احتضان المكوّنات الثقافيّة

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

هل ينبغي للعالم العربي أن تكون بين بلدانه، وفي داخل ترابها، حدود ثقافية لسانية لُغاتية. على مرّ القرون إلى يومنا هذا لم تتبادل المكوّنات الإثنية العربية إلغاء التأشيرات بين الثقافات المحلية الموازية. خذ مثلاً: الأمازيغية في بلاد المغرب العربي هي في حد ذاتها ألوان من الموروث: القبائلية والشلحة وهي التي يتكلمها الشلوح، والشاوية والشنوية والزناتية والطارقية.
ما يبعث على الاستفهام الإنكاري هو أن تلك المكوّنات الثقافية، التي لها جذور ثقافية عريقة، تمتلك اليوم مراكز بحوث ودراسات جادّة في أعمالها التحقيقية والتوثيقية، والتنمية المعجمية الرامية إلى إحيائها كلغات تستطيع اللحاق بالعصر. 
الغريب هو أن المثقفين العرب لا يعرفون عنها شيئاً. لا حديث عن الاستثناءات. هذا بكل المقاييس موقف لا تحمد عقباه. المصيبة أعظم إذا كان المثقفون العرب لا يكترثون أو لا يعلمون، وهو الأرجح على ما يبدو. ما الذي يعرفه المغاربيون والعرب جميعاً عن الأدب الأمازيغي؟ ما الذي اطّلع عليه العرب من أدب الأقباط في مصر؟ ما الذي قرأه العرب من أدب الآراميين (السريان) في المشرق العربي؟ وقس على ذلك. يجب النظر إلى الأمر على أنه لامبالاة ثقافية يجب أن تُعد من الثغرات التي قد تنجم عنها آثار سياسية غير محمودة العواقب. الحديث يعني كل المثقفين العرب إزاء كل مكونات العالم العربي.
في ما يخص مثقفي المغرب العربي، كان من الضروري التنبّه للقضايا الأنثروبولوجيا الثقافية، والتحولات السوسيولوجية التي تختمر وتعتمل في مكونات الشمال الإفريقي، فأولئك المثقفون، المفكرون منهم بخاصّة، كانوا على علم بالمحاور التي كانت وسائل الإعلام الفرنسية بالذات تطرحها، وفي مقدمتها صحيفة «لوموند» منذ العقد السادس من القرن الماضي. الوعي كان ضرورياً حتى قبل مطالب «القبائل» في الجزائر في عهد الرئيس هواري بومدين، لكن انفتاح الأبواب على مصاريعها أحدث هزّات لها مدلولات، بُعيد اندلاع الربيع العربي. هل كان ذلك مصادفة براءة الأطفال في عينيها؟ حدث الأمر حتى في تونس التي لم تبرز فيها النعرة الانفصالية حتى في عهد الاستعمار.
في المغرب الأقصى أحسن العاهل محمد السادس، عملاً، حين أصدر أمراً صارت الأمازيغية بموجبه لغة وطنية إلى جانب العربية، أردفه بمرسوم تأسيس «المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية»، الذي أصدر العدد السادس عشر من مجلة «أسيناج» (بالجيم المصرية) الحوليّة، والكلمة اشتقاق جديد بمعنى مركز البحوث. اليوم للأمازيغية أدب فيه الرواية والقصة القصيرة والمسرح، أما الموسيقى فاصدح ولا حرج.
لزوم ما يلزم: النتيجة الإيقاظية: احتضان المكوّنات الثقافية أسلم من أن يحوّلها المغرضون الأجانب إلى كمائن. الاحتضان يدرأ الاحتقان.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3f5ryfv7

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"