عادي

طفولة تحت أنقاض الحرب الثانية

20:47 مساء
قراءة 3 دقائق
طفولة بين الأنقاض

القاهرة: الخليج

ماذا يتبقى من الحرب في عيون أطفال عاشوا مآسيها؟ ما الآثار النفسية التي حفرتها في نفوسهم؟ وإلى أي مدى ظلت تلك الآثار حاكمة لشخصياتهم وسلوكهم؟، وهل انتقلت آثار الصدمات النفسية إلى الجيل التالي؟ هل تعافى بعضهم منها؟ ومن كانت فرصته في التعافي أكبر؟ وفي حالة الحرب العالمية الثانية هل كان للمعجزة الاقتصادية الألمانية أي دور في معالجة هذا المأزق الاجتماعي الإنساني؟

تلك بعض الأسئلة التي انطلقت منها باربارا فارنينج في كتابها «طفولة بين الأنقاض» الذي صدرت ترجمته العربية للكاتب أيمن شرف، عن دار الترجمان للنشر والتوزيع؛ حيث يؤكد الكتاب أننا كثيراً ما نقرأ عن أعداد ضحايا الحرب، عن الأرقام، عن مئات، آلاف، ملايين، من الموتى والمصابين، لكننا نادراً ما نقرأ شهادات من بقوا أحياء، وخصوصاً الأطفال منهم، عن خوفهم من الموت، عن التشريد والفقد والجوع والكوابيس.

هنا تقدم الكاتبة الصحفية والمعالجة النفسية باربارا فارنينج مجموعة متنوعة من شهادات حية لألمان عاشوا طفولتهم أثناء الحرب العالمية الثانية، قسمتها موضوعياً إلى سبعة فصول: الهروب والطرد من الوطن، أطفال مفقودون، الحياة في مناطق الاحتلال، الناجون في مخيمات المُرحلين، حياة يومية وسط الحطام، في انتظار الأب، التعلم بين الأنقاض.

يبدأ كل فصل بمقدمة واقعية قصيرة للموضوع المقصود، 21 شاهداً يمثلون في الواقع أكثر من 12 مليون نازح ألماني نتيجة الحرب يحكون عن أحداث مأساة إنسانية يزيد عمرها على 70 عاماً، لكنها لا تختلف كثيراً عن أحداث نعيشها اليوم، فالحرب هي الحرب، والأطفال هم الأطفال، في كل مكان وزمان.

الآن – كما يوضح الكتاب – يعيش في ألمانيا الجيل الثالث المولود بعد الحرب العالمية الثانية، وهو يحترم العلاقة الودية مع جيرانه الأوروبيين، ولا يتصور إمكانية الحرب معهم، فلماذا تصر الكاتبة على تذكيرهم بفظائع الماضي البعيد؟ لأن السلام، كما ترى، ليس بدهياً؛ بل هناك حاجة دائمة إلى مواجهة التحامل على الآخرين، وتبني أحكام مسبقة عنهم، ولأن معرفة فظائع الحرب هي وحدها التي يمكنها أن تجنب الناس تعريض السلام للخطر، ولأن أجدادهم الذين شهدوا في الأغلب أشياء مماثلة لم يحكوا لأحد عنها، ولأن أفضل من يمكنه التحذير من الحرب هم الذين عايشوها بأنفسهم.

تحكي باربارا عن مصائر شهودها من مسافة موضوعية، لكنها لا تخلو من حساسية وتعاطف، وكثيراً ما تنقل كلماتهم مباشرة، فنتعرف إلى أحداث تراجيدية مريعة، وإن كانت لا تخلو من الأمل، وتستكملها الكاتبة باستطرادات عامة، وشروح لما يحكون عنه من وقائع، مثل الذعر عند قدوم الروس، أو عاصفة هامبورغ، أو تضيف مقاطع لتوضيح الخلفيات التاريخية مثل إنشاء قرى الأطفال لأيتام الحرب، وحوارات مع الشهود ومقتطفات من وصفات الطعام في شتاء الجوع عام 1945 وخطابات بين أطفال وأبيهم المحبوس في معسكر للأسرى.

يقدم الكتاب مزجاً موفقاً بين التفاصيل التاريخية ومصائر الأفراد الحقيقية، ما يجعل جوانب الحرب المختلفة ملموسة ومفهومة وتدفع حكايات الشهود المؤثرة قارئها، لكي يدرك أهوال الحرب مباشرة، ويتعاطف مع ضحاياها، والشهادات حاضرة كاقتباسات، ومنفصلة عن بعضها، لكنها بالطبع مفهومة كل واحدة منها على حدة، ما يجعل الكتاب وحدة واحدة، يتم استخلاصها بسرعة من وضوح الأحداث المحكي عنها.

هنا – كما يوضح أيمن شرف في تقديمه للكتاب – يفقد التاريخ سمته المجردة لأن الوصف يرتبط دائماً بالأفراد، فتحكي أورسولا هيلر عن طفولتها كطفلة ذئبية، في بولندا، عن فقد الأم وعن نبات القراص كغذاء وحيد أنقذ حياتها وحياة إخوتها، وعن الأحذية التي صنعتها من خيوط الدوبارة، وتحكي مارجريت أوله عن سوء معاملة أبيها الذي أصيب بصدمة نفسية من الحرب، وتلفت الانتباه إلى أن الأجيال التالية أيضاً قد عانت آثار الحرب: «لقد تعرض هؤلاء الرجال لعنف مروع نقله كثير منهم إلى أسرهم، وبدلاً من معالجة الجراح النفسية تم السكوت عليها وكانت البداية الجديدة، وإعادة البناء مهمة، فقد كان الماضي مزعجاً جداً».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4w8x99fp

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"