافحة «الإسلاموفوبيا». وفي تقرير صدر عن المنظمة الدولية، فإن الشك والتمييز والكراهية الصريحة تجاه المسلمين في المجتمعات الغربية وصلت إلى أبعاد وبائية.

الملاحظة الأولى تجاه هذا الاحتفال، أنه مر من دون أن ينتبه إليه أحد في العالم الإسلامي، من دون نقاشات أو حوارات أو عصف ذهني حول ظاهرة «الإسلاموفوبيا»، جذورها وأبعادها وما يمكن فعله للحد منها.

الملاحظة الثانية تتمثل في سؤال هل يساعد مثل ذلك الاحتفال في علاج الظاهرة ومن ثم اختفائها؟ أي هل يتوقف النظر إلى المسلم بناءً على عقيدته أو زيه أو سلوكه؟ أما السؤال الأهم فهو لماذا تزايدت معدلات هذه الظاهرة في السنوات الأخيرة؟ إلى درجة أن تعتبرها الأمم المتحدة بمثابة الوباء.

البعض يلقي بعبء «الإسلاموفوبيا» على بعض المسلمين الذين يعيشون في الغرب وعدم قدرتهم على الاندماج في المجتمعات هناك، يعيشون في جماعات مغلقة ويرفضون قيم وطرائق الحياة الجديدة، ما يجعل الآخرين يواجهونهم بالريبة والتوجس والرفض والخوف، والبعض الآخر يرى أن المسألة بأكملها صناعة إعلامية، حيث صورت ماكينات الإعلام هناك المسلم بوصفه ذلك الشخص العابس المتجهم الكاره للحياة، والذي يمكن أن يتحول إلى إنسان متطرف وعنيف في أية لحظة. وفريق ثالث يؤكد أن تلك الظاهرة بدأت بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وبحث الغرب عن كيان جديد يكون بمثابة آخر سياسي وحضاري له، ثم تفاقمت الظاهرة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، وحالة الرعب التي سادت أمريكا من الإرهابيين أو «الجهاديين الإسلاميين».

ولكن نادراً ما تطرق أحدهم إلى مفهوم الآخر في الروح الغربية، ويبدو أنه متأصل هناك في التاريخ والثقافة، وسنلحظ أن الإسلام خلال تفوقه الحضاري في العصور الوسطى الأوروبية كان يُنظر إليه بخوف وحذر، ولم يكن ذلك الكيان الحضاري المتفوق الذي يجب التعلم منه ودراسة تجربته في التقدم كما نفعل نحن الآن تجاه الغرب، ولكنه كان ذلك «البعبع» المتقدم علمياً والمثير للذعر سياسياً وعسكرياً، أي أن الغرب في أقصى مراحل ضعفه كان يتوجس من المسلمين، وفي فترة الاستعمار الحديث نظر إليهم بفوقية وبوصفهم شعوباً متخلفة لا يمكنها أن تمثل حضارتها، وترددت المقولة الشهيرة «الغرب غرب والشرق شرق ولن يلتقيا».

هناك ضرورة أمام ظاهرة «الإسلاموفوبيا» إلى دراسة تطور صورة الإسلام والمسلمين في الغرب في مختلف المراحل التاريخية، لندرك أنها صورة راسخة لا تنبع من المسلمين أنفسهم بقدر ما تتعلق بفكرة اختراع الآخر في الثقافة الغربية، وهو آخر متعدد الوجوه، وأدى وظائف مفصلية في تاريخ الغرب، منها التمهيد للغزو واحتلال الأرض، أو التبرير لإبادة الشعوب الأصلية في أكثر من مكان، أو الانتصار في سباقات التسلح والهيمنة على العالم عسكرياً واقتصادياً.

صحيح أن هناك شعوباً أخرى مارست الغزو والنهب ودخلت في مضمار السباق الحضاري، ولكن الغرب وحده هو ذلك المريض بمتلازمة الآخر التي صاحبته في مراحل ضعفه وقوته.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5aevsrwd

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"