الحرب مستمرة

00:29 صباحا
قراءة دقيقتين

علي قباجه

بات من المُسلمات، استمرار الحرب الروسية-الأوكرانية، فمن غير الوارد على المدى القريب، التوصل إلى حل يفضي إلى إنهاء النزاع الضاري، الذي يستنزف الجيشين بشرياً ومادياً، مع استماتة الطرفين في المعارك، خصوصاً في إقليم دونباس، وتحديداً باخموت، فكل طرف يحاول تحقيق تقدم فيها، مهما كانت الأثمان. أما على الصعيد الدولي فإن الحرب دفعت العديد من الدول الكبرى إلى التموضع والتحفز أو التدخل؛ لتعزيز حضورها العالمي، فالصين تدخلت مؤخراً بقوتها الناعمة لحل الصراع، على الرغم من تشكيك الغرب بحياديّتها؛ بينما دول أوروبا وأمريكا ودول شرق آسيا الحليفة بدأت بمضاعفة ميزانياتها العسكرية، تزامناً مع تكثيف كوريا الشمالية «عدوة الغرب» تجاربها الصاروخية.

 في الميدان، روسيا حسمت موقفها، بأن الكلمة الآن لهدير المدافع فقط، فالكرملين أكد «أنه من غير الوارد، التوصل إلى حل سلمي في أوكرانيا، ما لم تعترف كييف بالحقائق الجديدة للوضع»، وهو ما ترفضه أوكرانيا والغرب أجمع، بل إن سقف طموحهم ارتفع إلى استعادة جزيرة القرم، وهو ما يظهر الآن في باخموت؛ حيث يحاول كل طرف كسر الآخر، فهذه المعركة تمثل نقطة فارقة للطرفين، فموسكو تعتبر الانتصار فيها أمراً مهماً لتحطيم معنويات أعدائها، ومقدمة للسيطرة على مدن استراتيجية أخرى بعد كسر دفاعات هذه المدينة، بينما أوكرانيا ترى أن الاستمرار فيها وعدم الانسحاب، رسالة لروسيا بأنها ستواجه استبسالاً، ولن تكون لقمة سائغة لها، بافتراض أن المعارك التي تدور على كل متر منها ستكون مشابهة أيضاً في المدن الأخرى إذا فكرت روسيا المضي نحوها.

 ومما يكشفه الميدان أيضاً، أن روسيا وضعت نصب عينيها نهج النفس الطويل، فهيأت نفسها لحرب طويلة، تستنزف من خلالها أوكرانيا، والغرب كله، الذي لا يتوانَى عن تقديم الدعم غير المحدود لكييف، لدرجة أن المخازن الأوروبية أصبحت تواجه نقصاً شديداً في الذخائر؛ وبذلك تكون موسكو قد جعلت الدائرة تدور على غرمائها الذين حاولوا إطالة أمد النزاع لإنهاكها، فروسيا قابلتهم بالسياسة ذاتها، وبالفعل فإنهم الآن يتألمون اقتصادياً وأمنياً وسياسياً.

 للحرب هذه ارتدادات سياسية أيضاً، فهي أعادت الاصطفافات العالمية بشكل واضح؛ إذ ثمة محوران بارزان يعاد تشكيلهما، الأول يضم روسيا والصين والحلفاء الذين ينتشرون في قارات مختلفة، والآخر «الناتو» وعلى رأسه أمريكا والدول التي تدور في فلكها؛ إذ إن التكتلين يسعيان بجدية إلى إسقاط كل منهما للآخر، والتهيؤ لمواجهة شاملة قد تندلع في لحظة ما. فها هي بريطانيا ترى بأن الصين وروسيا تمثلان تحدياً للنظام العالمي، وحذرت من شراكة بكين العميقة مع موسكو، وتشترك معها بالرأي واشنطن والكثير من الدول المتشابهة في سياساتها.

 لكن موسكو وبكين لا يؤكل لحمهما بسهولة، واستشراس الغرب لإخماد طموحهما العالمي سيقابل بردات فعل عنيفة، قد يحترق الجميع بها؛ لذا فإنه ليس هناك مناص من الحوار، فخروج منتصر في أي حرب عالمية مقبلة، سيكون أضغاث أحلام؛ لأن الجميع يملك ما يدمر العالم، والجميع منهزم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2s37bsmr

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"