عادي
عرضان في «أيام الشارقة المسرحية»

«ميادير»..العلاقات الإنسانية في اختبار الربح والخسارة

15:38 مساء
قراءة 4 دقائق
مشهد من عرض «احتراق شمعة»
مشهد من عرض «ميادير»
  • الشارقة: علاء الدين محمود
  • الأداء التمثيلي بطل للعرضين
ضمن فعاليات الدورة 32 لمهرجان أيام الشارقة المسرحية، احتضن معهد الشارقة للفنون المسرحية عرض «احتراق شمعة»، لفرقة جمعية دبا الفجيرة للثقافة والفنون والمسرح، تأليف وإخراج أحمد عبد الله راشد، فيما شهد قصر الثقافة عرض «ميادير»، لفرقة مسرح أم القيوين الوطني، تأليف إسماعيل عبد الله، إخراج: حسن رجب.

فكرة عرض «احتراق شمعة»، جاءت متميزة، وإن كانت تحتاج إلى تعميق النص أكثر، حيث كان العمل عبارة عن مشاهد متتابعة تعكس حالات مختلفة لبطل المسرحية، ذلك الكاتب والصحفي الكبير الذي كان يصنف ضمن أفضل المؤلفين والكتاب، حيث كانت إصدارته تتصدر قائمة المؤلفات الأعلى مبيعاً، الأمر الذي جعل منه أحد وجوه المجتمع البارزة والمهمة، وكان يعيش كذلك حياة عاطفية مستقرة.

غير أن هذا الرجل يمر بظروف صعبة، حيث فقد شغف الكتابة، وصار لا ينتج شيئاً، وامتلأ منزله بالأوراق التي تحمل مسودات وأفكار غير مكتملة، وأصبح أسير الهواجس والظنون والقلق، إلى حد أن عدداً كبيراً من أصدقائه قد انفضوا من حوله، بما في ذلك محبوبته، ذلك لكونه قد أصبح صعب المراس، واسمه بدأ في التراجع ليفقد تلك المكانة الاجتماعية الكبيرة التي كان يتمتع بها، فلم يجد سبيلاً غير الانزواء بعيداً عن الناس، تائهاً وسط أفكاره المتشائمة، والتفكير في كيفية الرجوع بقوة مرة أخرى، غير أن بعض الأصدقاء المقربين كانوا يزورونه بين الحين والآخر ليعملوا على تشجيعه، ونصحه بأن الخروج من هذا النفق المظلم الذي دخل إليه، يتم عبر العودة للكتابة، لأنها تمثل الحل لكل أزماته.

الحكاية تبدو مألوفة، فالكثير من الأعمال الأدبية سواء العربية أو العالمية قد تطرقت إلى مثل هذه القضية، في تناولها لموضوع عزلة الكاتب، عندما يعجز عن الكتابة، وهو أمر صعب على المبدع حيث يفقده الثقة في الذات، وفي الناس من حوله، ويتصور دائماً أن هناك مؤامرة تحاك ضده.

المخرج، وهو مؤلف النص في ذات الوقت، عمل على تعميق تلك الحالة عبر الفعل الإخراجي، وهو الأمر الذي نجح فيه باقتدار وبراعة كبيرة، حيث استطاع أن يصنع حلولاً ومقاربات متميزة عبر رؤية شاملة للعمل، وتوظيف متكامل لعناصر العرض المسرحي بطريقة بسيطة بعيدة عن التكلف والبهرجة، حيث استخدم السينوغرافيا بطريقة وظيفية لتخدم الفكرة، وعمل على تأسيس الخشبة بقطع بسيطة من الديكور عبارة عن طاولة ومقعد، مع توظيف بارع ومبتكر للإضاءة عبر الإسقاطات والإنارة الكاملة في الكثير من المشاهد الأمر الذي أظهر بوضوح تعبيرات الوجوه وانفعالات الممثلين، الشيء الذي جعل المتلقي يصنع علاقة مع الخشبة، حيث إن رسائل العمل ومعانيه وصلت إليه بصورة مريحة، وكذلك كان توظيف الإضاءة مميزاً على مستوى لحظات الكوابيس التي كانت تداهم الكاتب، بتشكيلات ضوئية غاية في الإتقان والروعة.

*حمولة إنسانية

العرض الثاني، «ميادير»، جاء متميزاً ومقنعاً، من حيث النص الغني والمتنوع والمحتشد باللفتات الإنسانية واللمسات الشاعرية، وكذلك الفعل الإخراجي البارع، حيث تفاعل الجمهور مع العمل منذ لحظة بدايته وحتى النهاية.

يتحدث العمل في قصته عن مجموعة من الأصدقاء هم: نصيب «النوخذة»، الذي يعمل على زورق لكسب عيشه، وتربية بناته، وعبود الذي صار رجل دين متشدداً، ومطر الشاب الثري، وبدر المحامي، وغالب العربيد العدمي، حيث ترعرعوا كلهم في حي واحد، وتلقوا تعليمهم في ذات المدرسة، وجمعت بينهم علاقة قوية، لكنهم افترقوا ردحاً من الزمن، حيث انشغل كل واحد منهم بحياته الخاصة، فمنهم من نجح في مشواره، وهناك من لم يوفق فكان الحظ العاثر من نصيبه، وبعد كل تلك السنوات من القطيعة، يجتمع شمل الأصدقاء بواسطة أحدهم وهو مطر، والذي أقنعهم بأن يقوموا برحلة على مركب نصيب ليستعيدوا ذكرياتهم القديمة ويصلوا ما انقطع بينهم من علاقات.

وبالفعل تجمع هؤلاء الأصدقاء على مركب نصيب، وشقوا طريقهم في عرض البحر، لكن ماكينة الزورق تعطلت فجأة، وحط بهم في إحدى الجزر المنعزلة، لتنشأ نقاشات وصراعات خاصة بين عبود وغالب، وذلك لاختلاف طباعهما وأفكارهما، وحوارات أخرى أوضحت الخلفيات النفسية والظروف الاجتماعية التي يمر بها الجميع، ويتعمق النقاش بينهم أكثر، ليكتشف هؤلاء الأصدقاء أن مطر الثري الذي كان يعمل في مجال التجارة، لم يجمعهم حباً فيهم، أو وفاءً لتلك العلاقات القديمة، بل لأن لديه أموالاً مشبوهة ومجهولة المصدر ويريد غسلها بواسطة هؤلاء الأصدقاء الذين يثق بهم، وهو الأمر الذي وجد قبولاً عند البعض ورفضاً تاماً من قبل نصيب النوخذة، وعبود المتشدد، وظل كل واحد منهم يدفع موقفه مع أو ضد، وبينما هما في تلك الحالة من الجدل والصراع، يحترق المركب الذي هو وسيلتهم الوحيدة للخروج من هذا المكان المجهول.

العرض حمل الكثير من الرسائل والمعاني الإنسانية، عبر هذه الشخصيات المتباينة، التي يحمل بعضها قلباً نظيفاً، بينما تلوث الآخرون بسبب الطمع، حيث يعكس العمل استجابات مختلفة لضغوطات الحياة، فهناك من يتمسك بمبادئه، وآخر على استعداد لبيعها والتنازل عنها في سبيل المال والكسب، حتى لو جاء بطريقة غير مشروعة، كما يعلي العرض من شأن العلاقات الإنسانية التي يجب أن لا تخضع لحسابات الربح والخسارة.

المخرج استعان على هذا النص الباذخ، بالعديد من الحلول الإخراجية المتميزة، حيث تم توظيف عناصر السينوغرافيا بطريقة تصنع صورة أنيقة ومشهديات برافعة الضوء واللون، فكان الديكور بسيطاً وهو عبارة عن مركب، وخلفية يظهر من خلالها البحر عن طريق «بروجوكتر»، وبعض القطع لتأثيث الخشبة بطريقة وظيفية تخدم العرض، وجاء الأداء التمثيلي قمة في الروعة خاصة من قبل الممثل الكبير سعيد سالم، وكان للعبة الإضاءة الدور الرئيسي في رفع إيقاع العرض، مع توظيف مميز للكوميديا، خاصة من قبل «غالب».

ووجد العرض، إشادة واسعة من قبل المتدخلين في الندوة التطبيقية التي تلته، الذين وصفوا النص بالقوي والجريء، وكذلك بالمعالجات الإخراجية من حيث توظيف الإضاءة وبقية عناصر السينوغرافيا، والفعل التمثيلي المميز، وأشاروا إلى أن العرض يصلح لأن يتحول إلى عمل سينمائي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2ju29vtt

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"