فرنسا تختبر ديمقراطيتها

00:42 صباحا
قراءة دقيقتين

يونس السيد

ما بين الغضب الشعبي وإصرار الحكومة الفرنسية على رفع شعار التحدي، بعد لجوئها إلى تبني قانون إصلاح نظام التقاعد من خارج البرلمان (الجمعية الوطنية)، تبرز قضية الديمقراطية الفرنسية كواحدة من أهم التحديات التي باتت قيد الاختبار في البلاد.

لم تفلح احتجاجات الفرنسيين المتصاعدة منذ عدة أشهر في إفشال مشروع قانون الحكومة برفع سن التقاعد من 62 إلى 64 عاماً، وهي ممارسة ديمقراطية تتسلح بأغلبية واضحة ترفض رفع سن التقاعد، فيما لجأت الحكومة الفرنسية إلى إقرار القانون بالقوة عبر استخدام المادة الدستورية 49.3 التي ينظر إليها الفرنسيون على أنها نوع من «التوحش» اللاديمقراطي، بعدما عجزت عن تأمين أغلبية برلمانية لتمريره في الجمعية الوطنية، وهو ما أشعل الغضب الشعبي، وترك الباب مفتوحاً لاختبار القوة بين المحتجين والحكومة، التي باتت تواجه اقتراحين لحجب الثقة عنها.

ومع اقتراحَي حجب الثقة اللذين جاء أحدهما من أحزاب المعارضة اليسارية والآخر من اليمين، فإن موقف حزب الجمهوريين اليميني بعدم التصويت على أي منهما من شأنه أن يساعد الحكومة على الإفلات من مساعي سحب الثقة، خصوصاً بوجود أغلبية نسبية يتمتع بها الائتلاف الرئاسي، وحاجة نواب أقصى اليمين وأقصى اليسار إلى التوافق بينهما، إضافة إلى دعم «الجمهوريين»، وحتى إقناع عدد من نواب الائتلاف الرئاسي الذين يرفض بعضهم خطة الإصلاح من أساسها.

لكن ما الذي يدفع الرئيس ماكرون وحكومته إلى الإصرار على إقرار هذا القانون رغم المعارضة الواسعة في الشارع؟ بالنسبة لماكرون يرى الكثير من الخبراء أنه يريد ترك بصمته كرئيس تحدى الرفض الشعبي، بعدما وضع إصلاح نظام التقاعد في صلب الإصلاحات التي يريد إنجازها خلال ولايته الثانية والأخيرة، معتبراً ذلك أمراً حتمياً للحفاظ على التوازنات المالية لصندوق الضمان الاجتماعي، فيما يمثل بالنسبة لحكومة اليزابيث بورن مسألة حياة أو موت، إذ إن فشلها في إقرار القانون يعني سقوطها أولاً، وثانياً يفتح الطريق أمام أحزاب المعارضة يميناً ويساراً لتحويل ما تبقى من سنوات حكم ماكرون إلى «كابوس» مليء بالألغام والمطبات، عبر اتخاذ مواقف انتقامية، ووضعه تحت ضغط إنهاء ولايته بصفة «رئيس يحكم ولا يسود»، وهناك من يرى أن ذلك قد يمهد الطريق أمام اليمين المتطرف للوصول إلى الحكم في الانتخابات المقبلة.

في خضم هذه المواقف المتضاربة، يبدو أنه رغم تبني القانون من خارج البرلمان، حتى لو نجحت حكومة بورن في إفشال محاولات سحب الثقة منها، فإن المعركة لم تنته بعد، إذ هناك، بالمقابل، إصرار شعبي على مواصلة التحدي وإسقاط القانون، بينما تنذر الاحتجاجات المتصاعدة، بدعم من النقابات الأساسية، بالمزيد من التأزم، بعدما دعت النقابات إلى المزيد من التعبئة والحشد، وصولاً إلى شل الحياة الاقتصادية، في معركة «كسر عظم» تتجاوز كثيراً ما فعلته ظاهرة «السترات الصفراء» في السنوات الأخيرة.

فهل تنجح الديمقراطية الفرنسية في الصمود والعودة للحوار والبحث عن حلول أم أن فرنسا ستذهب إلى المزيد من الهزات والاضطرابات الاجتماعية وربما إلى المجهول؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/23mz9z9u

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"