عادي

طلّة متألقة للبطائح في «أيام الشارقة التراثية»

18:11 مساء
قراءة 8 دقائق
أيام الشارقة التراثية في البطائح
أيام الشارقة التراثية في البطائح
أيام الشارقة التراثية في البطائح
أيام الشارقة التراثية في البطائح
جانب من محاضرة
صورة توقيع الكتاب
جانب من المحاضرة
كلمة د.عبدالعزيز المسلم

طرق الزائرون على الباب القديم ففتحت أمامهم القرية التراثية في البطائح، إيذاناً ببدء وانطلاق فعالية أيام الشارقة التراثية في دورتها العشرين، بحضور الشيخ ماجد بن سلطان القاسمي، رئيس دائرة شؤون الضواحي والقرى، والشيخ محمد معضد بن علي بن هويدن الكتبي، ود.عبدالعزيز المسلّم، رئيس معهد الشارقة للتراث، ومحمد عبدالله بن حليس الكتبي رئيس المجلس البلدي لمنطقة البطائح، وعبدالله سلطان بن سلومة الكتبي، مدير بلدية البطائح، وعدد من رؤساء وممثلي الدوائر والمؤسسات الحكومية بالمنطقة.

إقبال كبير، واختيار بارز للمكان، وتوزيع ماهر للأروقة، وإعداد الفقرات والفعاليات التي أمتعت الجمهور بالفنون والتقاليد والحرف ومباهج البيئات المحلية فقابلوها بالتصفيق والهتاف، والتفاعل اللافت مع مفردات الفعاليات المختلفة لاسيما عرس البدو، والموسيقا الشعبية والبدوية، والرزفة الإماراتية، ومظاهر الصقور والجمال، وسوق الفريج بمرافقه التراثية التي خصص منها ركن للأسر المنتجة تعرض فيها المقتنيات المحلية القديمة والأكلات الشعبية.

هنأ د.عبد العزيز المسلم، منطقة البطائح على جمال التنظيم ودقته وروعته، وقال: «البطائح جسدت بأبهى صورة شعار «التراث والابداع» في فعاليات الأيام، حيث جاءت منسجمة مع متطلبات البيئة الشعبية، ومتوافقة مع اهتمامات الزائرين الذين وجدوا في الفعاليات فرصة لزيادة معلوماتهم حول الترث والاستمتاع بأوقات جميلة ونافعة».

وضمت القرية الكثير من الحرف الشعبية، وأعجب الزائرون (بالمطوع) وهو يعلم طلابه قراءة القرآن في (الجزو) بمهارة، وظهر من بين الصور جد يداعب حفيدته على الأرجوحة (المريحانة) دلالة على ديمومة التراث والتقاليد بين الأجيال، وكانت الألعاب الشعبية للأطفال من أجمل الفقرات، وهي تحتضن لعبة (عربانة الحديد) للأولاد، و(الجحّيف) للبنات اللواتي ظهرن بشكل رشيق وهن يلعبن بمرح ويتنافسن بمهارة على قدم واحدة بالقفز المصحوب بتحريك الجحف بأصابع القدم إلى نهاية اللعبة للحصول على الفوز.

تجارب في الإبداع التراثي

استضافت أيام الشارقة التراثية محاضرة ثقافية عقدها المقهى الثقافي في متحف بيت النابودة في منطقة ساحة التراث بعنوان (إبداعات تراثية: ملامح وتجارب) شارك فيها الباحث والأكاديمي د.حمد بن صراي، وناصر الدرمكي مدير إدارة التخطيط والسياسات بهيئة الشارقة للمتاحف، والباحث طلال الرميضي من دولة الكويت الشقيقة، وأدار المحاضرة د.عادل الكسادي بمعهد الشارقة للتراث.

وأكد د.حمد بن صراي على وجود ترادف وتلازم وثيقين بين التاريخ والتراث، وهو ما استخلصه وتوصل إليه من تجربته الأكاديمية الطويلة وعمله الميداني في المجال التراثي، مشيراً إلى أن المنهجية التاريخية حين تطبيقها على المباحث التراثية تؤكد مكانة وأهمية هذا التراث، والذي نتناقله عن الآباء والأجداد.

واعتبر صراي عنصر الإبداع في التراث والموروث الشعبي جزءاً أصيلاً من الحياة الثقافية في الإمارات، ويشكل المجتمع نواة ديمومة وتطور هذا التراث وتداوله، من خلال إعادة التصنيع، وتقبله من أفراد المجتمع، موضحاً أن تطور التراث يكون عبر استعادة ذاكرته واستنطاق رواته، ولا سيما كبار السن الذين هم أكثر وعياً وإدراكاً من بعض المثقفين قليلي الخبرة والمعايشة للتراث، كون كبار السن أشخاصاً مبدعين ويحملون في أنفسهم ما يمكن تسميته بالعقلية الجمعية المتراكمة والتاريخية الكاملة والمتفاعلة مع العصر، ولكل واحد منهم حكاية تحمل في طياتها قصة الأديب والمثقف والشاعر والكاتب والقاص والرسام والفنان.

ودعا صراي إلى العمل على جَسر الفجوة القائمة حالياً بين الناقلين والمستقبلين للتراث، حيث يتم هذا الانتقال بطريقة غير صحيحة، مشدداً على ضرورة الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي وتوظيف أثرها العميق في تعزيز الثقافة التراثية والعناية بالموروث.

وأكد أن أيام الشارقة التراثية بفعالياتها وأنشطتها المتواصلة طوال عشرين عاماً من أهم مشاهد الإبداع في الحقل التراثي، والنجاح في تلمس حياة المبدعين في هذا الجانب والتعريف بخطواتهم ومسيرتهم، والربط بين الجانبين العلمي والمادي في تقديم تراث الإمارات ببعديه المشهود والمكتوب، وتزويد الباحثين في التراث بالممكنات العلمية والتدريبية.

وتحدث ناصر الدرمكي حول الإبداع المتحفي ضمن محور الحفظ والصون، والتعريف الجديد المعتمد من المجلس الدولي للمتاحف حول مفهوم المتحف.

وذكر الدرمكي أن هيئة الشارقة للمتاحف تضم 550 موظفاً وموظفة، وتدير 16 متحفاً متخصصاً، تخدم جميع الفئات المجتمعية وأصحاب التخصص العلمي، كاشفاً أن هذه المتاحف استقبلت مليون زائر، ويتم تقديم 1100 برنامج تعليم سنوياً يستفيد منها حوالي 80 ألف شخص.

واستعرض الدرمكي القوانين والتشريعات المنظمة لعمل المتاحف والآثار والتراث الثقافي في إمارة الشارقة، وأهمية هذه البنية القانونية في حماية التراث وتطوير العمل في هذا الميدان.

وذكر أن عدداً من المشاريع التطويرية لعدد من المتاحف في مراحلها النهائية، حيث من المستهدف أن يتم إعادة افتتاح متحف مدرسة الإصلاح وبيت الشيخ سعيد بن حمد القاسمي بكلباء خلال الفترة المقبلة، حيث تعتمد الهيئة على فريق محلي ماهر ومتخصص في تطوير وإعادة إحياء المتاحف.

وتحدث حول دور الهيئة في نشر الإصدارات التخصصية في مجال التراث والآثار وإجراء البحوث بالتنسيق مع الجامعات والجهات الأكاديمية.

واختتم الدرمكي ورقته باستعراض عدد من المبادرات النوعية والتطويرية التي تقدمها الهيئة حالياً ومنها مبادرة متاحف على الطريق، وتجربة الواقع المعزز لاستعراض قصة نصب المقاومة في مدينة خورفكان، والتعاون بين الهيئة وإدارة المؤسسة العقابية والإصلاحية، وغيرها من المبادرات المرتبطة بالمقتنيات والمخطوطات والأعمال التركيبية والنحت.

وكانت ورقة طلال الرميضي حول تجربة أهل الخليج في الغوص على اللؤلؤ في بدايات القرن العشرين في جزيرة سيلان (سريلانكا حالياً)، والتي كانوا يقومون بها في نهاية شهر فبراير من كل عام، ويقطعون الطريق بحراً من الخليج العربي إلى تلك المنطقة البعيدة، طالبين الرزق الحلال.

واستعرض الرميضي مشاهد مختلفة من معاناة الآباء والأجداد في هذه التجربة التي لم تكن تخلو من الصعوبة والقسوة والتضحية، ولا سيما مع وجود المستعمر الإنجليزي وسيطرته على تلك المناطق في الهند وجنوبها، واستئثارهم بالنصيب الأكبر من حصيلة اللؤلؤ.

أصالة محلية بنكهة عالمية

عقد مركز التراث العربي التابع لمعهد الشارقة للتراث جلسة ثقافية شارك في تقديمها د.عماد بن صولة، ود.أسمهان بن بركة ود.الناصر البقلوطي حول (الهريسة التونسية.. المعرفة والمهارات والطهي والممارسات الاجتماعية)، وذلك ضمن فعاليات أيام الشارقة التراثية.

استهلت د.أسمهان بن بركة، الباحثة بالمعهد الوطني للتراث في تونس، حديثها ببيان أن الهريسة من أبرز عناصر تراث تونس الثقافي غير المادي.

واستعرضت بن بركة أهم المهارات والتقنيات المرتبطة بإعداد الهريسة مع شرح لمختلف المراحل التقنية التي يخضع لها تحضير الهريسة، وما تجسده من معارف متصلة بزراعة الفلفل وتجفيفه قبل تحويله إلى عجينة طيعة تمزج ببعض البهارات وزيت الزيتون وصولاً إلى أكلة الهريسة التي ينفرد بها المطبخ في المجتمع التونسي.

وعادت المحاضِرة إلى الجذور التاريخية لهذا العنصر الذي ارتبط بالإسبان والأندلسيين خلال فترة استيطانهم في الأراضي التونسية ولا سيما في القرن السابع عشر الميلادي.

وتعلقت مداخلة د.عماد بن صولة بالأبعاد الاجتماعية والرمزية للهريسة، موضحاً أن الهريسة ولو أنها تحمل وظيفة غذائية نفعية، جعلت منها طعاماً لا غنى عنه وعنصراً مميزاً للمائدة التونسية، فإنها تنطوي أيضاً على أبعاد وممارسات اجتماعية تجسد ثقافة كاملة في البيئة المحلية التونسية، بالاستناد إلى خصوصية مذاقها وشكلها ولونها وشحنتها الرمزية، حيث إن لها مظاهر من الاستعمال الطقسي المميز، والنابع من الخيال الشعبي الذي يحتفي بالقوة والطاقة والحيوية.

وذكر بن صولة في هذا الاتجاه أن الهريسة تستعمل في تونس لأغراض ووظائف علاجية لبعض أصناف الزكام والحمى، كما أن حبات الفلفل تتخذ للوقاية من الحسد والعين الشريرة من خلال تعليقها على المنسج (السدو)، والنساء تستعمل قرون الفلفل على شكل قلادات.

واختتم الدكتور الناصر البقلوطي مداخلات الجلسة، بالحديث عن الجهود المبذولة من قبل الفرق المعنية والتي توجهت بتسجيل الهريسة التونسية ضمن القائمة التمثيلية لعناصر التراث الثقافي غير المادي لدى منظمة اليونيسكو في 1 ديسمبر 2022. حيث استعرض مراحل إعداد وتقديم الملف، وبما يشمل مقدمات الملف وبطاقات الحصر واستمارات الترشح والحصول على الموافقات والإفادات اللازمة من الجماعات والمجتمعات المحلية المرتبطة بالهريسة التونسية، كما اطلع الحضور على مقطع مرئي يبين بإيجاز جميع مراحل إنجاز الملف، ودور المجتمع المحلي في إعداد الملف.

آلة العود.. الصناعة والاستخدام

في سياق متصل، عقد مركز التراث العربي محاضرة أخرى حول آلة العود العربية شارك في تقديمها كل من الفنان عمرو فوزي مسؤول صناعة وتدريس الآلات الموسيقية في بيت العود العربي بأبوظبي، للحديث عن هذه الآلة ودور بيت العود العربي في المحافظة عليها والتدريب عليها وتطويرها.

تحدث فوزي حول كيفية صناعة آلة العود ومكوناتها الأساسية ومصادر صناعتها من الخشب والأوتار، وتطور هذه الصناعة، ثم استعرض أشهر الأساليب الحالية في العزف عليها على المستويين العربي والمحلي الإماراتي.

وذكر أن العود يعتبر أبو الوتريات الذي تفرع عنه باقي الأدوات الوترية مثل الكمنجة والفيولا والشلو، ولهذه الآلة تاريخ عريق ضارب في القدم، حيث عثر على نقوش لها في المعابد والمنحوتات المصرية القديمية، وكانت موجودة في العصر الأكادي في العراق قبل 6 آلاف سنة.

ولفت إلى أن بيت العود يعكف حالياً على مشروع تدوين التراث الإماراتي في مجال آلة العود، وسيتم إصداره في مجلد كامل فور الانتهاء منه، كما كشف أن البيت في المراحل النهائية لصناعة وإنتاج 4 آلات عود عربية جديدة مبتكرة، حيث يتم العزف عليها بطريقة القوس، ويمزج الصوت بين الربابة والكمنجة، ما يعطي مساحة صوتية تقارب مساحة الكمنجة، ويمكن الاستفادة من هذه الأنواع الجديدة في إقامة أوركسترا عربية تعتمد على الآلات العربية فقط دون غيرها.

من جانبه، تحدث الموسيقار الدكتور مازن الباقر من السودان حول آلة العود واستخداماته المختلفة بشكل عام، وقام بعزف مقطوعات عربية متنوعة ومختلفة المقامات، كما قدم معزوفات بالموسيقى السودانية.

توقيع (..فارس الحكاية الشعبية) و(الإبداع ببصيرة تراثية)

شهد المقهى الثقافي توقيع كتابين جديدين، الأول للدكتور حمد بن صراي تحت عنوان (أحمد راشد ثاني - رحمه الله-.. فارس الحكاية الشعبية)، والثاني للدكتور خالد عمر بن ققه تحت عنوان (الإبداع ببصيرة تراثية – قراءة في 12 رواية).

يقول د.حمد بن صراي في مقدمة إصداره: هذا الكتاب يجمع دراسات متفرقة حول ما أصدره الراحل أحمد راشد ثاني في ميدان التراث مع إعادة صياغتها وترتيب أفكارها. كما يتضمن بعض الرؤى والأفكار والنقاشات حول الموروث الشعبي لدى أحمد وكيف تناوله من خلال عدد من مصنفاته. ومع تنوع مساهماته إلاّ أنه أبدع وأجاد وأحسن وأتقن وجد واجتهد ونوه وأشاد وانتقد وقوم وعلل وفسر.

وأضاف صراي أن ما نقوم به من مراجعة إصدارات الراحل، وما دون في ميدان التراث، هو تقويم لذلك الإنتاج المتميز ونقدم ما صنفه الأستاذ أحمد للقراء سليماً، منقحاً، واضحاً لا لبس فيه ولا غموض.

وأما د.خالد عمر بن ققه، فيقول إن كتابه الإبداع ببصيرة تراثية، هو قراءة في 12 رواية ببصيرة تراثية، لكُتّاب مختلفين في توجهاتهم وآرائهم ومواقفهم. ومعظمهم من الفضاء الثقافي العربي، وإن اختلفت أوطانهم وتاريخهم وعلاقاتهم بالآخر، مشيراً إلى أن هذه القراءات نشرت سابقاً في مجلة مراود الشهرية الصادرة عن معهد الشارقة للتراث ما بين ديسمبر 2022 ومارس 2023، كتابها من دول عربية هي: الإمارات، والجزائر، والمغرب، واليمن، والأردن، وتونس، وليبيا، والسعودية، بالإضافة إلى كاتب فرنسي، وروائية تركية.

واختتم: «هذا الكتاب تكفل بتقديم قراءة لكل رواية، حسب قربها أو بعدها عن التراث، وأيضاً بمدى توظيفها بعض جوانبه وأبعاده وقضاياه (أماكن، وأزمنة، وتواريخ، وقيم، وثقافات شعبية.. الخ)».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/npedj7y5

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"