عادي
سباق محموم بين أمريكا والصين وروسيا وفرنسا على «كنوز القارة السمراء»

إفريقيا..أرض الصراع بين الكبار

01:34 صباحا
قراءة 8 دقائق
بوتين يتوسط القادة الأفارقة في قمة سوتشي 2019

د.أيمن سمير
يتنافس الجميع على خطب ودها والفوز بقلبها، بعضهم رفع شعار «الحب القديم لا يصدأ» ليؤكد أن علاقات الماضي هي «الرافعة السياسية» لبناء مستقبل حافل مع القارة الشابة، بينما القوى الجديدة تراهن على «المصالح الاقتصادية» و«عدم المشروطية السياسية» لبناء حوكمة جديدة في العلاقات مع القارة، تقوم على عدالة الفرص، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، واحترام سيادتها الوطنية، ونموذجها الخاص في الثقافة والتنمية.

هي قارة التحديات والفرص، القارة التي يرنو إليها الجميع من شتى بقاع الأرض، باتت ساحة للتنافس الذي يخشى البعض أن يتحول إلى صراع، تحتاج إلى رؤية تقوم على المساعدة في «إسكات البنادق» و«بناء السلام الأهلي والاجتماعي»، تحتاج إلى البنية التحتية الجاهزة، لجذب الاستثمارات، مواردها الأولية الضخمة كانت على مدار التاريخ «نقمة»، وسبباً للاحتلال والاستعمار، وحتى اليوم لم تتحول تلك المقدرات إلى «نعمة التصنيع»، و«قطف الثمار» الاقتصادية التي تسهم في «إحلال السلام»، وطرد الأفكار الإرهابية التي حولت القارة إلى مرتع تعيث فيه التنظيمات الظلامية قتلاً وتشريداً بحق أبناء القارة.

إنها «القارة الشابة» القارة الإفريقية، التي تتنافس عليها القوى العظمى والكبرى في العالم، فالقمة الأمريكية الإفريقية الأخيرة، كان هدفها جذب إفريقيا بعيداً عن روسيا والصين، بينما كانت أول رحلة خارجية لوزير الخارجية الصيني الجديد تشين جانغ إلى إفريقيا، كل هذا فيما تستعد روسيا لعقد «النسخة الثانية» من القمة الإفريقية الروسية في يونيو/ حزيران القادم في ظل اتهامات من موسكو للولايات المتحدة بالضغط على القادة الأفارقة، للتغيب عن القمة الجديدة؛ بهدف إحراج روسيا، وإظهارها بمظهر الدولة المعزولة دبلوماسياً.

الصورة

هذا التنافس يراه البعض فرصة جديدة للاختيار بين مشاريع متنافسة بما يخدم «القارة الشابة»، لكن على الجانب الآخر، هناك من يخشى أن يتحول هذا التنافس إلى «صراع جيوسياسي» على غرار الصراع في شرق أوربا ومنطقة «الإندو- باسيفيك»، فما المشروعات والمخططات الرئيسية الثلاثة التي تتنافس على إفريقيا؟ وكيف لشعوب القارة السمراء أن تحول كل هذه «التحديات» إلى فرص؛ لحجز مكان متقدم في مقاعد الكبار؟

أبعاد جيوسياسية

ترى الولايات المتحدة أنها تأخرت في الاهتمام بإفريقيا، وأن تصريحات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بحق إفريقيا، أسهمت في هذا التراجع، لهذا سعت الولايات المتحدة إلى استعادة حضورها وزخمها في إفريقيا، عبر تغيير النظرة لإفريقيا من كونها «مشكلة يجب حلها» إلى النظر للقارة السمراء باعتبارها «منجماً من الفرص»، ويتحقق هذا التغيير وفق الاستراتيجية الأمريكية الجديدة تجاه إفريقيا عبر سلسلة من الخطوات؛ أبرزها:

1-العودة إلى القمم الإفريقية الأمريكية المشتركة، فمنذ القمة الإفريقية الأمريكية الأولى، والتي وصفت بالفاشلة، وكانت عام 2014 في عهد الرئيس باراك أوباما، لم تعقد أي قمم إلا بعد 8 سنوات، وفي 15 ديسمبر/ كانون الأول 2022 بالبيت الأبيض، والتي تم خلالها الإعلان عن تقديم 55 مليار دولار لإفريقيا حتى عام 2025 في إطار استراتيجية واشنطن للدعم الاقتصادي والصحي والأمني بالقارة السمراء، بما يتماشى مع استراتيجية الاتحاد الإفريقي 2063.

2- تكثيف وتيرة الزيارات الرفيعة إلى مختلف أقاليم القارة، على سبيل المثال، قام وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ب 3 جولات في إفريقيا، كانت الأولى في 17 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، وشملت 3 دول؛ هي: كينيا ونيجيريا والسنغال، ثم الجولة الثانية في 7 أغسطس/آب 2022 وشملت الكونغو الديمقراطية، وراوندا وجنوب إفريقيا، ثم جولته الثالثة في 15 مارس/ آذار الجاري، وشملت إثيوبيا وتشاد، إضافة إلي الإعلان عن تعيين الدبلوماسى، جونى كارسون، مبعوثاً أمريكياً خاصاً للقارة السمراء، لتطبيق ما تم الاتفاق عليه خلال القمة الأمريكية الإفريقية الثانية التي حضرها نحو 49 زعيماً وقائداً إفريقياً.

الصورة

3- تقديم مساعدات ضخمة لدول القارة حتى لا توقع شراكات اقتصادية مع الصين أو تتعاون عسكرياً مع روسيا، وتعهدت واشنطن بتقديم مساعدات ضخمة لنيجيريا عندما وقع بلينكن مع نظيره النيجيري جيفري أونياما على برنامج مساعدات للتنمية بقيمة 2.17 مليار دولار، كما أن الولايات المتحدة وضعت إفريقيا ضمن خطة البنية التحتية في مشروع «إعادة بناء العالم بشكل أفضل» الذي أطلقه الرئيس جو بايدن في 12 يونيو/ حزيران 2021؛ بهدف مساعدة الدول الإفريقية خاصة الدول منخفضة الدخل.

4- العمل على توسيع دائرة الملفات التي كانت تشملها الاستراتيجية الأمريكية القديمة، وهي ملفات كانت تركز فقط على الأمن، والهجرة غير الشرعية، لكن اليوم تروج الولايات المتحدة لرؤيتها الجديدة نحو إفريقيا التي تقول إن إفريقيا «شريك رئيسي» لواشنطن في موضوعات البنية التحتية، خاصة أن إفريقيا تضم 60% من الفقراء المدقعين في العالم، كما أن هذه النسبة مرشحة للزيادة، لتصل إلى 90% عام 2030.

5- تنظر الإستراتيجية الأمريكية الجديدة نحو إفريقيا التي أعلنت بعد نحو 6 أشهر من الحرب الروسية الأوكرانية في أغسطس/ آب 2022 إلى الدول الإفريقية كونها تعد منطقة ذات «أهمية جيوسياسية»، بعد أن رفضت الكثير من دول القارة الالتزام بالعقوبات الاقتصادية ضد روسيا، ورفض الدول الإفريقية طرد روسيا من مجلس الأمن أو الأمم المتحدة.

6- إعطاء قيمة جديدة وكبيرة للدول الإفريقية جنوب الصحراء، لأن واشنطن تراها في الإستراتيجية الجديدة بأنها منطقة تحظى بمعدل نمو سكاني كبير، وفيها أكبر مناطق التجارة الحرة، وأكثر النظم البيئية تنوعاً، إضافة إلى كونها واحدة من أكبر مجموعات التصويت الإقليمية في الأمم المتحدة، وأن المنطقة سيكون لها دور كبير في وقف تراجع الديمقراطية، ومعالجة انعدام الأمن الغذائي العالمي، وترسيخ نظام دولي منفتح ومستقر، وتشكيل قواعد العالم بشأن القضايا الحيوية مثل التجارة والإنترنت والتكنولوجيا الناشئة، ومواجهة تهديد الإرهاب والصراع والجريمة العابرة للحدود.

الاستثمار في الماضي

وكما يحتاج الحب إلى طرفين، فإن المصالح المتبادلة بين إفريقيا وروسيا شكلت الحافز الأكبر لاستعادة الأيام الخوالي بينهما، خاصة بعد عام 2014 عندما سيطرت روسيا على شبه جزيرة القرم، وتعرضت لعقوبات اقتصادية شديدة من الغرب والولايات المتحدة، وكانت إفريقيا أبرز المنافذ التي سعت من خلالها الدبلوماسية الروسية للخروج من عنق العقوبات الغربية، وتلاقت الرغبة الروسية مع سعي إفريقيا للبحث عن شركاء استراتيجيين جدد، ورغبة الدول الإفريقية في مزيد من الدعم في الحرب على الإرهاب، خاصة أن التعاون الروسي لا يضع أي «شروط سياسية» كما هي الحال في شروط الولايات المتحدة والدول الغربية، فما أدوات موسكو للمنافسة مع واشنطن في إفريقيا؟

أولاً: الزيارات والقمم؛ حيث بدأت محاولات روسيا لإحياء العلاقات القديمة مع إفريقيا في السنوات الأولى لحكم الرئيس فلاديمير بوتن عندما قام بزيارته الوحيدة كرئيس إلى جنوب إفريقيا عام 2006، كما قام بوتين عندما كان رئيساً للوزراء عام 2009، بجولة إلى 7 دول إفريقية، لكن بعد سيطرة روسيا على القرم عام 2014 عادت روسيا من جديد لإفريقيا، ففي الفترة من 2014 وحتى 2019 قام 12 زعيماً إفريقياً بزيارة موسكو قبل أن تشهد القمة الروسية الإفريقية الأولى في سوتشي عام 2019 حضور 43 رئيساً ورئيس وزراء إفريقي، وأسهم النهج الانعزالي في سياسات الكثير من الدول الغربية خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي، واهتمام الدول الغربية بقضيتين فقط؛ هما: الأمن، والهجرة غير الشرعية، في مساعدة روسيا على العودة بسرعة إلى القارة الإفريقية، وإحياء العلاقات القديمة التي كانت بين الاتحاد السوفييتي السابق والدول الإفريقية، كما تستعد موسكو لعقد القمة الروسية الإفريقية الثانية في يونيو/ حزيران القادم.

ثانياً: القوة الذكية، التي تجمع فيها روسيا بين القوتين الناعمة والصلبة، فبعد الحرب الروسية الأوكرانية، ترى روسيا مصالحها في تقوية العلاقة مع القارة الإفريقية التي تشكل «الرقم الصعب» في التصويت داخل مجلس الأمن، والجمعية العامة للأمم المتحدة، والمنظمات الدولية الأخرى، لأن إفريقيا تشكل «كتلة تصويتية» كبيرة داخل هذه المنظمات الإقليمية والدولية، في المقابل، تقدم روسيا نفسها كعضو دائم في مجلس الأمن الدولي، وتسعى مع الدول الإفريقية إلى مواصلة العمل نحو تطوير الاتجاه العالمي والخطوات العملية، لتعزيز السلام والاستقرار في إفريقيا، وفق ما قال الرئيس بوتين على هامش القمة الإفريقية الروسية عام 2019.

ثالثاً: وفود الكلاشينكوف، وهو مسار يقوم على استعداد روسيا للتعاون الأمني والعسكري مع الدول الإفريقية، لتحقيق السلام والاستقرار، وهزيمة المجموعات الإرهابية على غرار السيناريو الذي لعبته روسيا في سوريا، ولهذا هناك تعاون مع روسيا من دول مثل مالي وإفريقيا الوسطى، كما أوفدت 30 دولة إفريقية بعثات عسكرية وتقنية، للدراسة في جامعات وزارة الدفاع الروسية، وفق كلام الرئيس بوتين، ومنذ عام 2014، وقعت الشركة الروسية روس أوبورن إكسبورت، اتفاقيات؛ لتوريد معدات عسكرية، وتدريب للقوات الأمنية والعسكرية على مكافحة الإرهاب مع دول إفريقية كثيرة مثل أنغولا وغينيا الاستوائية ومالي ونيجيريا، كما أن روسيا من أكثر دول العالم التي تسهم في قوات حفظ السلام الأممية في إفريقيا؛ إذ يفوق عدد جنود حفظ السلام الروس في إفريقيا عدد كل المشاركين من فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة، بحسب دراسة لمعهد الدراسات الأمنية الأمريكية، إضافة إلى توقيع روسيا اتفاقية عسكرية علانية مع دولة إفريقيا الوسطى عام 2018.

رابعاً: المكاسب المتبادلة؛ وذلك من خلال إصرار روسيا على «بناء صورة نمطية» لها في إفريقيا تختلف عن صورة القوى الكبرى الأخرى عبر تأكيد أن هناك أهدافاً اقتصادية، ومنافع استثمارية للطرفين، وأن التعاون مع إفريقيا يجري وفق قاعدة «المصالح المتبادلة» للطرفين، وشهدت الفترة من عام 2005 حتى 2015 زيادة في التجارة البينية بين الطرفين بنسبة 185%، وفق دراسة أعدها روناك جوبالدز بمؤسسة الدراسات الأمنية الأمريكية، كما تعمل روسيا على مضاعفة التجارة البينية من 20 ملياراً عام 2019 إلى 40 ملياراً خلال السنوات الخمس التالية حسب تقديرات الرئيس بوتين خلال قمة سوتشي الإفريقية الروسية التي شهدت توقيع أكثر من 30 عقداً ومذكرة تعاون بين موسكو والدول الإفريقية، إضافة إلى إطلاق صندوق استثماري مشترك بقيمة 5 مليارات دولار، ناهيك عما كشفه أنطون كوبياكوف مستشار الرئيس الروسي بأن حجم الصفقات المبرمة على هامش قمة سوتشي بلغت 13 ملياراً، وعلى الرغم من أن روسيا مترامية الأطراف، ولديها موارد أولية ضخمة فإنها بحاجة إلى الحصول على مواد مثل البوكسيت، والمنجنيز، واليورانيوم، إضافة إلى المعادن النادرة، والبلاتين، ولهذا دخلت مجموعة روستك الروسية في شراكة، لاستخراج البلاتين بقيمة 3 مليارات دولار في زيمبابوي، وهو أكبر استثمار منفرد في البلاد منذ الاستقلال في عام 1980 بحسب دراسة معهد الدراسات الأمنية.

الثقة في الصين

يكشف حجم التعاون الإفريقي الصيني حجم الثقة بين الدول الإفريقية والصين، وهو ما يجعل الصين أكبر منافس ليس فقط للولايات المتحدة؛ بل للاتحاد الأوربي واليابان والهند وتركيا وفرنسا وغيرهم في إفريقيا؛ وذلك بعد أن بلغت قيمة التبادل التجاري بين بكين وعواصم القارة نحو 254 مليار دولار عام 2021، وتعد إفريقيا جزءاً رئيسياً من مبادرة «الحزام والطريق» الصينية التي أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ عام 2013.

إعادة تموضع فرنسي

يسعى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لإعادة تموضع بلاده داخل القارة الإفريقية التي لها علاقات تاريخية بفرنسا، ويتحدث أكثر من 160 مليون إفريقي باللغة الفرنسية، وبعد أن قام ماكرون بسحب قواته من مالي، وتخفيض عدد الجيش الفرنسي في منطقة الساحل والصحراء، خاصة من بوركينا فاسو أعلن الإليزيه في 27 فبراير/ شباط الماضي، إستراتيجية فرنسية جديدة مع إفريقيا تقوم قبل كل شيء على التنديد بالجرائم الأكيدة للاستعمار، والعمل على بناء علاقات جديدة مع إفريقيا، تقوم على عدم المنافسة مع الجيوش والمرتزقة، وضرورة بناء علاقات متوازنة ومتبادلة ومسؤولة مع دول القارة الإفريقية، لأن إفريقيا ليست «منطقة نفوذ»، مع وجوبية الانتقال من «منطق المساعدات» إلى سياسة الاستثمار، وفق رؤية ماكرون التي أعلنها خلال جولته الأخيرة في إفريقيا والتي شملت 4 دول في وسط إفريقيا هي الغابون وأنغولا والكونغو وجمهورية الكونغو الديموقراطية.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ycknydxd

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"