أميرة الذاكرة

23:43 مساء
قراءة 3 دقائق

د.باسمة يونس

بالنسبة إلى البعض، فإن عيد الأم هو يوم للاحتفال «بالأمهات المثاليات» اللواتي يقمن بأمر له قيمة من خلال تقديم كل ما يسعد أبنائهن، مثل التفاني لأجل راحتهم، ويقمن بذلك بشكل جيد طوال الوقت.

ويرى الكثيرون أن الأم هي الوالدة التي أنجبت الطفل فقط، بينما يعتبر آخرون الأم امرأة اختارت مهام الأمومة الشاقة، وأفنت حياتها لأجل طفل لم تلده لتستحق الاحتفاء بها وتقدير قيامها بدور صعب اختارته بلا تردد.

والأم بجميع صفاتها وأدوارها كانت، ولا تزال، محوراً للعديد من الأعمال الواقعية والخيالية عبر التاريخ الأدبي في العالم. ومن خلال عدد لا يحصى من الصفحات بأكثر من شكل يستقي المؤلفون من الواقع صور أمهات ضحّين بأنفسهن لأجل سعادة أبنائهن.

ويخبرنا الأدب كثيراً أن الأم التي تحنو على صغارها وترعاهم تحصد ثمرة عنايتها في ما بعد باهتمامهم بها، ورعايتها عند الكبر، بينما يمكن أن تحصل تلك التي تقسو على أبنائها على ضربة قاسية يلعب فيها القدر دوره ليشقيها إلى الأبد.

وكما انطبعت أمومة «جان فورتيبه» العظيمة بطلة رواية «بائعة الخبز» التي كتبها الروائي الفرنسي كزافييه دومونتبان، وعانت بعد وفاة زوجها في حادث، في ذاكرة العالم بمثاليّتها، ظل تأثير حياة «أنا كارنينا» الشقية بطلة رواية الروسي ليو تولستوي سلبياً، وصفة لمعنى الأنانية الصادرة عن أم أجحفت بالأمومة، وقللت من شأنها بسبب تصرفاتها وأفكارها الطائشة.

وظلت أشهر أمهات الروايات العربية في حياتنا هي «الست أمينة» بطلة ثلاثية نجيب محفوظ، بتجسيدها دور الزوجة المثالية المطيعة لزوجها، والأم الطيبة الحنونة التي لم تقصّر في تربية أبنائها والعناية بهم، وبزوجها، من دون تذمّر، ولا محاولة للخروج من قالب الأمومة، على الرغم من سلبيات «سي السيد» ومواقفه الظالمة في حقها.

أما المثير للجدل فهو الذي يتعلق بكتب الأطفال وطريقة تقديم الأم في هذه الكتب، فقد انتقدت مجموعات بحثية ورود كلمة «أم» بصفتها أكثر الأسماء شيوعاً واستخداماً للإشارة إلى الشخصيات النسائية في قصص الأطفال منذ القرن التاسع عشر، ولكن على الرغم من ذلك، فنادراً ما تكون الأمهات بطلات في قصص الأطفال الخيالية، بل وفي كثير من الأحيان لا ترد أسماؤهن الشخصية في القصص، وفي معظمها هن شخصيات غائبة، أو متوفاة، أي أن الأمهات بالكاد مرئيات. ويكشف نطاق المهن عن محدودية وظائف وأدوار الأمهات اللواتي لا يخرجن من عباءة الملكات، أو الأميرات، أو الخادمات، أو الممرضات.

لكن الأدب بأنواعه، وعلى اختلاف مصادره، يعزز دور الأمهات في رعاية أطفالهن في المقام الأول، فهن موجودات دائمًا لدعم أطفالهن، ورغم عدم حضور الأمهات كشخصيات رئيسية في القصة أحياناً، فإن وجودهن مهم ودائم في الذاكرة.

لذلك، وفي حين أن الأمهات غالباً ما يظهرن في الخلفية فقط، لن تكتمل القصة من غيرهن بالتأكيد، ويلعبن في الواقع أدواراً عدة، ومتنوعة، ومهمة في سرد حياة أطفالهن، فهن لسن أمهات لرعايتهم فقط، بل جزء لا يتجزأ من تاريخهم وذكرياتهم، ودعم لا يتوقف على مر الزمان، وحضور بهي لا يمكن مقارنته بأي حضور آخر في العالم.

إنها أمي التي كانت أول حروفي وإلهامي ما يجب أن تكون عليه الأمومة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4dvexfsh

عن الكاتب

​كاتبة ومستشارة في تنمية المعرفة. حاصلة على الدكتوراه في القيادة في مجال إدارة وتنمية المواهب وعضو اتحاد كتاب وأدباء الإمارات ورابطة أديبات الإمارات. أصدرت عدة مجموعات في مجالات القصة القصيرة والرواية والمسرح والبرامج الثقافية والأفلام القصيرة وحصلت على عدة جوائز ثقافية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"