موجات القلق

00:31 صباحا
قراءة دقيقتين

وليد عثمان

على فداحة خسائره الإنسانية والمادية، يمكن القول إن الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا تبعته آثار سياسية، تُخرج ما يمور في جوف المنطقة، وتطهّر ما يعتمل فيه من جراح كادت تسمم بقعة جغرافية خلقت في الأصل منذورة للقلق والاضطراب.

 وللقلق في منطقتنا موجات زمنية، بعضها يغمر دولها إلى حد اقترابها من الغرق، لولا أن الله سبحانه وتعالى، يرسل كل فترة من يجدّد للمنطقة منابع الحكمة، ويحيي فيها روح استشعار الخطر المحدق بوجودها كله.

  ومن آيات الحكمة الإنسانية والسياسية الاستمساك بنهج عودة سوريا إلى محيطها، فما جرى، ويجري فيها، ليس إلا واحداً من تبعات موجة قلق أمسكت بخناق المنطقة منذ تسعينات القرن الماضي، حين وسوست الشياطين لنظام سياسي بارتكاب جرم استراتيجي انطوى على غزو ذوي القربى، وتهديد ما استقر من قيم الأخوّة والجوار.

 لم يبق من ذلك المضاضة فقط، بل اجتاح الاضطراب كل شيء، حتى النفوس. وبقيت التداعيات تتدحرج انقساماً وشروخاً سمحت بتدخل، إقليمي ودولي، يزلزل حقائق التاريخ والجغرافيا، ويجري على ألسنة البعض لغة غير عربية.

  حتى الدين طاله التشوش، وارتجت ثوابته أمام عدم اليقين الذي أشاعه القافزون في لحظة ضعف إلى سدة القيادة.

  وكان من أثر ذلك أن تعددت المواقف العربية والإقليمية، فاختلطت الرؤى واختلفت إلى درجة القطيعة على نحو يزيد قلق المنطقة والإقليم ويبدد آمال استقراره.

  الآن، يقف الأمل في وجه موجة القلق التي حمّلت نقطة انطلاقها: العراق، ما لا يطيق، وتحلّ عشرينية اختراقه الممنهجة، تأسيساً على الجرم الاستراتيجي، بينما تسري من جديد روح الاتفاق والاحتكام لصوت مصلحة المنطقة وشعوبها.

  وتتوالى الإيجابيات في المنطقة بقدر يمكن البناء عليه لتحريرها مما عانت لأكثر من ثلاثة عقود، وما أقعدها عن بلوغ منطقة الاستقرار التي كان يجب أن تصل إليها.

  الآن، يدرك العراق ما فعلته التدخلات وإشاعة أجواء الطائفية والانقسام، ما أسال دماء لا تعوض، وتلتقي إرادات سياسية في الإقليم تواجهت في أكثر من ميدان وتجمعها لحظات إدراك لقيمة التعاون المتوازن غير المهدد للمصالح.

  شهدنا في الأيام الماضية اتفاقاً سعودياً إيرانياً، وتقارباً مهماً بين القاهرة وأنقرة استغرق وقتاً من التمهيد لترميم علاقة تأثرت بالسعي لفرض تيار بعينه بدفع من صناع موجة القلق التي دفعنا ثمنها فادحاً.

  وسط ذلك كله، يتجدد نهج الإمارات مغتنماً الفرضة السانحة لإصلاح ما فسد في أركان المنطقة، ويواصل، على وجه الخصوص، مسعاه لإعادة سوريا إلى المحيط العربي.

  وهو مسعى لا يعول إلا على الدور العربي العارف بمواطن جراحه، وبالتالي الأولى بمداواتها بمنأى عن التدخل، الإقليمي والدولي، وهو الأقدر على إعادة سوريا إلى عمقها، والعراق إلى عروبته، وغيرهما من دول يقاوم مخلصوها، دعاة التفتيت لترجع إلى محيطها وتنحسر تماماً موجة القلق.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/y86z3ka8

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"