عادي
شهد في المدة الأخيرة انتشاراً ملحوظاً

التسوّل.. أساليب وفنون مبتكرة بحسب المواسم والمناسبات

01:21 صباحا
قراءة 7 دقائق
2

تحقيق: محمد الماحي
التسوّل ظاهرة اجتماعية قديمة في وجودها، احترفها بعضهم ودفعت الكثير إلى ابتكار أساليب جديدة يتبعونها بحسب المواسم والمناسبات، بل حتى فصول العام لها أنماطها للمتسول.

وشهدت المدة الأخيرة انتشاراً ملحوظاً لأشخاص معظمهم من دول آسيوية، أو عربية، يمارسون التسول بأدوات جديدة لم يألفها المارّة، فلم يعد المتسوّل يكتفي بالجلوس في إشارة المرور، منتظراً مد يد العون له والمساعدة، بل بات أقرب إلى تقمص أدوار كثيرة، تبدأ بالتستر ببيع السلع الصغيرة، مثل المناديل والسبح، وكتب تفسير القرآن، والمياه المعدنية بين المارة والسائقين، وطَرق أبواب المنازل بمظهر أنيق، لاستثارة العطف والشفقة لدى الناس للحصول على المال. وتنوعت طرائق التسوّل إلى أن وصلت إلى فتيات يتمتعن بقدر كبير من الجمال، يطرقن أبواب المنازل لطلب المساعدة المالية لأسباب مختلفة، فضلاً عن التسوّل داخل مراكز التسوق، إذ يحاول المتسول استدرار عطف المتسوقين، والادعاء بعدم قدرته على دفع قيمة وجبة الإفطار، ما يدفع بعضهم إلى مساعدته.

هذا الوضع دفع الأجهزة الأمنية والقانونية، إلى التدخل، ودعت وزارة الداخلية، المجتمع إلى التعاون مع أجهزة الشرطة في الإبلاغ عن المتسوّلين، والحذر في الوقت ذاته من أساليبهم الاحتيالية، وأطلقت كتيّب «كافح التسوّل» عبر تطبيقها الذكي، ويتضمن ومضات قانونية للتعريف بالتسوّل، والتسوّل المنظم، والقوانين الخاصة بمكافحة هذه الآفة المجتمعية، وحالات العقوبات المرتبطة بهذه القوانين، ووسائل الإبلاغ والتعامل السليم مع حالات التسوّل، ونصائح توعوية، وكل ذلك في 6 لغات: العربية والانجليزية والهندية والصينية والفلبينية والأوردو والماليالامية.

العقوبة والغرامة

وأوضحت النيابة العامة الاتحادية، أنه يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر وبالغرامة التي لا تقل عن 10 آلاف درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من ارتكب جريمة التسول باستخدام وسائل تقنية المعلومات من خلال الاستجداء، أو بأية صورة، أو وسيلة.

وحذرت خلال حملة أطلقتها للتعريف بالتسول وآثاره المجتمعية السلبية، عبر منصاتها الرسمية، من ارتكاب التسول، عبر مجموعة منظمة من شخصين، أو أكثر، للحصول على المساعدات المالية، بغير وجه حق، وبالطرائق التي يعاقب عليها القانون. وأظهرت التحقيقات أن معظم الحالات التي ضُبطت واستجوبت، استخدمت حيلاً كاذبة، وأعذاراً وعاهات مصطنعة، للتغرير بالمحسنين وحملهم على دفع المال لهم.

أدوار عدة

«الخليج» رصدت أساليب المتسوّلين الاحتيالية، التي تتطور بحسب المواسم والمناسبات وفصول العام، ومؤثرة في كثير من الأحيان للآخرين الذين يبادرون بالمساعدة، وأبرز هذه الأساليب التسول الأسري بقيادة السيارات الفارهة باعتبارها أحدث صيحات المتسولين.

وأشار المقيميون محمود مصطفى، ومصعب محمد، وسامي حدباي، إلى إيقافهم من متسولين يرتدون الزي الخليجي، ويتحركون بسيارات دفع رباعي، داخلها أطفال ونساء، لإكمال الصورة بأنهم أسرة، ويدّعون قدومهم من دولهم للعزاء، أو لحضور مناسبة، وحدث طارئ لهم، ويحتاجون لأموال لتعبئة السيارة بالوقود، وإحضار الطعام لأطفالهم، مع وعد بإعادة الأموال.

وقال المواطن خالد الزارعي، إن أساليب المتسوّلين الاحتيالية، في تطور مستمر بهدف خداع أفراد المجتمع، والاستيلاء على أموالهم، وروى قصته مع أحد المتسوّلين المبتكرين لفنون التسول في مركز تسوق، والذي بادره بالسلام وهو يرتدي أحسن الثياب ويقتني أحدث الساعات، بأعلى درجة من العلم والفهم، ويدّعي انه انقطعت به السبل بعد أن ترك كل مقتنياته من هاتف ومحفظة في سيارة صديقه الذي أوصله إلى هنا، ويقول الزارعي انطلت عليّ حيلته وقدمت له المساعدة التي طلبها بكل لباقة واحترام، وبعد مدة، وأنا في مركز تسوق آخر شاهدت الشخص نفسه، يحتال على آخرين بالطريقة نفسها.

ويتفق المواطن سعيد مطر، مع ما سبق ويضيف «أصبح المتسوّل يتقمص أدواراً عدة، أبرزها بيع الورد والمياه المعدنية، والبخور والآيات القرآنية والسبح، بصورة مخالفة للوائح التي تنظم ممارسة المهن التجارية. مشيراً إلى أن التسوّل يشوّه المنظر الحضاري للدولة، ويتطلب تكاتف شرائح المجتمع كافة، لمواجهته ومحاربته، والقضاء عليه، يبدأ من الفرد وليس الدولة، ففي حال الامتناع عن منح المتسوّلين أموالاً سيتناقص عددهم وتختفي الظاهر».

أما أحمد سنهوري، الذي يسكن في إحدى البنايات في أبوظبي، فيقول إنه رأى متسوّلات يبتكرن أساليب جديدة، إذ فوجئ بفتيات يتمتعن بقدر كبير من الجمال، يطرقن أبواب المنازل لطلب المساعدة المالية.

وقال إنه تعرض لوسائل جديدة للتسول، إذ طرقت في أحد الأيام باب شقته فتاة «جميلة جداً»، وتطلب مساعدة مالية، وتحمل ورقة تثبت أنها مريضةن وفي حاجة إلى علاج، وأنها في حاجة إلى إجراء عملية جراحية مختومة من إحدى المؤسسات الطبية.

وقالت المواطنة مريم الحمادي، إن الظاهرة قلت كثيراً في المجتمع الإماراتي، مقارنة بالأعوام الماضية، ولكنها اتخذت أشكالاً جديدة، وتعرضت لأكثر من مرة لمتسوّلين يطلبون منها المساعدة.

وتابعت «عكف متسوّلون أخيراً على ابتكار أساليب وحيل جديدة لاستغلال المجتمع الذي عودته الفطرة، وأرض هذا الوطن على العطاء والبذل، متخذين طرائق عدة، تختلف باختلاف الزمان والمكان».

نشاط مغرٍ

أصبح نشاط التسوّل في دبي مغرياً، حتى إن هناك من السياح من يقصدها خصيصاً، لتحقيق ثروة بممارسة التسوّل فيها، هذا الوضع دفع الإدارة العامة للإقامة وشؤون الأجانب في دبي، إلى اتخاذ إجراءات صارمة، لضمان ردع هذه الممارسات، ففرضت ضوابط واشتراطات على الشركات السياحية، للتدقيق على الأشخاص الذين يفدون بتأشيرات سياحة.

وقامت شرطة دبي بانتهاج استراتيجية جديدة لرصد المتسوّلين وضبطهم، في إطار حملتها السنوية لمكافحة التسوّل، عبر خريطة ضوئية ترصد أكثر الأماكن التي يقصدها المتسوّلون، لتكثيف الوجود الأمني فيها، وردع هذا السلوك.

وأطلقت شرطة دبي، بالتعاون مع شركائها، حملتها السنوية «كافح التسول»، تحت شعار «التسول مفهوم خاطئ للتراحم»، وأسفرت عن ضبط 604 أشخاص، خلال العام الماضي، فيما شهدت تجاوباً لافتاً من قبل أفراد الجمهور، إذ تلقت 2235 بلاغاً عن حالات تسول عبر المنصات المختلفة لشرطة دبي، بحسب العميد سعيد سهيل العيالي، نائب مدير الإدارة العامة للتحريات والمباحث الجنائية لشؤون الإدارة والرقابة.

وحثت شرطة أبوظبي أفراد الجمهور على الإبلاغ عن حالات التسول عبر مركز القيادة والتحكم «999»، مؤكدة خطورة جريمة التسول وآثارها في سلب الصدقات من محتاجيها.

ودعت إلى توجيه المساعدة لمستحقيها من خلال الجمعيات الخيرية الرسمية المعتمدة لدى الدولة، بما يعزز الجهود الوقائية، ويرسخ الأمن والاستقرار، على نحو يجسد الشراكة المجتمعية.

وشددت إجراءات الضبط بحق المتسولين، إذ ضبطت 159 متسولاً خلال الفترة من 6 نوفمبر/ تشرين الثاني، ولغاية 12 ديسمبر/ كانون الأول الماضيين، على مستوى إمارة أبوظبي، مؤكدة استمرار جهودها في التصدي لآفة التسول، التي تسيء للوجه الحضاري للمجتمع، باعتبارها من أشكال النصب المبطّن باتباع أساليب احتيالية مضللة.

وحددت الحكومة الرقمية لدولة الإمارات 7 قنوات رسمية مخصصة للإبلاغ عن المتسوّلين في إمارات الدولة كافة، مؤكدة أن الدولة تحظر التسوّل الذي يتمثل في استجداء الآخرين بهدف الحصول على منفعة مادية، أو عينية، بأي صورة أو وسيلة. ودعت المواطنين والمقيمين في الدولة للاتصال بهذه القنوات للإبلاغ عن المتسولين.

الأمن الاجتماعي

وشدد متخصّصون خلال حوارهم مع «الخليج» على أن القانون وحده لا يكفي للقضاء على الآفة، ويتطلب الأمر تعاون جميع أفراد المجتمع، مشيرين إلى ضرورة رفع سقف الوعي المجتمعي حيال هذه الأفعال التي تحولت إلى مهنة تعرّض الأمن الاجتماعي للخطر.

2
نواف النعيمي

ويقول نواف النعيمي، الاختصاصي النفسي والاجتماعي إن التسوّل ظاهرة طارئة على المجتمع الإماراتي، بدأت بالانتشار وأخذت أشكالاً وأساليب جديدة وخادعة. مشدداً على التصدي لهذه الظاهرة غير الحضارية.

وأكد خطورتها وضرورة تضافر الجميع للقضاء على هذه الظواهر، خصوصاً أن المتسوّلين محترفون، وغالباً ما يكونون مخالفين لشروط الإقامة القانونية، أو زائرين يأتون إلى البلاد بتأشيرات زيارة ويغيرون أساليبهم بما يتناسب والأوضاع المحيطة.

وحذر النعيمي من التعامل مع المتسوّلين، لأن تقديم المال لهذه الفئة يساعدها على نشر الجريمة في المجتمع. لافتاً إلى أن أغلبية المتسوّلين يرون التسوّل مهنة لجني الأموال، على الرغم من عدم وجود حاجة فعلية إلى ذلك، لأن هنالك جهات خيرية وإنسانية مختصة، تتسلّم أموال الصدقات وتوزعها على المستحقين.

1
آمنة الشامسي

وتتفق آمنة الشامسي، من جمعية عجمان للتنمية الاجتماعية، مع ما سبق وتضيف إليه أن «مظاهر التسوّل لم تعد قاصرة على وقوف رجل أو امرأة أمام مسجد، أو مستشفى، أو بقالة، أو داخل مواقف مراكز التسوق لمدّ اليد، أو دفع بعض الأسر بأطفالها إلى الشوارع للتسوّل والحصول على الغنائم، بل تطورت الأساليب مع تطور وسائل التواصل، وبات المتسوّلون يعملون من داخل الأماكن التي يختبئون فيها، عبر مواقع التواصل، وتطبيقات المحادثات للحصول على أموال المحسنين».

وشددت على أن التسوّل دخل الدولة نتيجة للانفتاح على ثقافات متعددة. لافتة إلى أن شبكات التسول تدخل الدولة لجمع المال تحت غطاء السياحة، الأمر الذي يضر بالمجتمع لكون المتسوّل عاملاً غير منتج مجتمعياً، كما يؤدي التسوّل إلى تشويه الوجه الحضاري للدولة، خصوصاً أن بعض المتسوّلات يتعمدن لبس الزي الإماراتي، ويمكن أن يكون المتسوّل بؤرة أمراض متحركة، لوجوده المتواصل في الشارع.

مشروع احتيالي يستغل المشاعر

2
عبدالله الكعبي

يرى المحامي عبدالله الكعبي، أن التسوّل مشروع احتيالي يستغل مشاعر المواطنين والمقيمين، كما أنه يهدد أمن المجتمع. مشيراً إلى أن القانون دعا إلى عدم التعامل مع المتسوّلين الذين يستغلون الأوضاع، ويختلقون حيلاً وقصصاً مضللة لاستثارة العطف والشفقة لدى الناس، من أجل الحصول على المنفعة والمال.

وأشار إلى أن المشرّع الإماراتي نصّ على أن يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، والغرامة التي لا تقل عن 100 ألف درهم، كل من أدار جريمة التسوّل المنظم الذي يرتكب من مجموعة منظمة من شخصين أو أكثر. ويعاقب بالعقوبة ذاتها كل من يستقدم أشخاصاً للدولة، ليستخدمهم في جريمة التسوّل المنظم.

وقال إن هناك مؤسسات وجهات مختصة تصل للمحتاجين والمتعففين، الذين يستطيعون الوصول إليها، لذا يتحتم على أفراد المجتمع الحذر من المتسولون. مؤكداً أهمية تكاتف جهود الجهات المعنية، وشتى شرائح المجتمع للحدّ من التسوّل.

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/59rhv6kd

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"