عادي

زيارة الأسد لموسكو.. «أهمية استثنائية»

23:29 مساء
قراءة 4 دقائق
1

د. محمد فراج أبو النور *

الزيارة التي قام بها الرئيس السوري بشار الأسد إلى موسكو الأسبوع الماضي تتسم بأهمية استثنائية بين زياراته العديدة إلى روسيا، سواء من حيث الظروف والتطورات الدولية والإقليمية المحيطة بها، أو من حيث توقيتها ونتائجها.

الزيارة هي الأولى التي يقوم بها الرئيس السوري إلى روسيا بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، بما ارتبط بها من متغيرات استراتيجية كبرى في العلاقات الدولية، وتصاعد خطير في المواجهة بين روسيا والغرب، وهي تجيء بعد أسابيع من الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا، وما ارتبط به من زخم إنساني وعروبي أعطى دفعة كبيرة للانفتاح العربي المتزايد الاتساع على سوريا خلال الشهور الأخيرة.

كما جاءت الزيارة بعد أيام من الاختراق الاستراتيجي الكبير لمنطقة الشرق الأوسط، بالتوصل إلى اتفاق بين السعودية وإيران على إعادة العلاقات الدبلوماسية خلال شهرين برعاية وضمانة بكين، وهو تطور يشير إلى تصاعد النفوذ الصيني في المنطقة على حساب النفوذ الأمريكي التقليدي.

ومن ناحية أخرى، فإن الزيارة جاءت وسط جهود حثيثة تبذلها موسكو «لتطبيع» العلاقات بين دمشق وأنقرة، بإلحاح واضح تحركه رغبة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تعزيز وضعه السياسي قبيل معركة الانتخابات الرئاسية القريبة (14 مايو/أيار المقبل) من خلال حل مشكلة اللاجئين السوريين في بلاده، (ثلاثة ملايين ونصف المليون) أصبحوا يمثلون عبئاً ثقيلاً على الاقتصاد التركي، وسبباً لتعثر اجتماعي متزايد، ثم جاء زلزال (6 فبراير/شباط) بما ترتب عليه من خسائر فادحة وأعباء ثقيلة ليزيد من إلحاح هذه المشكلة.

أجندة حافلة وتطورات مهمة

أجندة القمة بين الرئيسين الأسد وبوتين كانت حافلة بالقضايا، بدءاً من تطورات الأوضاع الدولية والمتغيرات الاستراتيجية التي تشهدها، والقضايا الإقليمية، إلى مختلف جوانب تعزيز العلاقات الثنائية السياسية والعسكرية والاقتصادية، في إطار الشراكة الاستراتيجية الواسعة والمتينة بين موسكو ودمشق.

وقد أكد الجانب الروسي دعمه الكامل لسوريا وسيادتها ووحدة أراضيها، وترحيبه بالمتغيرات الإقليمية الإيجابية لصالحها، كما أكد الجانب السوري دعمه للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا باعتبارها خطوة ضد دعاوى الهيمنة الأمريكية والأطلسية، وأحادية القطبية.

لكن الجديد الذي لا بد من التوقف أمامه، وما أكده الرئيس الأسد في أكثر من حديث لوسائل الإعلام الروسية هو دعوة روسيا لإقامة قواعد عسكرية جديدة في سوريا، باعتبار ذلك خطوة ضرورية لتحقيق توازن القوى على النطاق العالمي.. وأن تكون هذه القواعد الجديدة مسلحة بأقوى وأحدث الأسلحة، بما في ذلك صواريخ «تسيركون» فرط الصوتية، أو ما هو أكثر منها تقدماً، وباعتبار أن مثل هذه القواعد ضرورية للدول العظمى لتحقيق التوازن الاستراتيجي والردع، وباعتبار أنه إذا كانت قاعدتا «حميميم» الجوية، وطرطوس البحرية قد تمت إقامتهما أساساً في مواجهة الإرهاب، فإن هذه المهمة مؤقتة بطبيعتها، بينما حفظ التوازن الاستراتيجي مهمة دائمة.

ولا شك في أن هذه التصريحات تمثل تطوراً نوعياً في الموقف السوري تجاه الصراع بين القوى العظمى، يضع سوريا في قلب المعسكر المعادي جذرياً للولايات المتحدة وحلف «الناتو» والغرب، بكل ما يترتب على ذلك من نتائج استراتيجية.. وهو ما يجعلنا نعتبر زيارة الأسد الأخيرة لموسكو ذات أهمية استثنائية.

الاقتصاد.. وإعادة الإعمار

احتلت قضايا التعاون الاقتصادي مساحة واسعة من محادثات الرئيسين، واستعرضا نتائج عمل اللجان الحكومية التي شهدت نشاطاً مكثفاً في الشهور الأخيرة، بعد فترة توقف «لم تكن فيها على المستوى المطلوب» حسب كلمات الرئيس الأسد، وقد سارعت اللجان إلى الانتهاء من إنجاز الاتفاق على (40) مشروعاً في مجالات الطاقة بمختلف فروعها، والنقل وبناء المساكن وغيرها، سيتم توقيع الاتفاقات النهائية بشأنها قريباً.

وأكد الرئيس الأسد أن الأمر الأهم هو إعادة الإعمار وإعادة المهاجرين إلى ديارهم، وهي عملية أصبحت تتسم بإلحاح مضاعف بعد الدمار الذي تسبب فيه الزلزال الأخير.

وقد وعد الجانب الروسي بزيادة دعمه لعملية إعادة الإعمار، وهذا جيد، لكن المؤكد أن هذه العملية الضخمة تحتاج إلى دعم عربي ودولي كبير جداً، وإلى رفع العقوبات الأمريكية والغربية ذات التأثير المدمر على الاقتصاد السوري.

التطبيع مع تركيا

ذكرنا فيما سبق أن اقتراب الانتخابات التركية (14 مايو/أيار) يمثل عنصر ضغط كبير على الرئيس أردوغان، يدفعه لمحاولة التخلص من مشكلة اللاجئين السوريين في بلاده، وهو ما يقتضي «تطبيع» العلاقات مع دمشق والتوصل لتحقيق تسوية للأزمة السورية تتيح عودتهم بسرعة.

كما يريد أردوغان أن تتعاون دمشق معه في توجيه ضربة قاصمة للإدارة الذاتية الكردية وقوات «قسد»، ومن شأن ذلك كله تحسين موقفه الانتخابي.

ومعروف أن العلاقات الجيدة بين الرئيس الروسي بوتين وأردوغان، ونمط علاقات أردوغان مع الغرب تجعل موسكو مهتمة بنجاح أردوغان وبقائه في السلطة.

وفي هذا السياق، لجأت موسكو للوساطة بين الطرفين من خلال صيغة ثلاثية (روسيا- سوريا- تركيا) تكون روسيا ضامنة لنتائجها، وضمت إيران مؤخراً لهذه الصيغة لتصبح رباعية.. ويفترض أن ينتهي التفاوض بإعادة العلاقات الدبلوماسية وعقد قمة الرئيسين الأسد وأردوغان.

إلا أن دمشق تشترط لذلك أن تنسحب تركيا من المناطق التي تحتلها في الشمال السوري، وفق برنامج زمني محدد، وأن تتوقف عن دعم الإرهاب في إدلب وتسحب الإرهابيين منها، وهي الشروط التي يحاول أردوغان الالتفاف عليها، والتي أعلن الرئيس الأسد تمسكه بها أثناء زيارته الأخيرة لموسكو، ما أدى لتأجيل اللقاء الرباعي الذي كان مقرراً (يومي 14 و16 مارس/آذار الجاري). وواضح أن روسيا تحترم الشروط السورية ولا تريد ممارسة ضغوط كبيرة على دمشق خشية فقدان مصداقيتها لدى السوريين وفي المنطقة عموماً، حيث أن احترام سيادة سوريا ومكافحة الإرهاب من أهم أسس السياسة الروسية تجاه سوريا.

* كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p92v5e8

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"