التعاليم «الشومبيترية»

21:48 مساء
قراءة 3 دقائق

د. عبد العظيم محمود حنفي *

هناك دراسات اقتصادية تؤكد الإسهام الكبير لجوزيف شومبيتر في محاولته التعامل مع قصور مهم في التحليل الاقتصادي التقليدي فيما يتعلق بمعالجة تراكم رأس المال والنمو الاقتصادي. والأمر كذلك لكون أغلب مقولات هذا التحليل تنحو إلى التسليم بالشروط الاقتصادية باعتبار ما هي عليه، في المدى القريب. وتجسد إسهام شومبيتر في جانبين: أولاهما تقديم نظريته التقدم الاقتصادي، وثانيهما أن التغيرات البيولوجية قد لعبت دوراً حاكماً في هذه النظرية.

وكانت نقطة البداية عند شومبيتر تتمثل في دور أرباح الأعمال في نشوء النظام الرأسمالي، والتي كان يرى أنها توفر وظيفة تحفيزية مهمة. ويجدر أن نتذكر هنا أن الأرباح الزائدة على تلك التي تعد ضرورة باعتبارها عائداً تنافسياً عن المبالغ الرأسمالية المستمرة، كان ينظر إليها في التعاليم التقليدية الجديدة، بصفة أساسية، على أنها علامة على عيوب في السوق، وأنها تنتج عن شكل ما للممارسة الاحتكارية التي تسمح للبائع بالإمساك بجمهور المشترين كرهائن حق عليهم دفع الفداء. بينما توقع الأرباح، وظيفة أخرى تتمثل في إغواء المغامر المقدم على إقامة المشروع لكي يبدع، ولكي يحدث تشكيلات من المدخلات بما يمكن من خفض تكلفة الإنتاج أو تطوير منتجات جديدة تماماً.

وهكذا فإن الأرباح كان لها دور إيجابي ومنشط يتمثل في عائد المغامرة بإقامة المشروعات والتي لا يمكن للنمو الرأسمالي ولا للتطور أن يقوما بدونها.

يزيد على هذا أن هذه الأرباح يمكن أن تكون مؤقتة طالما أن المحاكاة من جانب المنافسين يمكن أن تؤدى إلى تآكلها. وجوهر الذى فعله شومبيتر أنه أضاف إلى ذلك النموذج نظرية في النمو والربح. وكان شومبيتر يعتبر أي شيء يزيد من كفاءة استخدام الموارد بمثابة إبداع.

وتمثلت تلك الأفكار لشومبيتر في كتابه «نظرية التنمية الاقتصادية»، والذي نشره للمرة الأولى بالألمانية في خريف 1911. وتلفت بعض الدراسات إلى واحد أو اثنين من جوانب الضعف الجلية في هذه النظرية التي تسمى في بعض الأحيان «شومبيتر الأول»، حيث تمثل هذه الجوانب بدقة النقاط التي يمكن أن يبدأ منها تطوير إدراك كامل لدور العلم والتكنولوجيا في عملية التصنيع.

فبينما كانت نظريته، تمثل تقدماً، فإن شومبيتر كان يعيش في عالم الصناعة الحرفية في القرن التاسع عشر حيث كانت تمارس «التنافس الكامل» مؤسسات عديدة صغيرة تمتلك كل منها قوة سوقية محدودة. وإن شومبيتر كان في الواقع ضحية تأهيله المذهبي، وذلك أنه حتى عند انقضاء القرن التاسع عشر كان هناك العديد من القطاعات الصناعية التي يوجد فيها تركيز اقتصادي محسوس في شكل «كارتلات» وكان من الجلي أن القوة في السوق يمكن اكتسابها على امتداد فترات طويلة، وذلك على الرغم من قوة المنافسة.

وتتصل المشكلة الثانية بالمغامر المقدم على المشروع، كما تصوره شومبيتر. فرغم أن المفهوم كان مفيداً للغاية، إلا أن نوعاً من الأفعال كان مصاحباً للطريقة التى اتبعها شومبيتر لتمييز وتحديد «مغامرة الإقدام على المشروعات». فهو نفسه يعترف بأن المغامرين أصحاب المشروعات يخضعون لدوافع سلوكية معقدة، وليس هناك، على وجه الخصوص، سبب لافتراض أن مؤسسة ناجحة في مجال الإبداع سوف تكتفي بإبداع واحد.

وكان شومبيتر قد انتهى إلى التحقق من هذه المسائل في كتابه اللاحق من توقيع موقع من شومبيتر الثاني وبعنوان «الرأسمالية والاشتراكية والديمقراطية» في 1943، حيث بات يرى أن البحث والتطوير في الشركات مصدر رئيسي للإبداع الصناعي. وحيث أن البحث والتطوير نشاط مكلف للغاية فإن الشركات الكبيرة فقط، هي في الحقيقة التي تكون عادة قادرة على الوفاء به. ويكون الأمر كذلك لعدد من الأسباب منها أن هناك دعوى التواؤم التي تفيد بأن الشركات الكبرى فقط لديها من الطاقة الإنتاجية اللازمة وترتيبات التسويق والتمويل ما يسمح لها بالاستغلال السريع لتكنولوجيا جديدة.

ويرتبط العامل الثاني باقتصاديات الحجم في مجال البحث والتطوير، فكلما كانت الموارد المدخلة إلى البحوث والتطوير أكبر كبرت بالتناسب مخرجات الإبداع.

وأخيراً فإن تلك الدراسات قد انتهت في إطار سلسلة من الدراسات التجريبية عن الإبداع في قطاع السلع الرأسمالية الإلكترونية إلى استخلاص أنه يغلب أن يوجد مستوى للبحث والتطوير لا يمكن لما هو دونه من إنفاق على البحث والتطوير أن يغل أية ثمرات. وتختلف هذه المستويات من صناعة إلى أخرى.

* أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bde8n9nb

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"