أمريكا ليست وحدها

00:29 صباحا
قراءة 3 دقائق

أحمد مصطفى

أثار اتفاق السعودية وإيران برعاية صينية على عودة العلاقات الدبلوماسية، جدلاً واسعاً، ليس في المنطقة فحسب بل في العالم أجمع. ربما كان متوقعاً عودة العلاقات بين طهران والرياض في وقت ما، فلا خصومة تدوم إلى الأبد في العلاقات بين الدول. كما أن دول الخليج العربي، وفي مقدمتها الإمارات، تنتهج سياسة خارجية منفتحة على الجميع منذ فترة، ومعيارها الأساسي هو المصالح الوطنية وحماية الأمن والاستقرار والدفع باتجاه التنمية.

 إنما الذي كان له الوقع الأكبر أثراً هو أن يعلن الاتفاق من بكين، لذا كان سبباً في تعليقات وتحليلات كثيرة، ربما في الغرب أكثر منها في المنطقة. وعاد الحديث بقوة عن تراجع الدور العالمي للولايات المتحدة، خاصة في منطقة الشرق الأوسط، وعن سعي الصين لتوسيع نفوذها خارج حدودها، ليس اقتصادياً وتجارياً فقط، بل سياسياً واستراتيجياً أيضاً.

 وبغض النظر عن ردود الفعل على الاتفاق ما بين مُبالغ في أهميته والتوقعات من ورائه، وبين مقلل، فيما ينتظر منه في ظل سنوات طويلة من عدم الثقة والقلق الخليجي المبرر من سلوك إيران تجاه جيرانها، فإن دخول الصين بهذا الشكل على خط سياسات المنطقة في غاية الأهمية.

 أولاً، لأنه يبدو تطوراً كبيراً ضمن استراتيجية سعودية وخليجية، منذ فترة ليست بالقصيرة، تعتمد تنويع علاقاتها الخارجية وتحالفاتها، استناداً إلى المصلحة الوطنية. وفي هذا الإطار كان التوجه شرقاً لموازنة العلاقات التقليدية مع الغرب، بما فيه أمريكا. ولم يكن ذلك كما يصوره البعض في الغرب «إحلالاً وتبديلاً» للتحالفات وعلاقات التعاون، وإنما «تنويع» ضروري لتعظيم حماية المصالح من دون اعتماد «حصري» على طرف مهما كان.

  الولايات المتحدة خصوصاً، لم تستوعب ذلك تماماً، وما زالت تبني مواقفها وتصوراتها على أساس ما وضعه الإنجليز، مثلاً، في مطلع القرن الماضي، وتطور بوراثة «الإمبراطورية الأمريكية» تركة الامبراطوريات الأوروبية المنهارة. تلك مشكلة في التفكير الأمريكي منذ زمن، حيث لا يأخذ في الاعتبار أي تعامل ندّي، وعلى قدم المساواة مع أغب الدول العالم، وهم يتصرفون على أن العالم «ينظر لأمريكا من أسفل».

 صحيح أن أمريكا قوة عظمى، وبعد نهاية الحرب الباردة أصبحت الوحيدة في مكانتها. لكن كل محاولات ترسيخ «نظام عالمي جديد» يعتمد على أوهام «نهاية التاريخ» وتسيّد النمط الغربي على الإنسانية، كلها ليس لم تنجح فقط، بل أتت أيضاً بنتائج عكسية. وبالتالي نالت من الدور الأمريكي عالمياً، وحتى في داخل «التحالف الغربي» ذاته.

 وبعد نحو عقد من القرن الجاري بدأت الولايات المتحدة سياسة «فك ارتباط» مع العالم بدرجات متفاوتة. ولأن أكثر مغامراتها العسكرية الخارجية كانت في منطقتنا، فكان فك الارتباط مع المنطقة أوضح أثراً. ولا يختلف هنا الديمقراطيون عن الجمهوريين، فإذا كان فك الارتباط بدأ بقوة في عهد أوباما، فإن ترامب الذي بدا متقارباً مع المنطقة لم يكن في الحقيقة سوى ساعٍ وراء بعض الصفقات وكلام الإنشاء.

 أما إدارة بايدن، التي ادعت منذ يومها الأول أنها ستستعيد دور أمريكا في العالم، فلم تكن أقل عنجهية في تعاملها حتى مع الحلفاء التقليديين. وكانت ذروة ذلك الضغط الفج على دول المنطقة كي تتخذ موقفاً غير محايد من الحرب في أوكرانيا، مع التجاهل التام لمصالح هذه الدول الوطنية.

 بالطبع، تسعى الصين وروسيا والهند، وغيرها من القوى الصاعدة، لأخذ وضعها الإقليمي والدولي، وسيكون ذلك على حساب القوة العظمى الوحيدة، ودورها الطاغي عالمياً.

 ومن المتوقع أن تستفيد دول منطقتنا، وغيرهان من تلك التطورات بما يخدم مصالحها ويعزز استفادتها لمصلحة شعوبها. إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة كما «يهوّل» البعض أن المنطقة تبتعد عن أمريكا، أو لا تقدّر أهميتها. فالعلاقات العربية الأمريكية ليست مرشحة للقطيعة، ليس من باب الحرص على تقاليد سابقة فقط، إنما أيضاً من باب المصلحة. فتلك العلاقات متشابكة، ومتجذرة منذ سنوات طويلة. لكنها لا تعني بالضرورة أيضاً علاقة حصرية تمنع أي طرف من تطوير علاقاته مع آخرين. فرغم أهمية أمريكا إلا أن زمن أنها «تأمر فتطاع» قد ولى، ليس في منطقتنا فقط، بل حول العالم تقريباً.

 في السياسة والعلاقات الدولية كل شيء بمقابل، حتى لو كان مقابلاً غير منظور في القريب العاجل، وإنما هدف استراتيجي على المدى البعيد.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4t235btf

عن الكاتب

يشتغل في الإعلام منذ ثلاثة عقود، وعمل في الصحافة المطبوعة والإذاعة والتلفزيون والصحافة الرقمية في عدد من المؤسسات الإعلامية منها البي بي سي وتلفزيون دبي وسكاي نيوز وصحيفة الخيلج. وساهم بانتظام بمقالات وتحليلات للعديد من المنشورات باللغتين العربية والإنجليزية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"